الشيخ جراح…الأقصى…القدس: قصة شعب وأرض تحت احتلال
من الصعب الكتابة وسط كل هذا الكم من الاحداث القامعة. ولكن ليست الكتابة بذخا إذا ما كنت ابن هذا المكان النابض بالرغم من الاحتلال.
اتابع ما يجري وسط احباط عارم. فنحن نعيش أسوأ أيامنا كشعب لم يبق منه الا اسمه. قيادة متفككة، شعب منقسم، وجماعات تسترزق على كل ما يمكن الاسترزاق عليه في ظل فساد مخيم على كل مناحي الحياة.
شعب يئس ووصل القرف والإحباط مداه عنده. كل يحاول الاستئثار بما تبقى له من حياة لعله يستطيع ان يحمي نفسه وعائلته المقربة.
والقدس متروكة لخالقها وأهلها.
لا أستطيع التساؤل كيف اندلعت الأمور وكيف وصلت الى هذه النقطة من الانفجار. لا يستطيع فهم هذا الا من يعيش يوميا حياته يتنفس وطء الاحتلال. تلك الحياة التي تجعل من المرء أقرب الى الصنم. يتلقى الضربات من كل الاتجاهات ثم يوضع امامه قرابين من هدايا وحلي واموال. يتم استخدامه حسب الحاجة. نسكت ونصمت ونبلع آلامنا واوجاعنا وقهرنا، ونرفع عيوننا نحو خالق هذا المكان ونشهده على فعل البشر في أقدس بقاعه.
وكأن الخالق يؤكد لنا انه بالفعل يمهل ولا يهمل. فيبث في أبناء هذه المدينة الحياة كما يجب ان تكون. حياة تليق بمن يحمل اسم هذه المدينة. أبناء يقتربوا بأرواحهم ليكونوا تجسيدا لمعاني القدسية السامية.
أبناء مدينة مشى فيها المسيح درب الامه مصلوبا رافعا هامته بالرغم من يقينه ان سجانه ومعذبه يقوده الى حتفه.
مدينة يعيش بداخل نفوس أبنائها المسيح كيف يمكن ان تقهر؟
مدينة آثر فيها عمر بن الخطاب الكرم وامنه أهلها على أقدس مقدساتهم وحط فيها قبلة المسلمين لتكون وجهة المؤمنين كيف يمكن ان تستسلم؟
مدينة سرى اليها محمد وعرج منها نحو السماء كيف للخالق ان يتركها لتنكيل المغتصب المحتل؟
كيف يمكن ان تترك هذه المدينة التي دثرت الظلم عنها وبقيت ورحل الطغاة واندثروا.
بقيت بأبنائها حضارة تلو الحضارة…. يحمونها بدمائهم … وينصرونها بأرواحهم…. ويموتون ايثارا من اجل بقائها.
وكأن للحق وجه واحد…
وجه قوة.
هذا هو سر القدس وأهلها…. الأقصى… باب العامود…. الشيخ جراح…. صاحب الحق لا يخاف ولا يخشى.
صاحب الحق هو القوة…
الحق قوة… لو يدرك البشر هذا لما بقي ظلم على هذه الأرض.
اتابع ما يجري… انظر الى الوهج في عيون ابنائي، الشباب بأعمارهم. وكأن كبت الظلم القابع فيهم انفجر ولم يعد بالإمكان ارجاعه الى سجنه السابق. وكأنه كانوا بانتظار هذه اللحظة ليقولوا كلمتهم.
كلمتهم هم…
ما يشعرون به
ما يؤمنون به
ما يعرفونه الحق.
قوتهم.
يأخذون زمام امورهم ويتصرفون. لا ينتظروا أوامر من قيادة، ولا توجيهات كيف ومتى وماذا يفعلون. يقومون بما تقودهم اليه سجيتهم. تركونا وراءهم وتقدموا نحو المستقبل.
ننظم أنفسنا، ننتظر أوامر من يدرسون قضيتها وتوصياتهم. ندعو فرج الله وننتظر صلاح الدين الجديد.
أبناء القدس اثبتوا ان صلاح الدين ليس الا سلطانا عابرا في تاريخ هذه المدينة. ترك بصمته ورحل. هم من يبصموا اليوم ويرسموا ويكتبوا ويحاربوا من اجل مدينتهم.
أبناء القدس هم خط الدفاع والهجوم.
هم القيادة والقادة.
فلن يفهم معنى الدماء التي تمشي طريقها في عروق أبناء هذه المدينة الا الذي يفهم من زهد بحياته من اجل هذه البشرية. فمدينة مشى المسيح درب آلامها…. لا يمكن الا ان يكون ابناءها هؤلاء….
القدس ليست عروس عروبة أحد
القدس هي قلب العروبة التي ينبض ابناءها بأنفاسها. هم شرايين هذا القلب … هم الدماء التي تضخ من اجل هذا القلب…. هم الاوردة التي تتفتح من اجل هذا القلب.
القدس هي وجه الحق.
والحق قوة لا يقمعه ظالم… مهما استبد وطال ظلمه.
القدس بأبنائها هي وجه الحق.