مشهد من الثبات والتماسك والكثير من الايمان بقضاء الله وقدره. هذا ما اخذته معي من المؤتمر الصحفي الذي عقده عائلة الشهيد نزار بنات. والده، والدته، اخوته، زوجته، اطفاله، أبناء عمومته، والكثير من محبيه والمفجوعين بموته.
كلمات لا يمكن الا وصفها بالموزونة وحرص واضح على توخي الحذر بكل كلمة احتقانا للدماء، والتأكد ان القانون يجب ان يأخذ مجراه على حسب أصول القوانين لا وسط فراغ لسيادة القانون الا بما يأمر السلطان.
القانون الذي يمسكه الحق كقوة لا حياد عنها، لا لجان تلفيق للحقائق ولا محاولات لرمي الته او الباسها وانهاء القضية بدية ومنشد.
تكلم والد نزار واخوه وزوجته عن الوضع القائم وتمسكهم بلجنة تحقيق غير التي شكلتها الحكومة، وأشاروا مباشرة للأشخاص المسؤولين عن اغتيال نزار: شتية كوزير داخلية، ورئيس الامن الوقائي، ونائبه بالخليل، ومحافظ الخليل بصفتهم أصحاب القرار والمسؤولين. اكدت العائلة انهم لن يطالبوا بمعرفة أسماء ومن شارك بالقتل والتعذيب والمداهمة لأن هؤلاء يجب ان تتم محاكمتهم، ولكنهم ليسوا خصومهم. الخصوم هم من أعطوا أوامر القتل.
في مدينة كالخليل تحديدا، ما قامت به هذه العائلة يستدعي الكثير من الحكمة والوعي. رباطة جأش واضحة وتحكيم للعقل ووضع حجر على القلب ولو مؤقتا.
لا زلت لا اعرف كيف أصف شعوري تجاه رؤية زوجة نزار واطفاله. أطفال صغار. أصغرهم لن تكبر لتقول كلمة بابا، واكبرهم لن ترمي نفسها في حضن والدها فرحة بنجاح، حالمة بجامعة تناقش ووالدها أي تخصص ستدرس واي جامعة تتمنى ان تدرس. وأطفال بين العمرين ثلاثة يكادوا لا يفهمون من الموت الا اسمه وهذه الجموع المعزية حولهم. صدمة لا يزال الجميع يعيشها. ابتسامات بوجوه مليئة بالتسليم. حزن يشق طريقه الى القلوب مباشرة. لا دموع، لا صراخ… تسليم وايمان بأن نزار ولو رحل لم يرحل عمله.
بعيدا عن المشاعر الفياضة بهذا المشهد تبقى مسألة لجنة التحقيق التي أراد اهل نزار التأكيد على عدم اخذهم بنتائجها، والتي انتهت بانسحاب طبيب العائلة منها بعد ان انسحبت كل من الهيئة المستقلة لحقوق الانسان ومؤسسة الحق واعتذار نقابة المحامين. فبقي وزير العدل والاستخبارات العسكرية ومن ينتمي للحكومة في اللجنة.
الحقيقة ان لجنة التحقيق لن تفيد بتشكيلها من قبل الحكومة المتهمة بقتل نزار. مهما حاولنا الا نحمل رئيس الحكومة المسؤولية لكونه كذلك وزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية. أي كيف يعين رئيس الوزراء وهو المتهم الأول بهذه القضية لكونه وزير الداخلية وزير العدل كرئيس للجنة تحقيق؟ وكأن كل من دعي ليكون جزء من هذا التحقيق م الخارج لن يكون أكثر من شاهد زور. اعتقد ان الهيئة المستقلة والحق وهما هيئتان معروف عنهما ترويهما وحكمتهما باعتذارهما عن لجنة التحقيق اكدا ان الامر بأصله غير صائب. يجب ان تكون لجنة التحقيق خارجية ومستقلة عن الحكومة إذا ما كانت النية صادقة. لكن عن أي نية أتكلم؟ نية حكومة قتلت مواطنا كان مناهضا للفساد؟ ام نية حكومة لبس عساكرها ورجال امنها الزي المدني وانهالوا على المتظاهرين الثكلى بحسرة على قتل شاب تيتم اطفاله جريمته انه عير عما يجول بخاطر جل الشعب الا افراد هذه الحكومة والمنتفعين منها؟
بينما حاولت عائلة نزار بكل حكمة درء أي فتنة وحقنت الدماء بردة فعلها، قامت الحكومة بعكس هذا تماما. وما جاء على لسان احمد المجدلاني في مقابلة على الميادين ” نحن جاهزون لمعالجة الأمور وفقا للقانون الفلسطيني وليس وفقا لقانون الشارع، لأنه إذا استمر العمل هكذا سيكون شارع مقابل شارع.” في نفس السياق وفي رد الحكومة على الشارع بطريقة الشارع ليس فقط من خلال ما شاهدناه من مشاهد تدمي القلوب والعيون من تعدي وتنكيل وضرب وسحل من قبل عناصر الامن ضد الشارع بالأيام الأخيرة، ولكن كذلك بنشر قوائم فضح للمشاركين بالمظاهرات بلغة وعبارات معيبة ومهينة. الحقيقة انها تهين وتعيب من صاغها ومن فكر بكتابتها من اتهامات، وذم وقذف لشبان وشابات. ويبدو هذا النوع من الرد “الشوارعي” يأتي ردا على قائمة نشرها البعض لصور وأسماء الذين اعتدوا على المتظاهرين من المتنكرين باللباس المدني وسط المظاهرات من الأجهزة الأمنية.
الفرق ان قائمة من شارك بضرب وسحل وقمع المتظاهرين بلباس مدني لم تتكلم عن سلوك أصحاب الأسماء والصور ولا عن علاقاتهم واخلاقهم وممشاهم البطّآل، كل ما تم ذكره هو وظيفتهم الأمنية، خصوصا انهم كانوا بلباس مدني.
والحقيقة ان تلك القائمة قد أتت بعض الفائدة منها، فرأينا، كيف يكون وجود ابن عائلة التميمي (اخ عهد التميمي) بين عناصر الامن المنقضين على المتظاهرين، جعل م عائلته تصدر بيانا وتعتذر. ومما لا شك فيه، ان هناك من الأسماء ما كان غريبا ان نرى أبناء بعض الشخصيات في قوائم القمع والسحل لأبناء شعبهم.
ولكن على ما يبدو ان الحكومة ترد على الشارع بالشارع كما تفضل السيد المجدلاني.
من يقود البلد الى فتنة؟
بكل جدية أقول ان هذه الحكومة وهؤلاء الاباطرة يفهمون دورهم عكس ما هو متعارف عليه لدور الحكومات. يسمون الموظف العام عادة بالخادم المدني. الوزير والسفير والموظف الرسمي يسمى خادم مدني. هؤلاء يفهمون ان الشعب هو الخادم المدني لديهم.
يعني بسلطة بها بعض الرشد والحكمة في وقت يطفح فيه الدم من العروق احتقانا وغضبا وألما، يقوم وجهاء هذا النظام بدرء الفتنة لا اشعالها.
الرئيس الفلسطيني لم يخرج مخاطبا الشعب بكلمة، وبعد أربعة أيام اكتفى بخبر تعزية واتصال مع وزير العدل يسأله عن مجرى التحقيقات. الم يفكر الرئيس بالاتصال بأرملة نزار او امه او والده؟
رئيس الحكومة بعد أربعة أيام يعزي بجلسة حكومته بنزار وكأن ما يجري لا يجري في حكومته، على مسمع ومرأى للشوارع القريبة من حكومته ومقاطعة الرئيس.
التهديدات التي تصل الى المواطنين. المكالمات والتسجيلات المسربة للتنظيم والامن بترويع المواطنين. تشويه سمعة المواطنين والمواطنات. سرقة الهواتف والحقائب والتحرش بالمتظاهرات والتنكيل والسحل والضرب بكل هذا الحقد للمتظاهرين.
ما الذي تتوقعه هذه السلطة من المواطنين؟
هل تريد بالفعل اشعال حرب أهلية يكون الشارع فيها ضد الشارع؟
محزن وموجع ومؤلم جدا غياب الحكمة والعقل وتستر الضمائر لأرباب هذه السلطة.
اعرف ان الوقت قد تأخر لدرء الخطأ. فلم يعد هناك ما يمكن ان تختبئ وراءه هذه الحكومة. يتكلمون عن مؤامرات واجندات خارجية، وهم من يتآمر ويتغذى ويعتش على الاجندات الخارجية.
يبثون الفتنة فيما بيننا، ويوهمون العالم اننا إما متعصبين متشددين إرهابيين بدون سطوتهم وسيطرتهم.
لطالما خفت من يوم تهدد ما تبقى منا فيه حربا أهلية. كنت أخشى الفلتان الأمني المحدق حولنا. كنت أخشى الزعرنة والبلطجة والسلاح المتفشي والاقتتال على مصف سيارة. لم أكن اتخيل ان حربنا قد تكون في يوم يقتل المرء اخاه لأن أحدهم يعمل بجهاز امن ما واخر متظاهر او معترض على تفشي التسلط الظالم على الشعب.
البيت الفلسطيني الذي طالما تغنى بالسابق بتعدديته: البيت الذي يجلس حول مائدته ابن فتح وابن الجبهة والشعبية والجهاد وحماس، سيكون بالمستقبل البيت الذي يقتل ابنه الذي يعمل لدى الجهاز الأمني من يعترض على ظلم السلطان، حتى لو كان اباه، اخاه، جاره، صديقه، ابن عمه، زميله بالجامعة…
سلطة تحترم نفسها لا تبقي على حكومة كهذه للحظة أخرى، فقط لاحتقان الدم ودرء المزيد من الفتن. ولكن سلطتنا مستعدة ان تقيل الشعب وتتخلص منه لتبقي الحكومة.
ولكن لأنّي على يقين ان مشكلتنا أكبر وأعمق من تغيير حكومة. فتغيير الحكومة لا يعني في حالة سلطتنا أكثر من تغيير وجوه وشخوص. ان لم يتم العمل على تغيير حقيقي لهذا النهج الاستبدادي الفاسد، من خلال وجود نظام يحاسب ويتابع ويحاكم وفق التشريعات والقوانين لا وفق مراسيم الرئيس وتنسيب، واسطة، وجاهة، وعشيرة. من خلال انتخابات حقيقية تفرز ممثلين عن الشعب، تقر القوانين والتشريعات على حسب الأصول لا الواسطة، والمحسوبية، ومزاج السلطان، وحاشيته.