تخطى إلى المحتوى

بيننا وبينهم: حكومات شرعية أكثر تطرف من قبلهم وحكومات غير شرعية متطرفة نحوهم من قبلنا….المطلوب وحدة فلسطينية تجمّع لا تقسّم.

الحكومة الإسرائيلية المزمع تشكيلها والموافقة عليها، ان رأت النور، ولو مؤقتا، ستشكل بالتأكيد نقطة تحول يندمج فيه اقصى اليمين واقصى الشمال ليؤكدا لنا ان مهما تطرفت في توجهاتك في إسرائيل، فبوصلتك واحدة: أمن إسرائيل والسيطرة على الصراع. 

هذه كانت كذلك كلمات بينيت الأيديولوجي المتعصب والمتشدد الذي سيترأس الحكومة الإسرائيلية التي لم تستطع أربع انتخابات متواصلة خلال سنتين على تشكيلها. وقد يبدو تصريحه الأول دبلوماسيا وسياسيا بجدارة، لرجل اعتادت تصريحاته التفاخر بقتل العرب والحث على احتدام الصراع ولم يتوان ابدا على دعوات التخلص من العرب واعتبارهم “شظية في المؤخرة”.

عبارة بينيت في تصريحه الأخير جاءت لتجلب ” الامل” لمن ينتظر بعض التسهيلات كحل نهائي للوضع الحالي.  ” عقيدتي في هذا السياق انه يجب تقليص الصراع. أينما يكون بالإمكان فتح معابر أكثر، جودة حياة أكثر، اعمال أكثر، صناعة أكثر… سنفعل ذلك.”

الحقيقة، وليسخر مني الجميع، انني “تفاءلت خيرا” بكلماته، فهو الوحيد حتى هذا اللحظة بين قادة العرب وقادة إسرائيل الذي ذكر عبارة ” فتح معابر”! 

في ظل الكارثة التي تعيشها غزة، لم نسمع حتى هذه اللحظة الا عن تلويحات بانتصارات نزف فيها نزيف الدم الفلسطيني ونلملم الدمار في اغنية صمود وتضحيات شعب لا تتوقف، والم لم نعد نميزه. فكل الضلوع مكسرة مهشمة. واقتسام متوقع يتم الترتيب والتنظيم له من قبل أصحاب السلطة من اجل إعادة اعمار لما سيتم هدمه من جديد بعد سنوات ربما او بعد أشهر ربما. 

اذن ” تقليص الصراع” هو الهدية التي ستعطينا إياها حكومة إسرائيل المتطرفة على شقي التطرف من يمينه الى يساره في إسرائيل. تقليص على جانب اليسار الأقصى وصراع على جانبه اليميني الأقصى. 

وفي الوسط تقف القائمة الموحدة الإسلامية لتلعب بها الأحزاب بيمينها ويسارها ممن دخل بهذه التشكيلة وممن لم يدخل ليستغلها من اجل فض هذه الحكومة. 

وهنا، لا بد من التوقف للحظات امام ما قام به منصور عباس- رئيس القائمة الموحدة، الذي فرق بالتأكيد ما حققته القوائم العربية بدورات الانتخابات الأخيرة، وخروجه من حدود اللعبة العربية الفلسطينية في الكنيست ودخوله الى الحدود الإسرائيلية البحتة من هذه اللعبة. 

بصراحة، وهنا كذلك لن يلقى كلامي هذا الاستحسان على ما اعتقد- وما أورده من انطباع لا يشكل مشاعري، ولكني أحاول ان أرى الصورة من خارج الإطار الفلسطيني الخالص. ما قام به منصور عباس يعتبر ذكيا، فهو بالتأكيد منذ انفصاله عن القائمة المشتركة أراد ان يشكل تحالفات مع الكتل الصهيونية الإسرائيلية الأكثر قوة بالساحة السياسية الإسرائيلية. فلنقل، ان الرجل حسم موقفه تجاه هويته الوطنية: فهو عربي إسرائيلي مسلم. في فقه إسرائيل، هذا التعريف لا يمكن الا ان يكون فاسدا، لان قومية إسرائيل اليهودية على حسب قانونها الجديد لا يوجد به غير اليهود. ولكن لنتجاوز هذا الان. فمنصور عباس كالكثيرين، لا يرون بعد أهمية هذا القانون ” الشكلي” الذي من شأنه إعطاء إسرائيل فقط “نشوة الهوية الخالصة وردء خوفها من الوحوش العربية المجاورة”. وهنا، يبدو وانه لعب على محاور القوة لمن ستكون له الغلبة في تشكيل الحكومة وابدا تعاونه معه. فاستخدم ما ناوره عليه نتانياهو مع تشكيلة لبيد- بينيت- وساوم على بعض الوعودات. ومهما اختلفنا وبغضنا الرجل، الا ان مطلبه بشأن العرب في النقب والبيوت المهددة بالهدم والقرى غير المعترف بها يبدو استئثارا لمن لا يعرف الحقيقة كاملة. يعني من يرى الأمور بعين عامة يري بفعل الرجل تضحية من اجل تحقيق خدمات لشعبه. ومن يعرف الحقيقة بما هي عليه، يعرف ان الامر ليس بغاية الصعوبة من التحقق، إذا ما ارادت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إخراجه بماء وجه ليست عكرة، فمخطط برافر لا يزال يمكن التذويب من وضعية تفريزه. وما كان مقاومة له، قد يبدو اليوم حلا ممكنا اما عمليات الهدم والترحيل المهددة. 

أي ان ما يجري لا يخرج عن سياق لعبة السياسة، فاذا ما اذعنت إسرائيل وأبدت تقليصات لنهجها العنصري الاقصائي التمييزي للعرب، فان الامر في حقيقته لا يتعدى أكثر من اخراج خطة موجودة في ثلاجة المخططات المفرزة. 

ولكن، لان الجميع متأكد بأن هذه الحكومة لن تعيش، فالكل يناور من اجل الانتخابات المرتقبة القادمة، فتكون دعاية منصور عباس القادمة جاهزة، فالرجل تنازل عن مطلبه بدخوله لإحدى الحقائب الوزارية ووضع موضوع هدم البيوت كمطلب لموافقته على انضمامه للحكومة. 

ولان منصور عباس، يشكل الوجه الاخر للعملة الصهيونية، والتي لا تختلف بوجهها الاخر من نتانياهو او بينيت الا في قباحة أفعالهم وتسابقهم على الكره والعنصرية أكثر. فالموضوع بكل بساطة يتلخص في عبارة ” تقليص الصراع” او تشديده على حسب الحاجة. 

وهنا، نأتي للشق الاخر من هذا الصراع: نحن المتصارع علينا في شقي الوطن الاخر المنقسم. 

فتأتي الخطط الإسرائيلية لحكوماتها المتناحرة لتصب دوما في انصياع فلسطيني توافقي. الفرق بين اربابنا واربابهم انهم يتقنون فن السياسة وبوصلتهم إسرائيل: امن إسرائيل وبقائها. واربابنا بوصلتهم مناصبهم واستثماراتهم. 

فهنا، تأتي تتمة جملة بينيت في نصابها في وضعية بينيت السلمية بتقليص الصراع. ” أينما يكون بالإمكان فتح معابر أكثر، جودة حياة أكثر، اعمال أكثر، صناعة أكثر…سنفعل ذلك.” 

فما الذي يجري على الساحة الفلسطينية المشتعلة؟ وما الذي يمكن توظيفه إيجابيا؟ 

انتخابات غابت تماما عن حديث الشارع، على الرغم من انها من المفترض ان العمل جاري من اجلها. حكومة وحدة لا يزال رئيس السلطة يراوغ في التفكير بصددها لطالما لا ضغط دولي حقيقي على ذلك، وطالما يستطيع هو وطرف الانقسام الاخر اقتسام أموال الدول المانحة بلا تناحر. والدول المانحة والمنتفعة لا ضير لها لطالما امن إسرائيل مستتب والشعب الفلسطيني ساكت. 

فلا أحد يعبأ برضانا. المهم ان نبقى في حالة سبات دائم. فلا تؤرقهم حتى عبثية كوابيسنا وتقلبات نومنا. المهم اننا في سباتنا المعهود. 

إسرائيل تريد تقليص الصراع ولا ضير لها من تقديم بعض التسهيلات بفتح معابر وتحسين حياة واستثمارات. 

السلطة الفلسطينية تريد الاستمرار بتقديم خدمات واعادة اعمار وتحسين شروط حياة تحت احتلال.

فتستمر الأمور كما هي، من حيث توقفت عند هبة الانتخابات الأخيرة واجهاضها. عند هبة الشعب ضد الاحتلال. عند هبة الشعب ضد قمع السلطة الدائم بحجة قانون الطوارئ. 

فتدخل الأموال، او يراد للأموال ان تضخ الحياة في استمرارية هذه السلطة من جديد، وتبدأ الحوارات والمحاورات من اجل الاقتسام، حتى يتم شفطها تماما وتجفيفها لتعاد الكرة بتلويح لانتخابات محتملة جديدة ودمار وحاجة لإعادة اعمار فضخ أموال من جديد. 

وهنا، نحن اليوم نرى هذا أكثر من أي وقت. فالأمور لا تحتاج الى تحليل ولا بلاغة ولا المام ببواطن الأمور. فكل الأمور واضحة وجلية. 

ونحن علينا ان نستمر بحالة النهوض التي بدأناها منذ الشروع بعملية الانتخابات المجهضة وهبة الشعب من كل مكان. وعلينا التركيز بدلا من دعوات لن تحصل وسب وقذف لن يعود الا علينا. بدلا من المطالبة بالإقالة والاستقالة، وبدلا من ذر الرماد في العيون للإزعاج لا لفتح البصيرة. قد تستوجب هذه المرحلة فعلا حقيقيا من الكتل الانتخابية التي قدمت نفسها لتمثل الشعب بالانتخابات التي لم يحن وقتها بعد. 

بينما نعيش على عكس ما تعيشه إسرائيل من تخمة الانتخابات، وانتظار سياسييها لانتخاباتهم القريبة القادمة، لما لا نقوم نحن باستنهاض فعل حقيقي من تلك الكتل الانتخابية التي أبدت رغبة حقيقية بتمثيل الشعب، وأثبتت وأكدت انها من الممكن تمثيله، فتسجيل والموافقة على ٣٦ قائمة انتخابية اعطى شرعية وعكس ما يجري عي الأرض من مطالب شعبية بضرورة التغيير. 

العشب لا يرغب بثورة على النظام. هذا واضح. لأننا لا نزال شعبا واعيا. شعبا أكثر وعيا من سلطته. فنحن الشعب ندرك ان ثورتنا يجب ان تكون على الاحتلال أولا. لا يمكننا اعمار بيت تحت احتلال. ولكن كذلك، لا يمكننا اصلاح ما هو مدمر بتغيير حجارة وتبديلها. فإصلاح السلطة لا يحصل بتغيير شخص او استبداله. هناك حاجة جمعية تكافلية لعمل هذا الإصلاح. تغيير النظام يتوجب تغييرنا لأنفسنا. اصلاحنا لأنفسنا. العمل باستئثار من اجل قضيتنا لا مصالحنا.  وحتى يحين يوم ثورتنا، يجب علينا ان نتجنب الفتن ونصلح انفسنا أولا ونجمع حالنا. 

وهنا، على القوائم البرلمانية ان تقول كلمتها إذا ما كان أصحابها جديون بالفعل لا منتظرون كأصحاب السلطة للتسابق على اغتنام فرصة لكرسي أبدي. 

اين الكتل البرلمانية التي زادت على ٣٠ من وجوه وتكتلات جديدة تماما عن المشهد المهيمن على السياسة الفلسطينية؟ 

في وقت نسمع عن دعوة لاجتماع جديد في القاهرة، يعيد نفس الوجوه التي لا نراها الا في هذه الاجتماعات اليتيمة للفصائل التي لا نعرف عنها الا هناك، ولا تأثير لها اطلاقا، والتي لم تستطع حتى ان تشكل قائمة لفصيلها بمحاولة الانتخابات الأخيرة، ومع هذا، يقرر هؤلاء مصيرنا. 

ربما، يستوجب الامر بدلا من المطالبة بإقالة رئيس السلطة ومنظمة التحرير وفلسطين والفصائل ان نطالب بوجودنا كشعب في إدارة الشأن السياسي الفلسطيني. 

نحن مطالبون بأن نكون التغيير الذي نطالب به. وسكوتنا وبقائنا منتظرين لما ستؤول عنه اجتماعات الفصائل التي لا تمثل الا أنفسها بشخوصها وبعض زمر المنتفعين يجعلنا جزء من الهلاك المخيم علينا. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading