تخطى إلى المحتوى

الانتخابات الإسرائيلية: الثابت والمتغير

الانتخابات الإسرائيلية: الثابت والمتغير

انتهت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لتؤكد ان نتانياهو هو الثابت مهما اعيدت الكرّة في محاولات تشكيل حكومة يُسقطها هو او تُسقطه. والمتغير هو الصوت العربي الذي أكد ان المتغير والمتذبذب في لغة السياسة واحد. 

نتانياهو بكل تأكيد حقق في الجولة الأخيرة من الانتخابات مركزا يضعه على عرش “إسرائيل”، فلقد أكد الرجل ان المستحيل كلمة لا مكان لها الى جانب اسمه. والكل متغير الا هو… ثابت بكل تأكيد. 

الحقيقة اننا لا يمكن لنا ان ننكر على الرجل امكانياته كرجل سياسة اسطوري. فقدرته على الوقوف بثبات أكبر بعد كل توقع بسقوط مدوي تثبت تمكنه ومقدرته وتأكيده مقولة ان السياسة هي فن الممكن. 

تحول نتانياهو العنصري البغيض للعرب الى ابى يائير وجعل من حلم الحجيج الى مكة على وشك التحقق لكل مسلم يحلم بالتقرب الى الله بزيارة بيته العتيق. وسانده بخفة “الملائكة” ممثل المسلمين عباس منصور بتوزيع صكوك الغفران. 

في دعاية انتخابية لم تكلف نتانياهو أكثر من بعض اليافطات باسم مرشح العرب الأفضل على مداخل البلدات العربية باسم ابي يائير، وفيديوهات نشرها بينما يصب القهوة في مضارب البدو بالنقب، وأخرى ادارتها القائمة المشتركة التي يقودها ايمن عودة ركزت على السخرية من نتانياهو وكان هدفها الأكبر والمباشر اسقاط نتانياهو، وجد نتانياهو نفسه نجم الحملات الانتخابية كافة. فوجد الناخب العربي الذي يجب ان يخاف ويحرص من خديعة نتانياهو امام نتانياهو ساخر باللغة العربية خفيف الظل، يروج ضده القائمون على المشتركة التي رصد لها منصور عباس في حملتها صورة العلماني الذي يدعم “الشواذ” امام المحافظ الذي يريد من دعمه لابي يائير تحسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعرب. 

بكل تأكيد، الإخفاق الذي نال من القائمة المشتركة عظيم. فهذه القائمة كادت ان تشكل المعارضة في الكنيست الإسرائيلي بالانتخابات السابقة عندما حصدت أكثر من ١٥ مقعد. واخفاقها لم يقتصر على تركيزها على اسقاط نتانياهو كما أصرت في حملاتها الانتخابية السابقة، والذي كان أبرزه في دعم جانتس ضد نتانياهو، والذي كان برأيي الأسوأ لقائمة عربية تردد أهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية والتصدي للعنصرية الإسرائيلية لتجعل من عنوان مشكلتها اسم نتانياهو لا كيان قائم على العنصرية ضد كل ما هو عربي فلسطيني. 

والمشكلة الثانية هي بالانهزامية الدونية التي يعاني منها بعض العرب كما رأينا في هذه الانتخابات، والتي جعلت نتانياهو يتسرب بينهم كما يتسرب الماء من تحت الحجر. فجلعت ما يقرب من ٣٠ ٪ من الأصوات العربية في هذه الانتخابات تذهب الى الأحزاب الصهيونية (٢٠٠ ألف صوت: بالناصرة ٧٠٠ ناخب لليكود او في أم الفحم ١٠٠ صوت ليهدوت هتوراه 

حزب ميرتس أخذ ٣٥ ألف صوت عربي غير ال٢٤٠٠٠ صوت فائض أصوات، كحول لافان حصد ٣٤ ألف صوت، يسرائيل بيتينو حصدت ٦٠٠٠ صوت، حزب العمل حصل على ثقة ٥٥٠٠ صوت عربي، الليكود حصد ١٠ آلاف صوت، شاس حصد اليمين الجديد ٩١٦ صوت، ٨٦٠٠ صوت، يهدوت هتوراه ٨٧٨ صوت.[1]

وباقي الأصوات توزعت مناصفة تقريبا بين القائمة المشتركة بقيادة ايمن عودة والقائمة الموحدة بقيادة منصور عباس. 

منصور عباس بات يشكل المعضلة بحسم رئاسة نتانياهو للحكومة الجديدة في إسرائيل، بالأربعة او خمسة مقاعد التي يمكن ان تعطي نتانياهو بطاقة التشكيل الجديد. وبعيدا عما إذا وافق اليمين المتشدد والعنصري الذي يتحالف معه نتانياهو من اجب تشكيل حكومته، يبقى الأصعب في ذهاب منصور عباس نحو نتانياهو وهو امر محتمل، فلقد تحالف عباس معه منذ البداية، وساهم بطريقة مباشرة بالتفتت الذي حصل للقائمة المشتركة. ولكن المعضلة هنا أصعب من مجرد تحالف سياسي قد يجد نتانياهو من خلاله فرصة لاسترضاء اليمين المتشدد من مدخل التحالفات العربية والإقليمية، فوجود الجبهة الإسلامية في حكومة إسرائيلية شديدة التعصب والعنصرية ضد العرب، يخفف من وطأة التشدد، فأمام العالم العربي الذي يبحث حكامه لحجج مقنعة للاتفاق مع إسرائيل، ليس أفضل من حزب عربي يحمل الصفة الإسلامية كشعار له للإقناع ب ” ديمقراطية” إسرائيل. 

ولكن، كيف سيبرر منصور عباس هذا الانسياق والاحتضان لنتانياهو؟ 

قد يستطيع منصور عباس تأمين بعض الوعودات الفورية – إذا ما صدق نتانياهو معه على الأقل بموضوع العنف والحد منه بالوسط العربي. او إذا ما حسن الظروف المعيشية من بنى تحتية وشوارع ومراكز صحية وشرطة. ولكن، ما الذي سيقوم به منصور عباس وجماعته عند العدوان التالي على غزة؟ عند استشهاد شاب من الجانب المقابل لجدار بلدته؟ 

انتصار منصور عباس مهما بدا كبيرا ومفاجئا الا انه مؤقت. فسيذوب الثلج عن نتانياهو ووعودا ته قريبا بكل الأحوال. 

ويبقى الامر بيد القائمة المشتركة لإعادة حساباتها بعد هذه الخسارة الكبيرة. او ربما، لو يتم إعادة الحسابات بجدوى المشاركة بالانتخابات الإسرائيلية بالنسبة للفلسطينيين بالداخل. عزوف ما يقرب من ٥٠٪ من الناخبين العرب عن التصويت، يؤكد كذلك على عدم رضاهم عن آداء الأحزاب العربية بالكنيست بالإضافة الى المجموعات التي تدعو لعدم التصويت أصلا بالكنيست لأنه لا خير يأتي لفلسطينيين من برلمان تسن تشريعاته دولة احتلال.  

فمحزن ان نعيش هذا اليوم الذي وصلت فيه أصوات العرب الى الثلث لصالح الأحزاب الصهيونية من اقصى يمينها الى يسارها، بقدر ما هو مسيء ان نرى تحالفا فلسطينيا مع اليمين الإسرائيلي المتشدد في صلب ايديولوجيته ضد العرب. 

.


[1] من صفحة الصحافية سناء لهب- الناصرة 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading