تخطى إلى المحتوى

يوم ميلاد عبد النور… ملحمة النور

وقبل ٢٤ سنة جاء عبد النور 

وعلى عكس ولادة هيفا التي لم اميز الوجع من المخاض فيها. وجع ام هلع لم أكن افهم 

كل ما اذكره بعد وصلة غير منقطعة من الصياح الممزوج بالهلع أحدهم وضع تلك المخلوقة على صدري. 

عبد النور كان في قدومه قصة أخرى …

ملحمة هي الكلمة الصحيحة لوصف ذلك المخاض.

كنت كالماعز الذي دخل للتو لغرفة الذبح ولا مفر امامه من سكين الجزار.

كنت اظن ان رحلة الولادة واحدة.. متشابهة… صرخة، هلع، وطفل يبكي ومن ثم يضعه أحدهم على صدرك المتبقي من جسدك المنهك. 

كانت ملحمة حقيقية… صياح غير متوقف … هلع حقيقي…. وجع لا يمكن حصره…. 

صياح ملأ الغرفة.. الرواق… المستشفى…

صياح أخرجت من خلاله كل افرازات الحياة المتكلسة…. فتناثرت بالفضاء بألم وامل 

خرج أخيرا من بين كل هذا الوجع والهلع والاقتراب المحتم من اليأس والدفع بالأمل كحل وحيد لخروجي وخروجه نحو الحياة.

مخاض الذكر يبدو غير مخاض الانثى

ربما لهذا نتعلق بهم بطريقة أخرى 

وفي حالتي كان لا بد ان يكون بوجود عبد النور أكثر من هذا 

فهو الذكر الأول. كان قدومه كسرا للعنة الاناث المصاحبة لجينات العائلة التي تغلبها الاناث. 

كنت على حسب الأسطورة الشعبية في المدينة.. كأمي أنجب البنات. فكان قدوم عبد النور اثباتا، انني لن أعيش “لعنة” البنات التي رافقت حياة امي وحياتنا بإنجابنا…. 

جاء عبد النور….. 

وانتهى المخاض أخيرا، بتعسّر لم يكن بالهيّن… 

بذكريات لم يفارقني هلعها ابدا. 

كان أجمل ما رأت عيوني… لا اعرف… لم اقو كثيرا على التأمل… 

كنت أخشى ان يأتي من يزاحمني على حب هيفا. 

ولكن فهمت حينها كيف يتسع القلب بلا مزاحمة. 

يأتي الجديد ويأخذ مكانه. لا مكان أحد. 

وكأن قلبي صار أكبر.

وكأن روحي صارت جزء حقيقيا من جسدي. 

او كأن روحي تلاحمت مع جسدي وصرت في طريقي نحو كوني انا. 

هل قويت بوجود الذكر المنبثق مني؟ 

ربما… 

رافقتني هذه الهواجس لبعض الوقت… 

يسقطها الجميع عليّ أحيانا… 

كم اميز عبد النور عن اخواته. 

وانا بالفعل اميز… بعائلة تسيطر فيها اناث مثلي.. يقع عليّ عاتق التأكد من المساواة! 

ولكن بالتأكيد ككل ام… تميز مع كل ابن لها على حسب احتياجه لها….

عبد النور…. 

اسم على مسمى بالتأكيد…

فبه من النور الذي يستعد لإنارة العالم حوله ما يمكن ان يجعل العالم مكانا أفضل.

قد تكون الاستقلالية صفة زرعت في ابنائي بعناية، ولكن عبد النور كان به ما هو اخر… 

مختلف… 

٢٤ سنة من الحياة التي خاضها ليكون اليوم عيد ميلاده

انظر اليه وأفكر… 

هذا هو الرجل الذي رأيت في تلك السنوات البعيدة عندما كان يقوم بكل شيء بطريقة مختلفة. 

طريقة لا يمكن فهمها بسهولة. لا يمكن توقعها. لا يمكن رصدها. ولا يمكن فهم كيف فكر بها. 

وكأن ولادته الحقيقية هي الآن… 

عبد النور الذي ولد ليكون… 

وكأن المخاض الصعب يولد حياة صعبة لصاحبها… 

كما الام يأخذها وقت لتلتئم جراح المخاض… 

يأخذ ذاك المخلوق وقتا لينفض عن نفسه كل تلك الالام التي شقت عليه

بقدر الوجع الذي يصيب الام لا بد ذلك الطفل الذي يحاول شق حياته الى الحياة يشعر ذلك الطفل 

بعد ٢٤ سنة اشعر ان الحبل السري بيننا بدأ بالانفكاك… وكأن جزء مني بات مطمئنا. 

انظر الي هذا الشاب الجميل اليافع الساحر وأقول في نفسي…. 

لقد تمكن من كل المصاعب وخاضها بإصرار ذلك الطفل الذي كان يحاول الخلاص من رحم امه الى نور الحياة. 

عبد النور…. ابن رحمي الذي سيبث النور في طريقه نحو حياة يملأها الحب والفرح والابداع والكثير من المساندة والتفهم لمعنى ان يكون الانسان منا انسانا جاء ليكون النور لهذه الحياة. 

كل عام وانت النور المشع في قلبي 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading