بين الكتّاب والكتبة، السلطة والتسلط حروف تُسقط أصحابها الى هاوية سحيقة
توقفت لبرهة سريعة عند مقال بعنوان معارضة حطيئية لحافظ البرغوثي، بعد ان كنت قد قرأت بمتعة وتمعن مقالا لعريب الرنتاوي بعنوان الغابة الجافة وعود ثقاب، تكلم فيها عن السلطة ومآلها. بينما شبه الرنتاوي السلطة بصورة تحذيرية لغابة جافة الأشجار قد يحسن فيها عود ثقاب يحرقها، صور البرغوثي المؤامرة على السلطة من قبل المحتجين من الخوارج- لا بل الاجدر القول هنا من المرتزقة، محملون بباصات من الشمال (الناصرة وحيفا) بدعم عزمي بشارة وتغطية الجزيرة المغرضة للتظاهر على المنارة.
أراد البرغوتي ان يقول للقارئ ان المظاهرات خفت منذ مقتل نزار بنات ولم تعد الا بعض الشعارات التحريضية الكارهة لإنجازات السلطة ورئيسها وكتبتها.
ربما جاؤوا من حيفا والناصرة هل تعرف لماذا؟ لأن السلطة لا تستطيع التنكيل بهم كما تفعل بأبناء رام الله وجنين.
الحقيقة انني اصبت بالذهول من “جرأة” الكاتب على هكذا مقال. بكل جدية كيف يجرؤ الانسان ان يترك قلمه بكتابة هكذا كلام؟
كيف لا يرى عاقل وصاحب ذرة ضمير كارثية ما جرى بمقتل نزار وما تلاه من قمع فاضح للحريات وجرائم متكررة بحق الناس؟
كيف يتجرأ على وصف حمولات الحافلات من المتظاهرين على حساب عزمي بشارة ولم يفكر ان ما يخطر بتفكير الانسان الاعتيادي بهذه البلد هو حمولات الحافلات من كل مكان من اجل التظاهر القصري لدعم الرئيس.
بأي دولة بالعالم تخرج مظاهرات لدعم نظام بعد ان يتم قتل انسان على خلفية الرأي؟
كيف استطاع قلمه ان يختتم بهذه العبارة: ” اي هذا المناخ غير الصحي لا يمكن لأي معارض حق ان يحقق شيئا لأن المعارضين من شتى المشارب والمآرب فمنهم السمسار الهارب والعميل الخارب والناشط السياسي الجاد الذي وجد نفسه بين الأوغاد ، فاختلط الحابل بالنابل والنظيف والسافل والجاسوس والمناضل والعاقر والحامل.وبمثل هذا الحشد لا تكون معارضة بل معارصة” .
الا يعرف هند شريدة وديما امين وميس أبو غوش ونادية حبش وشذا عساف؟
الا يعرف فايز السويطي وعمر عساف؟ يا حيف هو لسان حالي!
الا يفهم ان الصحافة كذلك تغيرت والاعلام؟ هل يظن ان جرائد الموالاة واعلام الدول البوليسية يؤثر على أحد الا على جموع المرتزقين من هذه الأنظمة البوليسية الفاشية؟
كيف يقبل انسان فلسطيني مثقف مقاوم ان يكون أداة لترويج نظام ظالم فاشي في وقت يقاوم هذا القلم نظام احتلال عنصري؟
في السابق كنت اتحفظ من وجهات النظر بالشأن الإقليمي، افهم ان الانسان منا يمكن ان تختلف رؤيته ونظرته للأمور، ولكن ان يختلف اثنان في فلسطين على جريمة مقتل نزار من قبل النظام الحاكم بصفته الرسمية بكل ابعادها ومستوياتها ومن ثم يشكك بالمظاهرات على انها مدفوعة ومدسوسة، فهذا والله كثير.
سقطت فتح في هاوية سحيقة عندما ربطت جريمة مقتل نزار بها كحركة تتحكم بالسلطة. فمسحت الفروقات بين ما هو سلطة وما هو فتح، وتبنت الجريمة في وقت كانت تحاول فيه الدفاع عن اشخاصها.
وعليه، لم يعد الانسان الطبيعي منا كذلك التمييز بين فتح والسلطة، وهذا شأن فتح في انهيارها السحيق لا شأننا. ربما لأول مرة نشهد انهيار لا يتم سحبنا اكثر الى هويه السحيق. فتح فقط من تجر نفسها الى ذلك السحق.
سلطة تتخبط بينما تتهاوى وتصر على ان تسحب معها المزيد من الانهيارات. الفرق في هذا الانهيار عن غيره، اننا الشعب سنقع فوقهم هذه المرة. لم يعد هناك مكان لنا في قعر الجحيم فلقد امتلأ بهم بينما يحاولون حفر قبور الشعب اكثر.
بينما يهاجم حافظ البرغوثي المتظاهرين ويشكك في نواياهم، يتداول النشطاء صورة لمحمد شتية رئيس الوزراء، وزير الداخلية، وزير الأوقاف، وعضو مركزية فتح وهو في زيارة إشرافيه على وحدة الإرهاب الالكتروني التي تقوم باختراقات هواتف الشعب والتنصت عليهم والتحريض وبث الاشاعات والفضح.
وقوفا للحظة امام علم فتح الأخير الذي اضيف عليه عبارة لا اله الا الله، هل لمحمد شتية وزير الأوقاف يد في هذا القرار؟ او الاستشارة؟
الحقيقة محزن ما يجري بفتح أكثر مما يجري بالشعب.
بينما أحاول تجميع العبارة السابقة، يمكن للمرء فهم كم المأساة والكارثة التي نحن بها، اذكر ذات يوم فتحاوي أفضل، كان قرار المركزية الا يشارك أعضاءها بالحكومة، اليوم عضو المركزية ليس فقط بالحكومة، ولكنه رئيسها ويجلس على حقيبتين وزاريتين احداهما أعطت تعليمات بقتل مواطن اثناء اعتقاله بدون تهمة، واحداهما اضافت الإسلام على العلم ليكون شعار الحركة العلمانية العظيمة للتحرر الوطني.
مأساة ما يجري في صفوف فتح السلطة.
هذا ما يجري عندما تتداخل الصلاحيات وتصب في مكان واحد فتنتج نظاما فاسدا بهذا القدر من التهالك.
في المقابل، قد يبدو الاعلام ” الأصفر” التي تمثله السلطة الفتحاوية عامود المعبد الأخير الذي تظن السلطة نفسها واقفة عليه، يزيد من الطين بلة. او بالأحرى يزيد من حالة الاحتكاك المهددة بالحريق القادم اكثر في جو حار كهذا.
تابعت بالأمس المظاهرات المطالبة بمحاسبة قتلة نزار والمنددة بالرئيس ورئيس حكومته والمطالبة برحيل أوجه السلطة.
الحقيقة، انني وعلى عكس الكاتب السلطوي أعلاه فكرت ان الامر مطمئن، أولا ان يستمر الناس بالاحتشاد بالرغم من عمليات التنكيل والقمع وسرقة الموبايلات والتهديد والابتزاز اللاحقة فهذا بالتأكيد يقول الكثير. والاهم هنا الجرأة بطرح الشعارات، فكانت المطالبة برحيل عباس وشتيه والشيخ وفرج، وهذا بالحقيقة يشكل كسرا لحاجز الرعب الذي يجعل هؤلاء الناس يعيشون فيه.
طبعا يستطيع الكاتب وغيره القول ان الباصات جاءت من الشمال بدعم قطري- او بالأحرى عزمي بشارة- لان اسقاط التهم هكذا على قطر ليس أفضل شيء لهؤلاء. نستطيع ان نسب على عزمي بشارة وندافع عن سلطتنا المهددة بفكر بشارة الصهيوني، الذي يعتاش الكثير من هؤلاء الكتبة على ميزانياته ومنحه، ودعمه، وجوائزه وبرامجه. ولكن هذا ليس موضوعنا كذلك.
يقول: “ايضا ان كتائب العلامة الاخوانجي منظر الجماعات الارهابية عزمي بشارة تأتي من الناصرة في باصات حيث ينزلون في رام الله التحتا وبعد تناول الفطور او الغداء يتجهون نحو المنارة للجهاد ضد السلطة العميلة وحركة فتح الخائنة.
والطريف ان بعض هؤلاء الملمومين اغتنم الفرصة وتوجه لطلب لجوء سياسي الى دول أوروبية هربا من القمع وتحدثوا عن القمع والسحل والتنكيل والتحرش الجنسي ربما ليقودوا المعارضة من اوروبا عن بعد. ”
يستطيع ان يروج كذلك لفكرة ان السافرات الكاسيات مستوردات من الجانب الاخر للخط الأخضر، لا يحملن لواء الله أكبر ولا اله الا الله الأصفر. وان قناة الجزيرة المغرضة التي تكسرت اضلاع مراسليها اثناء تغطية احداث القدس وساهمت بجعل قضية الشيخ جراح الأهم بالعالم، تلعب الان لعبتها المغرضة بالثورات العربية التي حولتها الأنظمة البوليسية الفاشية أمثال سلطتنا الفاتحة الى كوابيس شتاء موحلة.
والله أني أحزن على فتح من أمثال هؤلاء…
افهم بالتأكيد ذعرهم وتمسكهم حتى الرمق الأخير بالمحافظة على هذا “المعبد” الآيل للسقوط.
محزن ان هذه الزمرة المتسلطة الحاكمة حولت فتح التي كانت تمثل الشعب بكافة اقطابه كدبكة فولكلورية تشكل الهوية الفلسطينية بكافة اشكالها، الى مجموعة من المنتفعين الانتهازيين الذين حولوا الثورة الى ثروة، والقضية الى مشروع، وثكن المقاومة الى مغارة علي بابا والأربعين حرامي.
بينما يخوض الشعب معاركه وحيدا، في القدس متروكا تماما للاحتلال وتنكيله، لأقصى يخترق ومنازل تسرب وتهدم وعوائل مهددة بالتهجير وأخرى تعيش تهجير قصري يومي. وفي الضفة يدافع المرء على ما تبقى من كرامة تبقيه حيا، فيما يبدو كاستباق ضباع على الهجوم على ما تبقى من كرامة انسان يتم مسخه بكل الوسائل. بقيت وسيلة القمع والترهيب والابتزاز والتهديد الورقة الأخيرة لمسح من لم يتم مسخه بعد.
ارأفوا بنا….
او بالأحرى، ارأفوا بأنفسكم، لأن هلاككم قادم لا محالة، وسننهض من ركامنا الذي سببتموه مهما ازداد بطشكم وسحق أكثر انهياركم.
نحن شعب لم يقو الاحتلال ببطشه والياته ونهجه العرقي بتصفيتنا على دثرنا، فلا تتوقعوا ان تحولوا شعبا عاش على المقاومة الى مسوخ بشرية. حاولتم مسح الوعي ومسخ الانسان، ولكن…. الانسان الفلسطيني الذي يقف في الشيخ جراح والاقصى وباب العمود هو نفسه الذي يستقبل الصواريخ بحفاوة ويقف على المنارة كأسود حقيقية لا حجارة سلطوية ركيكة الصنع والذوق، تلبس الضباع ثياب اسود.