تخطى إلى المحتوى

السطوة الذكورية من الأغاني الى الفلسفة: ماذا لو غنت مطربة أغاني كاظم الساهر وخاطبت حبيبها؟

السطوة الذكورية من الأغاني الى الفلسفة: ماذا لو غنت مطربة أغاني كاظم الساهر وخاطبت حبيبها؟

منذ مدة لم اسمع كاظم الساهر، توقفت اغانيه عندي مع محطات حياتي المختلفة بذكريات عذبة بقدر مرارتها. الحب وحزنه المرافق بكلمات اغانيه وشجون صوته العملاق. 

أتذكر اول معرفتي بكاظم الساهر بأغنية طويلة جدا لا يذكرها المعظم كانت في زمن عبرت الشط، “ابكي انت لا تبكي ابد بعد ما تحرك احساسي”. حينها، كان الحب الأول بالتأكيد، وكان قاسيا، انتظرت منه دمعت ونزلت. كنت ايامها في سنتي الجامعية الأولى ربما، وكانت الطالبات بالسكن الجامعي من الخليج مفتونات بالعراقي الصاعد. اخذني وقت لافهم الكلمات حتى صارت الاغنية جزء من يومي. انتصرت بها حينها. اردت من ينتقم لمشاعري المكسورة حينها. وكانت تلك الكلمات بصوت كاظم.

كبرت وصار صوت الساهر يشدو بكلمات نزار قباني ولطالما سألت نفسي من اعطى حقا للآخر ومن اخذ من الاخر في هذه السمفونية الرائعة بين صوت وكلمات. يظلم من يعمل مع كاظم الساهر ونزار قباني، فلا قيمة ظاهرة لأي اخر حتى اللحن يسكت امام الكلمة بصوت الساهر. 

لا اعرف كم هي مصادفة، ولكن يبدو الامر عجيبا ان يكون حال المرأة منا حال متوحد. فصار الساهر بكلماته يعبر عن كل امرأة، عني وعن امي وعن ابنتي ربما. عن صديقتي واختي والجارة القريبة والبعيدة. كل امرأة ترى نفسها تلك المرأة التي يشدوها صوته عشقا. 

توقفت عن متابعة الساهر وغيره. وكأن الزمن توقفت عندي في تلك الحقبة. 

تبقى ذائقتي بزمن استمتع بالحفاظ عليه، فتوقفت الأغاني في تلك الفترة ما بين أواسط الثمانينات والتسعينات. فكانت زيديني عشقا ربما ومدرسة الحب اخر محطاتي مع الساهر. 

ربما كان حبا جديدا كذلك.. لم اعد اذكر. 

فالحب يبدو كالأغاني… لحظات تبدأ وتنتهي في اغنية.

اتأمل كلمات الأغاني بصوت واحساس كاظم الساهر، واعود لتأملي السابق قبل أيام قليلة لبطلات يوسف زيدان في الروايات. 

كاظم الساهر يجعل من كل امرأة تسمع اغانيه بطلة محتملة او اكيدة في مخيلتها وتتمنى لو يكون حبيبها كالساهر ساهرا على رضاها ومغازلتها واسترضائها وتقديرها. 

تفكر كل انثى منا بتلك المرأة التي فتنت وجدان القيصر فأخرجت من اعماقه صدح صوته العذب فاخترقت كلماته القلوب كلها بلا استئذان. 

بين تودده وعشقه للمستبدة والمتمردة ومعذبته، وبين استرضائه وتحمله للدلوعة والحلوة والمعذّبة، يرسم الساهر بالتأكيد خطوطا مختلفة تتبعها الاناث، ويصبح حلمها برجلها الذي قد يراها كالساهر، او ترى نفسها بكلمات الساهر معشوقة مدللة، متمردة مستبدة، حلوة. 

أي الاسلوبين في محاكاة المرأة هو الأقرب للحقيقة؟ 

أي الرجلين هما أقرب للرجل الحقيقي؟

وأين المرأة بين الاثنين؟ 

المنتظرة لرجل يكتبها بطلة في رواياته، ام التي تناجي انوثتها بصوت مطرب في اغنية؟ 

في الطرب النسائي أفكر قليلا، وأؤكد انني لست متابعة جدا، ولكن من أحلام لأصالا لأنغام لشيرين لأنغام لكارول سماحة، تقع مشاريع كلماتهم بما يقدمه هاني شاكر وفضل شاكر ووائل كفوري ربما وغيرهم من مطربين، يحاكون الإحساس ويدغدغون المشاعر ولكن قلما تشعر الانثى انها المخاطبة كما يحصل مع كاظم الساهر.

بكاء وخيانة وحب وحرد وورد ومصالحة وإصرار وطلاق وزواج تصب بفيديو كليب يحكي كل شيء. 

مع كاظم الساهر كل كلمة تخترق كينونة الانثى، تبكي وتضحك، تتفاعل وتتناحر، ترفض وتتمنى، تعيش الحب بعشق، وتصدق وجود الحب وتبدأ بالبحث عن حبيب ان لم يكن موجود فالساهر هو الحبيب المنتظر. 

في المقابل، بينما أحاول إيجاد لغة تشبه لغة الساهر في مخاطبته للمرأة، بجرأته، بانفتاحه على التعبير بملامسة شعوره وشعور المتلقي، لا أجد الا الأغاني المبتذلة، قد تكون هكذا محاكاة حصلت ذات مرة بين عبد الحليم حافظ وشادية بأغنية ” حاجة غريبة” ومرة بين نوال الزغبي ووائل كفوري ب “انت اللي بحبه انا” كان هناك تساوي بحجم المشاعر وقيمة المتلقي.

قد يبدو أسلوب الساهر لأول وهلة مختلف عن أسلوب زيدان، وهنا نتكلم عن النجومية ربما وتأثيرها، فالسحر الملازم للأشخاص بالتأكيد يؤثر على المتلقي. ولكن هل هناك من اختلاف عند النظر الى الامر من زاوية السطوة الذكورية التي يستحكم بها الرجل حتى على المشاعر؟ 

مشاعره ومشاعرها؟ 

هو الذي يستطيع ان يصف احتياجاتي وان يعبر عن مكامن مشاعري وان يخلطها ويخربشها ويسويها متى أراد. 

هو يعرف لدرجة اليقين… فأنا اسمع واجد نفسي بكلماته … 

هل أستطيع ان اكتب كلمات اغنية بهذا القدر من الجرأة في التعبير عن مشاعري تجاه الرجل وتغنيها شيرين مثلا بلا ان تتهم بتجاوزات الادب؟ 

كم تستطيع المطربة ان تغني كلمات انثى عاشقة؟ 

كم تستطيع الشاعرة والكاتبة الإفصاح كالرجل عن مشاعرها بجرأة الرجل؟ 

كم نختبئ حتى في معظم الأحيان بتوحيد الخطاب فيصبح الحبيب والحبيبة واحدا.. لكيلا يساء التقدير فتسيء المطربة الادب؟

لا أحاول القول هنا ان الخطاب ان الهيمنة الذكورية هي مقتصرة على العقل والوجدان العربي. 

فمثلا هناك تجربة كل من انايس نين الفرنسية وهنري ميلر الأمريكي. الاثنان من اهم ادباء القرن العشرين وعرفا بالإباحية بكتابتهما. الا ان كل منهما وضع في قالب مختلف، على الرغم من العلاقة الشخصية التي تشاركا بها، والتي انعكست كذلك بقوة وجرأة بكتابتهما. ولكن ركز الجميع على الإباحية المفرطة بكتابات نين وأغفلوا فلسفتها العميقة وفكرها الحقيقي، بينما، تم التعامل مع ميلر منذ اللحظة الأولى على انه فيلسوف قادم. 

كذلك الامر مع ماري وولستونكرافت وجان جاك روسو، ما تم التركيز عليه في كتابتها لا فكرها وفلسفتها ولكن كيف انها انجبت بلا زواج (في القرن ١٨)، اما روسو الذي كتب اهم كتب التربية والهم الثورة الفرنسية، مر اعترافه بإنجابه لسبعة أبناء وضعهم في بيوت الايتام وكأنه امر عابر. 

كذلك الامر بالنسبة لمي زيادة وجبران خليل جبران. فما طبع في عقول الناس علاقة الحب التي جمعت بين الاديبين، ولكن من منا يعرف عن فكر مي زيادة؟ عن كتابها الفلسفي بأفكارها عن المساواة. بقي جبران النبي وانتهت ذكرى مي زيادة بالعصفورية. 

ومن ثم هناك غادة السمان واعترافاتها والغضب عليها لجرأتها وتسطيح فكرها الى علاقات عاطفية. 

في كل مرة أتساءل.. ماذا لو كان الرجل هو الذي يعترف؟ ستكون الامور عادية.

باللحظة التي تعلن المرأة عن جرأتها فهي تخرج عن طور الادب. 

اما الرجل فيستطيع ان يقل الادب … والمرأة ستحبه أكثر بالتأكيد وستفهمه وستتفهمه وتذوب فيه. 

كيف يمكن ان نستقبل اغنية كتبت كلماتها امرأة وغنتها امرأة بعنوان زدني عشقا؟ 

زدني عشقا كي يزداد جمالي 

فبغير عشقك لا أكون جميلة

الحقيقة انه يصعب على التفكير بكلمات، فأول ما يخطر ببالي كيف سيستقبل الناس هذه الكلمات، والاهم كيف سينظرون الى المعشوق الرجل الذي سيطاله كل هذا الغزل “الساهري”؟ كيف ستشدو مطربة (ليست ام كلثوم او رابعة العدوية) بكلمات غزل صريحة ومباشرة لحبيب؟ 

ولكن حتى ذلك الحين، سيبقى كاظم الساهر قيصرا متحكما بالرجال والنساء على حد سواء، متربعا على عرش الإحساس بصوته الذي يصدح بالفضاء محلقا والى الأعماق مسيطرا.

 ويبقى هو وليلى معلقة تتحطم بين ثنايا صوته سطوة النساء مجتمعات.

ومي زيادة بمقولة “الألم الكبير تطهير كبير”  يبنى عليها نظريات وقواعد وقصائد ويغنيها بصوته كاظم ليحاكي الم النساء بمرهم “ذكر” يفهم خفايا الم الاناث. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading