تخطى إلى المحتوى

للأسر وجه حقيقة وحيد: منصور الشحاتيت

 

تتصدر بالعادة افراجات الاسرى في سجون الاحتلال الفرح في قلوبنا. وكأن مع كل موعد للحرية مع هؤلاء الابطال الذين قضوا ريعان حياتهم وراء قضبان الاسر، موعد لنا مع حريتنا المكبلة بلا قضبان معتقلات. 

فرح واستقبال وتصريحات رنانة وانتصار للأسير على سجانه. 

الا ان إطلاق سراح منصور الشحاتيت ابن بلدة دورا قضاء الخليل بعد ١٧ سنة في سجون الاحتلال يجسد الحقيقة لما يحمله الاسر من مآسي وكارثية تتربع في داخل الانسان لتستقر باضطرابات وانهزامات وانتكاسات وظلم يقبع في ظلمات النفس فيخرج بهيئة رأيناها تتجسد امامنا بمنصور.

 كم كان المشهد مؤلما، موجعا، مبكيا…. رؤية اسير قضى شبابه بالسجن منكسرا منهزما محطما تدمي العيون لرؤيته. 

هل يختلف منصور عن غيره؟ 

هل ما رأيناه كان امرا شخصيا انهزم من خلاله صاحبه امام صعوبات السجن فانهار؟ ام ان ما رأيناه هو انعكاس حقيقي لمن نراهم متماسكين، الا انهم بلا شك يعانون نفس انكساراته واضطراباته ووجعه الذي لا يمكن تطبييه. 

خرج منصور من السجن بنصف ذاكرة او بعض منها. ذاكرة لم تمكنه من معرفة امه. ذاكرة لم تمكنه من تذكر سبب سجنه. ولا يعرف عن نفسه الا خروجه من السجن مترنحا بالكاد يستطيع ان تحمله قدماه.

ما يذكره منصور انه قضى ١٧ عام بالسجن وكانوا يضربونه. وانهار امام ترديده للكلمة. 

كم من الألم غير الملتئم بروح وجسد هذا الساب الكهل. 

يتذكر حبسه بالسجن الانفرادي والغرف المغلقة ولكنه يتذكر انه دخل السجن ليحارب من اجل وطنه. وخرج من السجن عزيز نفس، حارب من اجل اهله واخوانه ووطنه….. ويلوذ بنفسه بالصبر…ربما… على حد تعبيره. 

تلفزيون فلسطين قام “مشكورا” بإجراء مقابلة مع منصور الشحاتيت “ليشكر” الرئيس بتكفل سيادته بعلاج الأسير، عبّر بكل مصداقية عن دور الإدارة الرسمية الفلسطينية متمثلة بالتلفزيون والرئيس. 

الرئيس يستجيب لمناشدة عائلة الأسير المحرر الشحاتيت هو عنونا الخبر اثناء المقابلة التلفزيونية. الأسير المحرر يشحت علاجه انتصارا منصورا للرئيس والتلفزيون. 

قد نشاهد ما هو سيء. ما هو مزعج وما هو مسيء لا يأخذ بعين الاعتبار ابجديات العمل الإعلامي. ان يكون الإعلامي انسانا قبل ان يحمل الميكروفون، وان يكون الضيف انسانا لا موضوع خبر تتمسك المذيعة من خلاله على حظوتها بالميكروفون لنفسها. 

الأسير المحرر…. ديباجة يتم استخدامها واستغلالها من اجل الترويج لدعايات تلميع لنظام فشل في كل شيء. فشل في تحرير الاسرى، وفشل في صون كرامتهم عند خروجهم، وفشل في الحفاظ على صحتهم عند حاجتهم. ومع هذا لا يتوانى او يتردد ان يستخدم هؤلاء الابطال الابرار للوطن لدعاية فارغة من المضامين والمعاني مليئة بالإساءة لكل ما يمثله، وللأسير. 

من البديهي ان يكون هناك ما يحتوي الاسرى ويحميهم ويعالجهم ويساعدهم على إعادة تأهيل. هل هذا يحتاج الى مكرمة رئيس؟ 

منصور الشحاتيت، الذي شحت تلفزيون فلسطين على مأساته ومعاناته سبقا صحافيا من اجل تقديم الشكر والتقدير للرئيس، عكس فشل هذه المنظومة البالية التي لا ترى من معاناة الانسان الفلسطيني الا موجة يمكن ركبها للوصول الى شرعية مفقودة بسبب هكذا أفعال متراكمة. 

مهما تكلمنا وراجعنا ووصفنا… هذا المشهد هو الأسوأ بكل المقاييس. 

مهما حاولنا تجميل الحقيقة، ما يمثله منصور هو حقيقة لا نواجهها. نرفض ان نراها. 

فاجأنا منصور جميعنا بمشيته المترهلة المضطربة، بعقله الضائع، بتوازنه المفقود، بنسيانه لكل شيء الا انه حارب من اجل اهله واخوانه ووطنه… وقضى سنواته بالسجن الانفرادي وضربوه.

 كم عانى ويعاني الاسرى في سجون الاحتلال؟ كم ضربة، كم ركلة، كم تحقيق رأوا فيه المرار، كم عقاب وتوبيخ، كم مر عبر عروقهم الذل وعلى جسدهم التحقير، كم تحملوا ويتحملوا؟ 

كم مرة استجبنا لنداءاتهم؟ لاستغاثتهم؟ كم مرة التفتنا الى خيام الاعتصام منذ أسابيع وربما أشهر على مقربة من مجلس الوزراء لأهل الاسرى يطالبون بحقوق أبنائهم؟ 

كم جعلنا منصور نرى حجمنا … كم تبين صغرنا امام تضحياتهم. 

كم كشف كذبنا امام صدق فعله. 

كم تحركنا بعد هذا المشهد نحو خيم الاعتصام المنصوبة لنصرة الاسرى وعائلاتهم؟ 

كم تحركت ضمائرنا وكم زال التحجر عن عيوننا فأذرفت بعض الدموع لعل الخامد في وجداننا يستيقظ ليشعر ان ظلام السجن المخيم على هؤلاء الذين قضوا اهم سنوات حياتهم في غياهب الزنازين لا ينتهي الى فجر مترامي الخيوط كما نتمنى بشاعرية الكلمات. 

الحقيقة مؤلمة أقرب الى البشاعة في مشهدها الأخير. 

الحقيقة التي تشوه وتقتل الجسد والنفس وتترك الانسان شبه الانسان الذي دخل تلك الغيابات ولم يخرج منها كما كان ابدا. 

واهل هؤلاء وهؤلاء امانة في رقابنا….. لم نصنها. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading