تخطى إلى المحتوى

عز الدين المناصرة…. سنكفنك بالاخضر والأحمر والأبيض والأسود

عز الدين المناصرة…. سنكفنك بالاخضر والأحمر والأبيض والأسود

فقدت فلسطين اليوم شاعرا مهما. ما انتشر خبر وفاته حتى بدأ الرثاء للرجل وعظمة اعماله وأثره الخالد. 

عز الدين المناصرة هو فقيد فلسطين الكبير اليوم. 

اعترف انني لم اسمع باسمه من قبل.  

لم اكترث كثيرا لدى سماعي لخبر الوفاة، فالموت أصبح اعتياديا في يومياتنا. ما تلبث تفتح عينيك صباحا الا قائمة الأموات الجدد تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي. ما أصعب ان يصبح الموت اعتياديا، على الرغم من معرفتنا التامة ان لا قدرة لنا على تجنبه. 

فقه الموت هو معضلة فهمنا لفقه الحياة. هذه الحياة التي ندخلها وكأنها خُلَقَت من اجلنا ونخرج منها ونحن مجرد موجودات خُلِقَت لأجلها. وفي تتالي الفقدان حولنا، تبرز مؤخرا عظمة الموت في تجليات غير متوقعة، لنفهم ان الحياة ليست الا محطة نبني من خلالها ما سنحمله معنا الى رحلتنا الآخرة…. الذكرى الطيبة.. او السيئة. 

خجلت من جهلي وعدم معرفتي حتى باسم عز الدين المناصرة من قبل، عندما تبين انه صاحب كلمات اهم قصائد المقاومة. بالأخضر كفناه، جفرا. كم شعرت بالخجل من نفسي ولكن فكرت لماذا لا يأخذ هؤلاء حقهم في الحياة. 

لماذا برز محمود درويش وتحول الى ايقونة وكأن فلسطين لم تلد ابداعا الا به، وصار سميح القاسم وتوفيق زياد وعز الدين المناصرة مجرد ابداعات منفصلة مستقلة لم تجد ابدا هذا الحضور الطاغي الذي اعطاهم إياه الموت؟ 

صحيح ان بالأخضر كفناه شكلت بالنسبة لإنسانة مثلي معالم فهمي للمقاومة والتضحية القصوى من اجل الوطن. التفاف الأخضر والأحمر والأبيض والأسود على جسد الشهداء بقي مشهدا يصاحب شعوري بعزة الانتماء وحق المقاومة وحب الأوطان والايثار من اجل القضية فعلا يمشي في عروقنا مع الدم. 

أي ان عز الدين المناصرة صاحب هذه الكلمات كان ولا يزال يجري بين أروقة شراييني مع دمي. ولكن كم كان مجحفا ان لا اعرف عن هذه القامة الا عند موتها. 

بلحظة بينما يردد عقلي كلمات القصيدة بإيقاعاتها التي لم تتردد ان تخرج لتقرع الطبول في اوصالي مع كل فعل وطني مشرّف او هبة شعبية او قصة مقاومة ونضال التفّت بكفن اخضر وابيض واحمر واسود، تذكرت انه بالفعل أثر الانسان هو ما يخلّده ويضعه في قائمة البطولات الخالدة او الخيانات والإخفاقات اللاعنة. 

في لحظة تصدر عز الدين المناصرة المشهد الكامل ليؤكد لنا بعد استسلام جسده ولفظ أنفاسه نحو الحياة الأبدية، ابجديات الإنسانية التي تستحق دراستها في فقه الحياة والموت. 

عندما يصبح فقه الموت هو فقه الحياة.

لنفقه اليوم قليلا ونعلم ان عز الدين المناصرة الذي لم تذكره المناهج الفلسطينية في ادبياتها او مقرراتها هو صاحب منهج لا يمكن تأطيره بمناهج تعليمية تسعى لتشويه الوعي والاحتيال عليه. 

ولد عز الدين المناصرة في بلدة بني نعيم بالخليل. اعتبر من شعراء المقاومة الفلسطينية منذ أواخر الستينات. غنى قصائده مارسيل خليفة، ويطلق عليه مع محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد لقب “الأربعة الكبار في الشعر الفلسطيني”. 

يعتبر من المساهمين في تطور الشعر العربي الحديث وأحد رواد الحركة الشعرية الحديثة. 

أسس رابطة الكتاب الأردنيين وعمل مديرا للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية بين السنوات ١٩٧٠ و١٩٧٣. 

تطوع في صفوف المقاومة العسكرية مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد انتقالها الى بيروت. وحافظ على عمله الثقافي وكمحرر لمجلة فلسطين الثورة ومدير تحرير جريدة المعركة وكسكرتير تحرير مجلة شؤون فلسطينية. كلفه ياسر عرفات بإدارة مدرسة أبناء وبنات مخيم تل الزعتر، كما انتخب عضوا للقيادة العسكرية للقوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة جنوب بيروت في الحرب الاهلية اللبنانية سنة ١٩٧٦. 

اثناء حصار بيروت سنة ١٩٨٢ شارك في صفوف المقاومة، وأشرف على اصدار جريدة المعركة الى ان غادر مع الفدائيين كجزء من صفقة انهاء الحصار الى الجزائر. 

ترك عز الدين المناصرة اثنتي عشرة مجموعة شعرية من بينها “بالأخضر كفناه” و” لا أثق بطائر الوقواق”، و”يتوهج كنعان”، وكان آخرها ” لا سقف للسماء”.

والعديد من الكتب النقدية والفكرية عن الفن التشكيلي الفلسطيني والنقد الثقافي والشعري، والكثير من الأوسمة والجوائز..

ربما … بينما ترثي فلسطين انسانا اخر سيبقى علما من اعلامها…. يتمثل الموت امامنا بإيجابية ما…. ليعلمنا ما كان غائبا عنا اثناء حياته. 

لعلنا… نستطيع ان نحافظ ونقدر ونتفاخر في اعلامنا في حياتهم لا أن نبكيهم ونرثي خسارتنا في مماتهم.  

بالأخضر كفناه بالأحمر كفناه 
بالأبيض كفناه بالأسود كفناه 
بالمثلث والمستطيل بأسانا الطويل 
نزف المطر على شجر الأرزيل ذكراه وعلى الأكتاف حملناه 
بكت النزل البيضاء لمرآه 
دمه ينزف والبدوي تنتظر الأيام 
دمه ينزف زغرد سرب حمام 
والبدوية تنتظر حبيبا سيزور الشام 
بالأخضر كفناه بالأبيض كفناه 
بالأسود كفناه بالأحمر كفناه 
كان خليلا من صيدون حمصيا من حدروب 
بصريا من عمان وصعيديا من بغداد 
كان جليليا من حورام 
كان رباطيا من وهران 
مطر في العينين وتحت القلب دفناه

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading