المشهد الفلسطيني الثابت: اقتسام الانقسام

المشهد الفلسطيني الثابت: اقتسام الانقسام

على الرغم من تفاقم الاحداث وتداعياتها المتسارعة، الا ان المشهد الفلسطيني السلطويّ ثابت، وهو اتفاق معلن او غير معلن بأن المطلوب هو اقتسام الانقسام. 

التوافق على هذا المشهد هو توافق الصديق والعدو. 

قد ابدأ من المشهد الأخير الذي لا يزال يسيطر على كل المشاهد في عقلي، وهو ذلك المتعلق بالهرولة الامريكية للتأكد من احكام السيطرة على وضع يوشك على ان يخرج عن السيطرة، والمشهد المصري الذي تجمع فيه أعداء الامس القريب بين تحميل لوزر احداث رابعة ووصم كل غزي وفلسطيني ربما بصفة الاخوان، ليتفقوا وكأن ما كان سحابة ربيع انقضى بلا رجعة. 

ونحن الشعب وسط هذا في حالة لا يزال الانبهار يسيطر على مدى الرؤية لدينا. فلا تزال نشوة الوحدة والانتصار تعتري ارجاءنا. نريد ان نصدق اننا انتصرنا. انتصرنا بوحدتنا. انتصرنا بكسر شوكة الاحتلال من خلال دك طمأنينتهم ولو لأيام معدودة.  نريد ان نصدق ان الخلاص قادم علي يد مقاومة صدقت الله فصدقها. 

ولقد حدث هذا كله فعلا. 

ولربما، لأول مرة لا ينتهي شعورنا بالانتصار بسكوتنا واطمئناننا. فالنضال لم يتوقف في الشيخ جراح، وغزة تلملم اشلاءها بكبرياء وقوة أكثر من قبل، والداخل المحتل لم يعد كما كان، ومطالبة بتغيير – متمثل- بتغيير الرئيس يلح في الضفة الغربية. 

ولكن، كما دوما، الفجوة بين ما نصبو له كشعب وبين ما تخطط له السلطة سحيقة. وفي كل مرة نحاول فيها بالتمني ان نؤصد سحق هذه الفجوة نصاب بخيبة امل أكبر.

والاصعب دائما هو استغلال مشاعرنا المؤجّجة بحب هذا الوطن، لمصالح اولي سلطة مصالحهم هي الوطن. 

وسط كل هذا تدخل إسرائيل مرحلة جديدة في تطرف حكمها، فلا يمكن التأمل بأي خير ممكن من اعتلاء المتطرف بينيت رئاسة حكومة إسرائيل. فما عشناه من نتانياهو سيكون شهر عسل بالمقارنة بما سنعيشه في حقبة بينيت. 

يعني، إذا ما ظننا، ان صفقة سياسية بها بعض الامتيازات الوطنية سنحظى بها بعد وقف إطلاق النيران الأخير، فالتغيير القادم بالحكومة الإسرائيلية لن يترك لهذا أي مجال بالتأكيد، فأشك ان ١١١١ التي تكلم عنها السنوار ستفرز أكثر من ١١١ إذا ما افرزت أي شيء (تنبأ الجميع ان المقصود بال ١١١١ هو عدد الاسرى الذين يجري التفاوض على إطلاق سراحهم مع إسرائيل). 

وبين مساعي وتمنيات حقيقية، وبين تقنص للفرص ولعب على أوتار المرحلة بشد بعضها او رخيها او قطعها، تبقى التجاذبات والتنافرات على الأرض هي ما يشغل الناس. 

تبدو قضية السفراء بين ما رأيناه من مقابلة لسفير فلسطين بباكستان والتي عكست الكثير من الواقع المرير لما تعكسه الدبلوماسية الفلسطينية في ترديها، وسفير فلسطين في اسبانيا الذي لم تسعفه اللغة ولا جسارة نده الإسرائيلي من الوقوع تحت سيف الانتقاد اللاذع، ومن قبلهما سفيرة فلسطين بهولندا التي بدت كالمبتدئة امام نظيرها الإسرائيلي في مقابلة مشابهة. على الرغم من ان الانتقادات مشروعة ومحقة، الا اننا نعود كما في كل مرة الى نقطة لا داعي فيها للحديث أصلا، فما الذي نتوقعه من وزارة خارجية لم يتغير وزيرها منذ ان التصق بالوزارة قبل ما يقرب ال ١٥ سنة. وزير الخارجية الفلسطيني هو الثابت في السلطة مهما تغيرت الحكومات، وعليه فالسفراء بنفس المكان من الثبات لا يتغيرون، فلا داعي لتقدمهم ولا تطورهم ولا اكتراثهم للمتغيرات من حولهم. 

في سياق اخر علت الأصوات التي تطالب برحيل الرئيس، سواء بانتقادات لاذعة أكثر او ببيان مكتوب موقع من قبل أكاديميين (وصل عدد الموقعين الى أكثر من ألف) كما تم تداوله مؤخرا. وعلى الرغم من الاستياء الحقيقي والشعبي الذي يتمثل بجزئية كبيرة منه بشخص الرئيس بسبب أدائه الذي يودي بنا مع كل لحظة الى هاوية لا قرار لها، ولكن هل يشكل الرئيس المشكلة الحقيقية ام انها المنظومة التي يتشكل منها الرئيس المشكلة. برأيي ان التخلص من الرئيس سواء بتنحيه او اقالته او لا قدر الله بقدر الله موته لا يحل المشكلة التي نعيشها. فاستبدال الرئيس برئيس اخر يدير نفس هذه المنظومة سيجعلنا نتمنى التخلص منه كما يجري الان. مشكلتنا ليست بشخص الرئيس، ولكن بالمنظومة الفاسدة التي تتحكم بكل شيء بما فيها الرئيس. ونعم، الرئيس هو المسؤول عن هذا الخراب، لأنه لا يأبه على ما يبدو لطالما هو موجود. 

ولو كنت مكان الرئيس لما اهتممت بعد ما حصل من هرولة أمريكية وبريطانية واوروبية ومصرية وعربية للتأكد من بقائه من اجل تمرير الأموال التي يراد لها ان تدخل بحجة اعمار الدمار الذي المّ بغزة. 

فهنا، ارجع لحظات الى الوراء، قرار الذهاب الى الانتخابات قبل أشهر قليلة كان سببه بلا مكان للشك هو محاولة طرفي الانقسام السلطوي بين الضفة وغزة اضفاء شرعية لوجودهما التي فقدت وسط فساد ومحاباة وانهيار في الوضع الاقتصادي واهتراء للمنظومة الاجتماعية والأخلاقية وغياب القانون وانعدام الامن، مقابل عدم تدفق أموال المساعدات الدولية التي صارت محرجة امام شعبوها لهدر الأموال الذي يحصل مقابل الفساد الذي يشهد ممارساته العالم. 

فكان من أكثر الأمور عجبا، ان نرى التوافق بين طرفي الانقسام لدرجة اعلان النية عن إمكانية خوض الانتخابات بكتلة واحدة، بينما فشلت كل محاولات المصالحة على مدار أكثر من عشر سنوات. 

واليوم، تبدو الحاجة الى الانتخابات غير قائمة، كذلك المصالحة تأخذ شكلا اجرائيا توافقيا، يرتبط بتوزيع الأموال واقتسامها.

فجأة صار كل الأعداء من الاشقاء في وفاق. فتح وحماس في وئام. حماس ومصر. مصر وقطر. قطر والامارات. الامارات تتلمس القداسة بهيأة سفيرها لدى الحاخام الإسرائيلي. إسرائيل وامريكا وأوروبا وبريطانيا لا يمانعون تسلّط حماس للمشهد الجديد. 

وكأن النية كانت دائما لدى سلطتي الانقسام هي محاولة ضخ الأموال من جديد من اجل اقتسامها لتبقى الضفة تحت تسلط سلطتها الفتحاوية وغزة تأثر بها حماس. 

والشعب يصفق لانتصار وتمنيات وامال وتوقعات بوحدة ربما، بتحرر ربما، بدولة ربما، بانتخابات ربما. 

والسلطة تكمل مشوار تسلطها على الشعب حتى انتهاء ضخ الأموال الى جيوب المنتفعين، لتعاد الكرة من جديد…. 

دعوة لإنهاء انقسام وانتخابات وحكومة وحدة وطنية، فاجتياح فدمار، فضخ أموال وإعادة اعمارواقتسام وتكريس انقسام.

اترك رد