تخطى إلى المحتوى

العزلة التي فرضها الرئيس الفلسطيني على نفسه

العزلة التي فرضها الرئيس الفلسطيني على نفسه 

تناولت وكالات الانباء قبل عدة أيام خبرا عن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ان الرئيس محمود عباس لن يحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وسيرسل خطابه مسجلا بسبب جائحة كورونا وسيتم نقله وبثه، وقال انهم طلبوا من المجتمع الدولي الانتباه الى هذا الخطاب والاستماع له جيدا لأنه يحمل الكثير من القضايا التي يجب على المجتمع الدولي ان يستمع اليها ويتعامل معها بكل مسؤولية.

الحقيقة ان الامر لا يستدعي الكثير من التحليل والتفكير. ربما بجعبة المالكي لما يحمله الخطاب المسجل المرتقب تأكيده (المالكي) على “سعيهم الى استئناف المفاوضات مع إسرائيل دون شروط”. فلم يبق امام الرئيس الا إسرائيل ليحمي نفسه بها من اجل وجوده امام العالم. المفاوضات مع إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها مرارا بأن لا نية له بالعودة الى المفاوضات في رده  غير المباشر على تصريحات أصحاب السيادة الفلسطينية العديدة. 

ربما، تعتبر هذه المرة هي المرة الوحيدة التي يتم نصح الرئيس بعمل الصواب. فعدم ذهابه حفظ بالتأكيد لبعض ماء الوجه ان بقي أي ماء. فمن يريد ان يستمع الى رئيس “دولة” شغلت الأمم المتحدة على مدار سبعة عقود بقضية كانت الأهم، وقصمت الآراء وعبثت بالتحالفات واسقطت كل أوراق التوت عن الحكومات المختلفة ينادي من اجل اعلان دولة ورفع شعارات السلام والمفاوضات ولوح لسنوات ببطاقته الرابحة بحل السلطة او التحلل من الاتفاقيات وشجب أفعال الاحتلال من قمع وقتل واستيلاء، رئيس “دولة” تحدى على الملأ ان يكون هناك قضية فساد واحدة في بلاده. رئيس “دولة” أعلن تأجيل انتخابات لم تعقد منذ انتخابه قبل خمسة عشر عاما الى اجل غير مسمى. فما هو الموعد الذي يمكن ان يقدمه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعد به؟ كيف سيبرر قمع سلطته للشعب وترويعه عندما يتكلم عن قمع إسرائيل؟ كيف سيبرر قتل نزار بنات واعتقال عشرات المواطنين وسحلهم وتهديدهم وابتزازهم وتعذيبهم والتنكيل بهم؟ ما الذي سيقوله بشأن حكومة الوحدة الوطنية التي وعد بتشكيلها ولم يتحرك خطوة من اجل تحقيقها؟ كيف سيدافع عن غياب القانون والعبث بالقوانين وانهيار السلم الأهلي والتعيينات المتدفقة لأهل السلطة في كل مركز ممكن؟ 

بأي وجه سيقف امام العالم مدافعا عن استحقاق “الدولة” التي انعدمت حدودها بين “أراضي الدولة” واراضي دولة المستوطنات؟  عن أي دولة سيطالب العالم ان تمنحه؟ دولة حدودها المقاطعة وارجائها، ومحور وجودها أجهزة الامن وميليشيات الفصيل؟ عن أي ضائقة مالية سيتحدث، وسلطته تشارك المواطن المسكين في لقمته، وتقطع المياه عمن يعترض بكلمة، وتهدد الشعب برزقه وأولاده، وتفضح النساء وتنكل وتروع بكل من يعترض بكلمة عن أي خلل؟

سيتكلم عن ظروف السجون الإسرائيلية المهينة لكرامة الانسان بينما سجون سلطته ينمسح فيها الانسان؟

سيقول للعالم ان محاكمة منفذي جريمة قتل نزار بنات قد عقدت، ويقنعهم انها تأجلت بسبب التزامهم بقيود الكورونا واجراءاتها؟ 

سيقول للعالم ان العمل جاري على تغيير او تعديل او تحريك ممكن ومحتمل ومتمنى لحكومة يستطيع ان يتفق أصحاب فتح عليها؟ 

سيقول للعالم ما قاله امام بعض ممثلي المؤسسات الاهلية – الخاضعة له- ويطمئنهم ان العمل جاري على عقد نية انتخابات “على حسب القانون” وتعديل وزاري، وتشكيل حكومة، وحدة، وطنية؟ 

مهما قال وصاغ له الكتبة حوله من كلام لا يقنع أحد أصلا الا من يكتب ويقرأ في المقاطعة. يصفقون لأنفسهم ويهللون لها ويضعون القوانين والقواعد ويعيشون في مقاطعة تخصهم يستعبدون البشر فيها مقتنعين اننا مجرد قطيع يمكن ترويضه بالمزيد من الهراوات والعقوبات. 

لأن العالم الذي يحمي وجود هذه السلطة من اجل التأكد من ان إسرائيل بخير وامان لا يستطيع ان يبرر لشعوبه الاستماع او الحديث او استقبال رئيس “دولة” دكتاتوري شمولي بوليسي تبث أفعال سلطته من كل صوب في اعلام العالم الحر. فلقد تربع رئيس هذه السلطة وسلطته على عناوين العالم بالاستبداد والقمع والفساد وقتل المواطنين وغياب الامن وسيادة القانون الذي مولته هذه الشعوب على مدار عقود تحت اسم بناء دولة ديمقراطية.

كم مؤسف ومؤلم ما اوصلتنا له هذه السلطة بهذه القيادة المهترئة الفاسدة المستبدة.

ربما يفكر الرئيس ولو للحظة كيف أوصل نفسه الى هذه النقطة من العدمية امام العالم. فلم يعد أحد يصدق مناوراته التي لا يخرج منها الا تأكيدات لما لن يحصل ابدا. 

حاصر الرئيس نفسه ووضع نفسه في عزلة فرضتها افعاله وسلطته.

هذا ما يحصل عندما يصبح الفساد هو الحالة العامة للدول. 

هذا ما يحصل بعد ان تستنفذ كلمة تفشي واهتراء وعفن كل حروفها في نظام يأكل شعبه ظلما واستبدادا، فيأكله ظلمه واستبداده تدريجيا. 

سيقدم الرئيس خطابا مدويا ويطالب ويندد ويقول كلمته الأولى والاخيرة كما يقولها امام جموعه من المصطفين، وسيصفقون له على انهم العالم وسيشيدون به وبإنجازاته وصموده، وسيكتب ارباب الأجهزة له وينقلوا شهادات التقدير الامتنان له تأكيدا على مكانته بين الأمم. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading