قبل عام، اتصل بي المرحوم نزار بنات أثناء اختبائه بينما كانت مطاردته من قبل أمن السلطة في اوجها. كان المرحوم نزار بنات يظن انه اذكى من سلطة يحكمها نهج العصابات, لأنه كان مؤمنا بقوة القانون . كان مقتنعا اننا نعيش في دولة قانون- ستغلب. كان نزار يعلم انهم يغبنون له في تلك المحاولة من الاعتقال التي كان ظاهرها وحقيقتها مطاردة على خلفية الفيديو الأخير الذي كان قد نشره حينها (عن رئيس الحكومة محمد شتية)، وباطنها كان ورطة يريدون توريطه بها متعلقة بشيكات عليه، يجعلونه يبدو وكأنه مطلوب للعدالة على خلفية جنائية لا على خلفية رأي.
على الرغم من انه كان قد صدر قرار قبلها بعدم ملاحقة او مطالبة الناس بالشيكات بسبب الوضع المترتب على الكورونا في بدايتها.
حينها، سلم المرحوم نزار بنات نفسه بعدما استطاع ان يؤمن الذمم التي كانت مستحقة عليه لأصحابها لكيلا يقع فريسة الضباع المتربصة له لتشويه سمعته.
عند تسجيل القوائم الانتخابية الأخيرة (العقيمة) وبدء مرحلة الطعون، تقدمت عضو اللجنة المركزية في فتح دلال سلامة طعون في العشرات من المرشحين على خلفية قضايا لهم متعلقة بذمم مالية. كان العجيب بقدر حجم الإساءة لمن تم الطعن في شرعية ترشحهم هو قدرة عضوة المركزية بالحصول على ملفات المرشحين القضائية. بأي حق استطاعت ان تحصل على تلك المعلومات؟ وطبعا تم رفض الطعون ( لأن لجنة الانتخابات هي الجهة الوحيدة التي لا تخضع -حتى الآن – بقوانينها للانتهاكات التشريعية والقانونية التي يعاني منها سائر الأجهزة السلطوية الأخرى)، ولكنها بالتأكيد اساءت لأصحابها وجعلتهم موضع شك امام الاخرين.؟
على الرغم من ان ألف باء احكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه فلسطين بدون تحفظات والتي “لا تجيز حبس أي إنسان لمجرد عدم الوفاء بالتزام تعاقدي”. و “يعتبر الحبس إجراء محظور في الأوضاع العادية وفي حالات الطوارئ أيضاً، لأنه ينتهك الكرامة الإنسانية.” (المادة ١١ و٤)
بالأمس حصل الامر ذاته مع الإعلامية المحترمة والمخضرمة فاتن علوان عندما تم تداول خبر اعتقالها وترحيلها الى سجن اريحا.
لم يكن الامر بالغريب، وسط كل ما نعيش به من يوميات قمع وانتهاك حريات تطال الناشطات والناشطين من صحافيين وحقوقيين وغيرهم بالتأكيد. ولكن ليس أفظع من ان يتم انتهاك حق الحقوقي والإعلامي بالتعبير فيه كذا مواقف. يعني اذا لم يستطع الإعلامي القيام بعمله والمحامي فما الذي يستطيع فعله باقي الشعب؟
إذا تم اعتقال المحامي والصحفي وضربهم وسحلهم والتنكيل بهم، فما الذي سيتوقعه الانسان العادي؟
الحقيقة ان الامر ليس بالعجيب بالأنظمة البوليسية الفاشية التي تطلق فقط اعلامها وقوانينها كأبواق وبيارق للسيطرة المطلقة على الشعوب.
يبدو ان محاولة التهميش والتهشيم التي طالت الصحافيين والإعلاميين لم تكن كافية في التقليل من اهميتهم وطبعا التشكيك بأجندات وكالاتهم وولاءاتهم من قبل ابواق السلطة الرسمية والتسحيجية. ولم يكف ابتزاز المتظاهرين بفضح خصوصياتهم وكشف عورتهم ورجمهم على وسائل التواصل وغيرها، فيتم فتح كل الملفات من كل الاتجاهات. أي ان من سرق الهواتف وسحل المواطنين وابتزهم وكان يرتدي زيا مدنيا بتنكر، انتهت اعماله وصار اللعب الان بالملفات الرسمية. أي ان صحافية مثل فاتن علوان يتم نكش ملفات لها ويكتشف نقطة ضعف (او بالأحرى اختلاق وتجنّي واضح) وعليه يتم جرها الى السجن. طبعا لن يهتم أحد بالحقيقة، لان الحكومة تملك الحقيقة المطلقة. ليس هذا فقط، يخرج الناطق باسم الشرطة ليجرّس بالصحافية ليعلن ان حبسها بسبب قضية جنائية مرتبطة بذمة مالية.
لا اظن ان فعل الشرطة هذا ينم عن جهل بالقوانين الدولية وغيرها، فهؤلاء لا يرون من القانون الا مراتبهم واشاراتهم وقانونهم من يعطيهم الأوامر من أصحاب الامر عندهم.
في وقت، حتى نظام السيسي الذي يخاف الناس من ان تكون السلطة تتقفى خطواته في الردع، أفرج بسبب قدوم العيد عن أكثر من مئة معتقل على خلفية الرأي. في سلطتنا ينتظرون العيد ليعتقلوا الناس!
في نفس الوقت، يتم استخدام القانون والعرف لمصالحهم، فلا يحق للمواطن ان يخطأ بحق أصحاب السلطة وان خطأ فأصحاب هذه السلطة يقاضونه ويأخذونه للمحاكمة. فلم لا، المحكمة والشرطة والقانون والتشريع في يد أصحاب السلطة المتنفذين. كل شيء في هذه السلطة موجود لكي يخدمهم الشعب، وإذا ما قصر هذا الشعب بالخدمة وخرج عن طوع العبودية المطلوبة يتم سن القوانين او (بدون قوانين) اللازمة لجلده وسلخه وعقابه باي الطرق التي يقررها هذا النظام.
بكيت عندما شاهدت الفيديو الذي بثته الإعلامية فاتن علوان والتي يشهد لها الجميع بجرأة مهنية تضيف للسلطة بالأيام العادية لا تنقص منها، بالضبط كما كانت معارضة نزار. فالمعارضة في كل مكان هي وجه السلطة الإيجابي مهما كانت سيئة. ولكن عندما يزداد الظلم ليشتد هكذا، لا يميز الظلمة الا المزيد من الظلام. هؤلاء بالفعل قبض الله على قلوبهم فعميت بصائرهم كما انعدمت بصيرتهم من قبل.
بكيت على شعور الظلم غير المستحق. لماذا تضطر أصلا لأن تخرج وتوضح وتدافع عن نفسها ( على الرغم من وضوح الامر والغبن الحاصل ونية التشهير المعلومة مسبقا لدينا) . كيف وضعوها في هذا الموقف لكي يكسروا ثقة الناس بها والأكثر ثقتها بنفسها. ولكنهم لا يفهمون ان الصوت الحر يسكن بداخل بشر احرار، كفاتن ونزار ونيفين والكثيرين ممن ظُلِموا، منهم من تم تشويهه وتشويه سمعته وابتزازه ومنهم من تم قتله.
هل هذه سلطة حكومة؟ ام انها سلطة عصابات؟
يجدر بنا الخوف ربما… فهؤلاء لا يردعهم شيء.
يقتلون ويفضحون ويعتقلون ويبتزون. ينددون بالمواطنين ويفصّلون القوانين في أحسن الأحوال على حسب مقاسهم لكي ينكلون بالمواطن ويسيطروا عليه ويخضعوه ويذلوه.
وكأن المواطن فضْلة عليهم. يأكل طعامهم ويأخذ انفاسهم. وعليه يستطيعون استباحته كما شاءوا.
نزار قتل وقتلته طلقون. كما قتلة نيفين واسراء وقائمة طويلة من الضحايا في القبور ومجرمين يستمرون بقبض الأرواح ويعيشون.
لأن القتلة نظام لا اشخاص.
يظنون ان الابتزاز والفضح يردع ويخيف المواطنين.
يخيف بقدرة خوف الانسان من القتل.
ولكنهم قتلونا بقتل نزار، فلا يمكن ان تخيفونا مرتين. فلقد قتلت ارواحنا بقتل نزار، فما تفعلونه لا يؤثر بنا.
نحن أرواح مظلومة غاضبة مكلومة موجوعة تحوم.
صوت فاتن، كما صوت هند من قبلها، وديما، ونادية، وشذا. لن تخيفوا أجساد الاحرار منا باعتقالاتكم ولا تشويهكم ولا ظلمكم… فأرواحنا متربصة لكم.
وسلطة العصابات بالعادة تتسلط على بعضها بالنهاية، ويأتي دمارها من داخلها.
“ولو رحل صوتي ما بترحل حناجركم
عيوني على بكرا وقلبي معكم
لو راح المغني بتظل الأغاني
تجمع القلوب المكسورة واللي تعاني”