يوم الأرض: عودة ابن الأرض الى وطنه: مجد يعود الى فاطمة

يوم الأرض: عودة ابن الأرض الى وطنه: مجد يعود الى فاطمة 

يصادف ذكرى يوم الأرض هذا العام لحظة تاريخية ربما برصد الفرحة المخطوفة من عمق الوجع الدامي.

إطلاق سراح الأسير مجد بربر بعد قضائه عشرين سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي. دخل السجن شابا يافعا، حديث الزواج، اب لطفلين أحدهما لم يتجاوز الثانية من عمره والآخر (طفلة) لم تبلغ العشرين يوم من عمرها. 

خرج ووجد امامه شابين في مثل عمره عندما دخل الى ذلك النفق المغلق لحياته لعقدين. 

وهناك، بين المسافات المشكّلة لعشرين سنة من عمر عائلة، تواجدت فاطمة، الأم والزوجة. الأم التي حضنت طفليها وسلبها الاحتلال وجود زوجها مجد مع عائلتها، وعاشت طفولته ويفوعه وشبابه في طفليه. 

كما في الموت إكرام لأرواح تعيش أبدية الوجود رغم رحيل اجسادها، فرأينا برحيل عبد الستار قاسم وأبو عاصف البرغوثي وباسل الاعرج وغيرهم من الخالدين الحقيقيين ممن رحلوا وتركوا أثرهم بنا الى ما هو أبدي ومطلق. هناك كذلك في الحياة مكافآتها للصامدين القابضين على جمر الحياة بأصعب امتحاناتها. لا يمكن ان تكون قصص الاسرى قصصا جماعية او فردية. كل قصة هي قصة استثنائية لا يمكن الا ان تتشكل من نفسها والى نفسها وتكون بذاتها ايقونة يحتذى بها. 

وقصة مجد تبدو في تحريره من اسره أكثر استثنائية من كل القصص. ربما لأننا لم نعد نرى من التجمهر والتقدير الا لما يسلبه الموت منا. فنخرج عن طورنا ونثكل بمن كان للتو بيننا يواجه الحياة في معتركات النضال ليشكل مثالا يعتد به. وما نلبث نفهم حتى يكون محملا على نعش نبكيه ونرثيه بحرقة. 

مجد وفاطمة شكلا حالة مختلفة تماما لمعنى الانتظار والعودة. 

مجد وفاطمة قدما لوحة حقيقية للحب والتفاني والصبر الذي جاء من بعده الفرج. 

وكأن بتحرير مجد من اسره تحررت احلامنا الساكنة التي لم تعد تنتظر عودة حبيب غاب في قعر الزنازين. 

وكأن باستقبال فاطمة له… استقبال لفرحة منظرة، لأمل تحقق للتو، لحلم صار حقيقة، لدعاء تم استجابته. 

باستقبال فاطمة لمجد عشنا ما مرت به على مدار عقدين من الانتظار، من التمني، من الترجّي، من الصبر، من الدعاء. 

عشنا لحظة تتحقق فيها فرحة حقيقية… 

فرحة تنسي تعب السنين ومرارة الانتظار وصعوبة الأيام وتكدر الأحوال. 

فرحة بلحظات معدودة تفوق كل لحظات الحياة مجتمعة. 

فرحة تتحقق فيها الامنيات ونصدق انها حصلت بالفعل… جاءت بالفعل…. نعيشها بالفعل. 

فرحة اللقاء بين مجد وفاطمة ذكرتنا بفرحة نشتهيها ولو للحظة… 

لحظة يتحقق فيها الامل 

لحظة يستجاب فيها الرجاء… 

لحظة يبشر فيها الصابرين…

لحظة تجتمع من اجلها الحياة فلا تكاد تتسع عيونا اشتاقت لتحط بريقها نورا لا دموعا كادت ان تجف مع بعد الامل وزيادة التعب ودنو الاجل ربما. 

فرحة مجد بفاطمة ذكرتنا بحنيننا نحو ارضنا. 

فرحة مجد بفاطمة اودعت في نفوسنا اليقين ان الأرض دوما تشتاق الى وطن. 

مجد الأرض التي سلبها الاحتلال استنشاقها هواء الحرية وكتمها عليه على مدار عقدين من العمر، لم يكن بحاجة الا الى وطن تشكله فاطمة ليحضنه فتبث فيه الحياة ويبث فيها معاني الوجود. 

في يوم الأرض الذي نتذكر فيه دماء أبنائنا التي روت التراب لتكون الأرض وطنا. قدم لنا كل من مجد وفاطمة رقصة فلسطينية يدب وقعها تراب الأرض فتحرثه لتجهزه لخصوبة قادمة. 

في يوم الأرض الذي نتذكر فيه تضحيتنا ومعاناتنا ونضالاتنا، قدم لنا كل من مجد وفاطمة جائزة الانتظار والصبر والتحمل لحظات من الفرحة لن ننساها. 

في يوم الأرض الذي جعلناه تذكرة لنا بأن هذه الأرض امانة، وان الوطن ليست كلمة تلفظها شفاهنا من اجل الوجود على هذه الأرض، رأينا فاطمة وطن مجد. 

المجد والخلود لأسرانا البواسل وشهداءنا الابرار. 

اترك رد