تخطى إلى المحتوى

هل كان اغتيال نزار بنات غير مقصود ام انه كان مع سبق الإصرار والترصد؟ سلطة الخديعة والاستباحة

لا يمكن الا تكون السلطة قد توقعت ردة الفعل الشعبية وربما الإقليمية والعالمية المترتبة على جريمة اغتيال نزار بنات. وعليه يفكر المرء انها قد تكون مجرد خطيئة أخرى لهذا النظام السلطوي الفاشي الفاسد. 

هذا بالضبط ما تمثله هذه السلطة اليوم: نظام سلطوي فاشيّ فاسد. كيف اجتمعت هذه الكلمات لتشكل شكل هذه السلطة؟ هل يعقل ان نكون نحن الشعب السبب؟ 

لا يمكن كذلك تحميل الشعب أسباب هذا التردي والانحطاط الذي نعيشه بهذه الاثناء. ولكن يبقى عبء المسؤولية في تحمل وزر هذا التردي جزئيا علينا كشعب، لأننا بالفعل منقوصي الاهلية. منقوصي الصلاحيات والقوة والقدرة. لأننا كما تبين جليا امام العالم ان من يعترض منا على هذه المنظومة الفاسدة الفاشية ستتم تصفيته امام الاعين وكخفافيش الظلام بوقاحة وفجاجة وانحطاط. بلا خجل او حياء ولا تردد. 

أفكر كم كان نزار على صواب عندما استعد بحنكة ظنها على ترك رسالة يخط بها سطور النهاية. أراد ان يترك الكلمة الأخيرة له. ولكنه لم يفكر على ما يبدو ان الوصايا الأخيرة كما الانسان لا تخلد بحياتنا البشرية التي تملأها الاحداث الكارثية كالقتل. فلو تعلمنا من وصية سابقة لما قتل بالأمس نزار. 

أفكر بينما انظر الى جسد نزار الملتحف بالعلم الفلسطيني ووجهه الساكن بهدوء الى الابد، على الرغم من اثار الكدمات الواضحة التي قد تكون احداها علمت نفسه الأخير بهذه الحياة الدموية. كيف صار العلم الفلسطيني كفن الانسان الفلسطيني الذي قتلته ايدي فلسطينية. كيف تذوب المعاني الى تراب القبر مع الكلمات والاصوات وصاحبها، وتنتهي الى غير رجعة. 

كم أراد نزار العيش بكرامة، وكم انتهى سدى على يد من ينزعون الكرامة والحياة منا. 

أفكر انه حين تأتي يد الاغتيال لتطالني انني لن آبه بوصية. لا يهمني ان حملوا نعشي الالاف، وان صارت كلماتي تتردد لبعض الحين وملأت المواقع والصفحات. لأنني سأرحل بالتأكيد بلا أثر. لا اثر حقيقي يترك…. فقط تتوالى المآسي بضحايا جدد يلحقون ببعضهم… وهؤلاء ينتصرون ويحتفلون. 

لا يأبهون بردة فعل. قتلت نفين العواودة وتوالى القتل والاجرام. قتلت اسراء الغريب وفرطت مسبحة القتل بلا توقف. قتل من قبل ناجي العلي وفرج فودة وباسل الاعرج وناهض الحتر وجمال الخاشقجي وتعاظم القتل وصار علنيا ممنهجا تتستر عليه الدول جامعة. 

اغتيال نزار بنات لم يكن الأول، ولكنه استأثر ببجاحة الجرم وعلنيته ووضوحه، وبالتأكيد لن يكون الأخير. 

اغتيال نزار بنات ليس الا مدخلا لقتل كثير قادم…. لأن العالم يقف متفرجا لا يأبه. 

القهر هي الكلمة التي تسيطر على ارجائي. غمامة سوداء مليئة بالأوساخ والسموم تخيم في محيطي منذ الامس. هذا ما ارادوه بالتأكيد. قهرنا…. فقهرونا. تسميمنا وتوسيخنا بالكراهية والضغينة… فامتلأنا ببغضهم. 

صاروا هم … ونحن امامهم في قهر مهزومين متعبين منهكين.

 هذه هي المسؤولية التي نتحملها كشعب… وها نحن ندفع ثمنها بهذا الشعور السحيق بالقهر. ليس أكبر من هذا ثمنا ندفعه كشعب. قهر يتلوه قتل قادم من أي صوب…. هذا هو حالنا كشعب. 

اردت كتابة مقالا تحليليا. ولكن كما هو واضح لا تسعفني الكلمات الا بتضميد حالة القهر التي اشعر بها. او ربما لا يوجد هناك داع للتحليل، فالأمور واضحة جلية.

هل اكتب مقالا سيسطر نهايتي انا كذلك إذا ما تكلمت أكثر؟ 

انظر الى عائلة نزار المكلومة واتساءل، هل كان الامر يستحق؟ بينما اجيب لأول وهلة بتلقائية لا.. لا شيء يستحق خسارة الحياة. خسارة الأبناء لأبيهم. خسارة عائلة لحاميها، لمعيلها. اعيد التفكير بوهلة تالية وأقول في نفسي، بلا يستحق، ليس لعظمة الامر، ولكن لانحطاط الحال الذي سويت حياتنا بقيمتها في الموت. سواء كنا احياء او اموات فالأمر تحت نار هكذا سلطة سيان. ربما… بالموت نجد العدل والحياة الاخرة الباقية.

الحق ان الامر مفجع، ليس فقط بهمجية وفجاحة القتل، ولكن بما الت اليه الأمور. قبل شهر واحد فقط كنا ننتصر لأنفسنا امام همجية الاحتلال. كنا نحتفل بوحدتنا كشعب. تحملنا الدمار والقتل وقلنا فداء لوحدة الدم الفلسطيني في كل مكان. كيف انتهينا الى هذا المشهد؟ 

من الشيخ جراح الى غزة الى صفقة التطعيمات. النتيجة إصابة الصوت الفلسطيني الصادح في مقتل. 

هل اثار فيديو نزار الأخير الغضب الجامح لرئيس الوزراء وأعطى الأوامر بصفته وزير الداخلية لتصفية نزار؟ قبل ما يقارب العام بالضبط، حصل نفس المشهد: فيديو لنزار يطال به رئيس الوزراء باسمه. حينها كانت فضيحة أخرى -ربما- اذكر ان الكلمة التي أطلقت العيار حينها كانت وصف الأخير بانه تابع لصبيح المصري، وكانت مطاردة نزار على مدار أشهر، والمعلومة كانت واضحة: صدر امر من رئيس الوزراء شخصيا هذه المرة باعتقاله. وكلنا تابعنا بعدها تسليمه لنفسه واعتقاله التالي وتحويله الى معتقل التحقيق بأريحا. كان هذا هو الأسوأ الممكن حينها. هبة حصلت لمجرد تحويله الى سجن اريحا. 

منذ انتهاء العدوان علD غزة الأخير وسجن اريحا يمتلئ بالاعتقالات. 

هذا ما عنيته، كيف تتحول الكوارث الى اعتيادية الممارسة من طرف هذا النظام. الان افهم أكثر معني كلمة فاشي. تفشي الظلم على يد النظام بالتأكيد ما تحمله الكلمة من معاني دقيقة.

المهم أكثر الان هو القتل. فالاعتقالات تبدو عادية. ضرب، وسحل، وتعذيب، المهم ان يبقى الانسان على الأقل على قيد الحياة. 

القتل بحجة الشرف، والقتل بحجة المعارضة هذا هو مبرر السلطة اليوم لكل قتل.

يعني إذا ما كنت القتيلة – (لن استخدم كلمة ضحية، لأنني لا أحبها. ولا اريد ان أكون ضحية عندما اقتل. قتيلة هي الكلمة الصحيحة لما يحصل لنا. ولن استخدم كذلك كلمة شهيدة، لأن الشهادة ننالها عندما نواجه العدو ويقتلنا، لا عندما يقتلنا أهلنا) سيكون من السهل إيجاد تبرير وتعتيم على الجريمة، فأنا امرأة يمكن استخدام شرفي للدفاع عن رذيلتهم. وكلمة المعارضة هنا فضفاضة، فكما تم تبرير قتل نزار انه كان ينتمي الى المعارضة، والمعارضة في فقههم التبريري تعني حماس ودحلان والاحتلال ربما. أخبرني أحد الأصدقاء الصحفيين الأجانب ان ما برره أحد رجال القيادة لاحد الدبلوماسيين الأجانب ان نزار كان معارضا للسلام ومواليا لحماس ومن جماعة دحلان. كان ينقص نزار ان يكون امرأة، او ربما كان ينقص ان يكون هذا القيادي بعض الشعارات النسوية، لأنه كان يمكن ان يضيف ان نزار كان كذلك ضد سيداو.

شر البلية لا يضحك هذه المرة، والتهكم ليس حتى في الوارد. هذه حقيقة صلبة. كل ما كنا نتهكمه صار حقيقتنا الممارسة. 

هكذا يمارسون فاشيتهم، بنشر الاخبار الكاذبة وتلفيقها وجعلها فيما بعد حقائق ونحن نرددها ونناقش فحواها حتى. 

منذ العدوان على غزة، وترك القدس من جديد لتواجه مصيرها مع الاحتلال وعنصريته، اخذت قيادة رام الله الضوء الأخضر باستباحة الشعب تحت حجة الحفاظ على الوضع لتأمين إسرائيل والتأكد من عدم تحكم حماس ووصول تأثيرها الى الضفة. 

المشكلة هنا ليست بحقيقة هذه الأمور وإمكانية حدوثها، كأن يتضعضع امن إسرائيل مؤقتا وان تتحكم حماس بمشاعر الشعب. المشكلة بتحييد الشعب تماما وكأنه فقط متلقي يتم اللعب به والتحكم به. يعني اننا شعب لا يشعر ولا يفكر، فقط يتم التأثير عليه من العوامل المختلفة حوله. يكبسون زرا ونصبح حماس. يكبسون زرا ونخرج الى الهجوم على إسرائيل. شعب ينتظر فقط من يحركه. 

هذا التفكير ليس حصرا على القيادة، ولكنه كذلك يشكل كيف يرانا الأجانب من دبلوماسيين وصناع قرار ومتحكمين. لا يرون منا الا ما ينقله له أصحاب القيادة. لا يروننا هم كذلك. 

الجميع يتعامل معنا كأننا ثابت يمكن تحريكه بفعل من قبل اخر فقط. 

وعليه، تجزع الإدارة الامريكية والأوروبية والدولية عندما يتم التلويح بإمكانية سيطرة حماس. وتجزع كذلك عند التفكير باندلاع مواجهات محتملة صوب إسرائيل. وكأن هذا الفلسطيني عبارة عن قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في وجه إسرائيل. 

لا يا سادة، نحن قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في وجوهكم. نحن شعب حاولتم على مدار سنوات فسادكم كي وعينا، فامتلأنا بالقروح، ولكننا نداوي أنفسنا أحيانا. نعرف التمييز بين دمامل الاحتلال ودمامل الانهزام ودمامل الخنوع. نسكت، نصمت، نقهر، ولكننا نميز عدونا ومتى نهب في وجهه. 

مقاومتنا للاحتلال ليس حكرا على السلطة بموقعيها وحزبيها. مقاومتنا هي جزء من هويتنا الوطنية التي لطالما حاولتم كيها فطمسها لحاجاتكم. ولقد شهدتم ما قالته القدس واللد وحيفا وام الفحم وغزة ورام الله ومدن العالم الحر الذي يؤمن بأن فلسطين قضية حق. نحن لسنا شعبا يتم التحكم بنبض مقاومته على حسب أوامر اصحابكم من اجل مصالحكم. 

نحن شعب صمتنا عنكم لأننا نعي ان امامنا قضية، ولكنكم صفيتم القضية وها أنتم شرعتم بتصفيتنا. 

يقهرني موت نزار ورحيله، ولكني اعرف ان صوته سيبقى بعد ان تزول غمامة القهر هذه عن قلوبنا. سيبقى كما بقي ناجي العلي خالدا. 

لقد ابتلينا بسلطة تتسلط علينا لأن الغرب الامبريالي يحتاجها. سلطة تمارس علينا الدكتاتورية والفاشية التي يحاربها الغرب في العلن ويدعمها ويقويها بالخفاء.

لا يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية بشأن قرار تقوية السلطة الا كتصريح بالاغتيالات العلنية لفرض البطش وترويع الشعب بطريقة أسرع. 

نحن امام خداع وكذب تمارسه علينا هذه السلطة واعوانها من داعمين لسلطانها من حكومات تضخ فيها الأموال من اجل الاستبداد واستفحال الفساد. تصاريح علنية ووعود اصلاح كاذبة ومخادعة، وممارسات فساد واوامر قتل متوالية. 

اسفة نزار… لطالما صرخت انني لا اريد ان اردد اسمك في وسم كلنا نزار وانت ميت. كنت اظن ان القلم اقوى من السيف في حده. لكني كنت مخطئة… كما أخطأت حين ظننت ان القلم قد ينقذ انسانا من ان يكون الضحية المقتولة القادمة. نحن نستطيع فقط ان ندون ما ندونه للتاريخ…. ليشهد اننا لم نصمت ونخضع ولم نرض بهذا الفساد والفاشية والظلم باسمنا كشعب عاش فيه احرار. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading