سلطة متسلطة تلفظ نفسها الأخير: أبطال الأمعاء الخاوية يخوضون معاركهم اليوم في زنازين السلطة، يا للعار

اعتقلت الشرطة الفلسطينية خلال اليومين الماضيين العشرات من المواطنين اثناء تواجدهم من اجل الاحتجاج والمطالبة بالعدالة لنزار بنات. فقتلة نزار بنات يجولون ويصولون، ويترقون بالرتب، وعائلة نزار والشعب يتم قمعه واخراسه وتهديده والتنكيل به بكل ما اوتيت قوى البطش البوليسية من قدرة. 

هؤلاء على قناعة ان السلطة هي مصدر الحياة للشعب وعليه تستطيع ان تنكل به كيفما شاءت. 

فما كان من “الشعب مصدر السلطات” حان وقت تغييره. لم يكف أصحاب السلطة الاستحواذ على مصادر التشريعات بحل البرلمان وارجاء الانتخابات الى اجل غير مسمى، والتحكم بالقضاء والدستور بسيطرة مطلقة على كل هذه الأجهزة، بما طال من تغيير لقوانين وانشاء قوانين وتعديلات على مدار السنوات الأخيرة تكشفت وتكاثفت أكثر بالسنة الأخيرة، صارت الشرطة هي مصدر القانون والتشريع كما نرى، يلعبون بالقوانين ويشكلوها ويخترعونها ان شاءوا. 

من جهة، شهدنا قبل فترة قريبة اعلانات المتحدث باسم الشرطة لأسماء شخصيات ونشر صورهم في قضايا كما حصل مع الإعلامية المخضرمة فاتن علوان(التي تم اختراق حسابها الرسمي على الفيسبوك بعد ذلك الاعتقال). وفي عملية الهاء ممنهجة، انتشر من قبل متحدث الشرطة صورة لسيدة برام الله يقال انها “بثت الرعب” في قلوب المواطنين هذا الصباح برام الله لسرقتها هواتف النساء ومزيد من الاتهامات “المرعبة” للمواطنين! 

تخيلوا تهمة هذه السيدة المرعبة وتحذيرهم منها: انها تأخذ الهواتف وتسرق المعلومات بهدف اختراقات حسابات المواطنات من اجل “اسقاطهن”! الشرطة تخاف من سيدة شريرة (ادعت كذلك انها متحولة جنسيا لشيطنتها أكثر، وكأننا بحاجة لاستباحات كهذه – ليتم التأكيد انها امرأة عادية. لا اريد الخوض هنا بهذه المأساة كذلك من تعدي وانتهاك وتشويه للإنسانية).

طبعا، الشرطة في خدمة الشعب من الخطرات من النساء، ولكن هذه الشرطة التي اعتقلت ونكلت وضربت واستباحت وابتزت المواطنين والمواطنات من خلال هواتفهم النقالة، واعتقلت بالأمس وعلى مدار الأشهر الأخيرة لا تبث الرعب في الشعب.

للحقيقة، لم نعد نميز اين يبدأ عمل الشرطة وأين يدخل عمل الامن وكيف تتداخل الأجهزة الأمنية من استخبارات ووقائي ومخابرات وحرس رئاسة واستخبارات عسكرية وأخرى تنسيقية وتنظيمات لتشكل سوية منظومة بوليسية محكمة على رقاب الشعب. 

استخدام الشرطة كأداة لتنفيذ القوانين الموجودة والمستحدثة والمبتكرة والمخترعة، وكأننا بالفعل نعيش مشاهد من ديستوبيا اورويل ١٩٨٤على حسب النظام البوليسي وما يرتئيه باللحظة هو الأكثر رعبا من صورة تلك السيدة الشقراء التي تم استيحاؤها من عنوان رواية رام الله الشقراء بتوظيف للعنوان بطريقة يجعل اللون الأشقر اجرامي الملامح. فضيحة مدوية لامرأة الله فقط اعلم بظروفها، وكأن شرطة رام الله التي اعتقلت عضو بلديتها للتو تطبق القوانين في سنغافورة. لا يهم انتهاك القانون أصلا بفضحها واتهامها واعتقالها لمجرد الشبهة وفضحها هذا للمرأة. بالمحصلة لم لا، فالمواطن في امرة الشرطة. بقدرة الشرطة يتم حل لغز امرأة “دبت الرعب” في نفوس المواطنين وفضحها، وعشرات قضايا القتل لنساء يتجول القتلة طلقاء بغير حساب تقيد الجرائم في معظمها ضد مجهول. والقوانين تطبق على معتقلي الرأي بحذافيرها، كحجز وعرض على النيابة وقاضي الخ من قوانين تم ابتكارها من اجل الاعتقالات. وهو السند القانوني المستحدث بتلفيق التهم على المتظاهرين، فاكتشف منفذ الأوامر كمن وضعها مخرجا قانونيا في جهاز بوليسهم المروع ضد المواطنين من خلال احكام قانون التجمعات. القانون نفسه يقضي بغرامة ٥٠ دينار تغافل عن تغييرها من قرر تأطير القانون لجز رقاب الناس، ولكن أداة التنفيذ من نيابة وتوابعها جعلت من كفالة الافراج ١٠٠٠ دينار!

ولا يهم هؤلاء المادة ١٩ من القانون الأساسي ” لا مساس بحرية الرأي ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه.. مع مراعاة احكام القانون.” احكام قانون دولة البوليس تقول ان هناك مادة ١٢ بالقانون وهو غير موجود بالقانون الأساسي الذي تتكون بنوده من ٩ بنود. القانون الذي أشار لهم به أحد جهابذة القانون السلطوي الاستبدادي هو المادة ١٢ من قانون الاجتماعات العامة لسنة ١٩٩٨. يبدو ان من أنكر الغاء قانون الحريات للموظفين العموميين هو نفسه من ابتكر هذه الحيلة في تجاوز القانون بانيا كسلطته وأدوات تنفيذها على جهل الشعب وخوفه واستسلامه امام كلمة قانون، فيحرفون ويتلاعبون كما يشاؤون..

هؤلاء جعلونا نعد اصابعنا بعد السلام عليهم، افلا يوقنون اننا صرنا نتابع ما ظنناه ملكا لنا من قوانين يتم استغلالها ضدنا اليوم وإعادة انتاجها واختلاقها تحت اسم القانون؟  

“سقط القناع

ربما كان ساقط سابقاً

اما اليوم فسقطت ورقة التوت بعد القناع

اعتقالات الامس واليوم تعني الإصرار على السقوط الحر المتسارع” 

كلمات على صفحة الأستاذ شوقي العيسة، صوت حر يحلق فوق نيران تشتعل حول المعبد السلطوي. يحرقون البلد يظنون، ولكنهم يحيطون أنفسهم بنيران ستحرقهم لا محالة. 

لم يتم اعتقال شوقي بعد، ولكن لا شيء مستبعد، أسماء من يتم اعتقالهم تتوالى وتصيب الناس بالصدمة. فالشعب كله رهينة هذا النظام البوليسي الفاشي، بصورته الحالية. وكأن الحرية ترفض الا ان تحلق. 

هؤلاء لا يفهمون ان الحر لا يحتاج الى ارض يمشي عليها. يفرد جناحيه ويحلق متى شاء. 

هؤلاء يظنون ان عقيدتهم الأمنية التي تحترف القمع كأداة لدينها، فلا يمكن ان نتجاوز حادثا مروعا مؤخرا، عندما اجبر حراس القمع مجموعة من الشبان تحت التعذيب والضرب بأن يقولوا ان إلههم هو السلطة (أحد هؤلاء الشبان تعرض لتلف في كبده ولا يزال في المشفى). يعتقدون ان العنف البوليسي الرسمي يجلب الخوف وبالتالي الصمت والخنوع، فيستمر نهج القتل والتعذيب والانتهاكات بدون حسابات ولا مساءلة.

ماهر الاخرس، عدنان خضر، الايقونة الفلسطينية التي لم تهادن الاحتلال وشهد العالم إصرارهما بإضرابهما العنيد عن الطعام.

 ميس أبو غوش، ابي عابودي، عماد البرغوثي…هؤلاء الابطال الثلاثة كمثال لا الحصر، لم يستطع الاحتلال تركيعهم، واذلالهم، اركعتهم السلطة واذلتهم.

ايقونات حقيقية بالثبات والصمود وتحدي الاعتقالات الجائرة. 

 يوسف الشرقاوي، المقاتل وسط صفوف حروب المنظمة في بيروت، والناشط الذي لا يغيب عن أي مشهد صمود او مقاومة يقف بجرأة امام جنود الاحتلال صانعا من جسده جدارا واقيا للشباب من ركلات الجنود الجائرة.

جهاد عبدو، قوة وجرأة وعناد بإصرار ان هذه البلد لنا. ننتزع حقوقنا بها بقوة صاحب الحق لا بمنة صاحب السلطة.

 عمر عساف، عضو مجلس بلدي منتخب، يزج بالسجن مرة تلو المرة.. إذا لم يحق لعضو مجلس بلدي بمدينة بحجم عاصمة السلطة بالتظاهر، فكيف لنا ان نتخيل مصير المواطن العادي بين أيديهم؟

بلدية لا ترقى لدعم زميل لها، بينما يخوض اضراب عن الطعام، بعمر تعدى السبعين، بمرض قلب ملازم.[1] كيف لا يتخيل أولئك مصيرهم القاتم المخزي القادم لا محالة؟ 

زكريا محمد، الصوت الحر المحلق بسماء لا يستطيع التحليق بها الا الاحرار. يحلق ويهبط بتمرس لا يفهمه الا من ارتوى على ينابيع الطبيعة وفهم معنى الوجود الحق.

محمد العطار الذي جال العالم بأفلامه من اجل نصرة فلسطين. من اجل عكس صورة للفلسطينيين يقوى الانسان فيها على التحديات المرغم عليها.

حمزة زبيدات، غسان السعدي، امير سلامة، وغيرهم من النشطاء البواسل.

 معين البرغوتي، والذي لاسمه من شرف المقاومة والتصدي والصمود نصيب لا يحتاج الى إشارة.

ومن نادية حبش الى خلدون بشارة، يبدو ان أدوات البطش البوليسية تصر على انتقاء من تبطش بهم. فكان هذه المرة المهندس المعماري والأستاذ الجامعي خلدون بشارة ضحية تنكيلهم واعتقالهم.

زكريا عودة، أبرز المدافعين عن حي الشيخ جراح، بين سنديان الاحتلال وفكي سلطة البطش.

أسرى محررون في قبضة سلطة تلفظ أنفاسها الأخيرة بالتأكيد: محمد علان، إبراهيم أبو العز، لؤي الأشقر.

أسماء تتوالى لشخصيات نعرفها وشخصيات كثيرة أخرى لا نعرفها. شعب كامل يتم اختطافه والتنكيل به من قبل سلطة جلبها لتخلصه من الاحتلال، فاحتلته وخلصت عليه. 

من كان يتخيل يوما اننا سنطلق “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد للقيد ان ينكسر” كشعار لمطالبتنا بالحياة امام بطش سلطة بكل اسف بطشها اشد من بطش الاحتلال. 


[1] (تم الافراج عنه اثناء كتابتي لهذا المقال)

اترك رد