تخطى إلى المحتوى

حملات المطالبة بكل شيء واي شيء هل تجدي نفعا؟ من المطالبة برحيل رئيس الى إبقاء رئيس مستشفى

حملات المطالبة بكل شيء واي شيء، من المطالبة برحيل رئيس الى إبقاء رئيس مستشفى، هل تجدي نفعا؟

قبل سنوات كانت فكرة توقيع او إضافة اسم او المشاركة في حملة من اجل قضية ما امرا مهما ومؤثرا لقضايا محددة استطاعت استقطاب الرأي العام والتأثير عليه. ولكن مع الوقت كثرت الحملات والمناشدات وقل التأثير مهما وصل عدد التواقيع والمشاركات. 

اذكر ذات خطاب اممي، عندما قال الرئيس الفلسطيني أبو مازن انه لو خرج خمسة معارضين له سيستقيل. منذ ذلك الإعلان القطعي منه، والاصوات تتعالى ضده حتى وصل صداها الى كل العالم في الأشهر الأخيرة بعد مقتل نزار بنات. مناشدات برحيله، وحملات تدعو لإقالته واستقالته تجوب الفضاء الالكتروني. وتواقيع بألاف الالاف. 

والرئيس لا يزال على قناعة ان خمسة لم يخرجوا ضده. الحقيقة لا داعي لأي قناعة من طرفه. فكلماته الستالينية تطبق حرفيا: “خلصونا منه” فيخلصونه منّا. 

مما لا شك فيه ان هذه الحملات لا تجدي نفعا. لا تجدي نفعا في بلاد كبلادنا تحديدا. 

هي فكرة صائبة في دول للصوت فيها تأثير لا مجرد أثر في فراغ. صوت المواطن الذي يعرف جيدا ان صوته هو الذي يجلب شخصا الى الحكم ويخرجه. المواطن الذي يعرف ان بصوته جاء حاكم لخدمته لا العكس. وعليه، يستطيع الصوت في تلك البلدان ان يؤثر. 

ومع هذا لم تعد هذه الحملات بنفس تأثيرها السابق. لأن السلطات في كل مكان لم تعد تتحمل ربما كثرة الحملات من اجل كل شيء واي شيء، الاف الحملات التي صارت أكثر من عدد الأصوات. فاختلط الحابل بالنابل بالتأكيد. 

عندنا، يتحول كل شأن الى مناشدة ومطالبة وحملة تواقيع. ولا أحد يكترث أصلا. فضيحة مؤقتة على شبكات التواصل الاجتماعي تنتهي كزوبعة في فنجان قهوة بارد لم يشربه صاحبه، تحرك فقط عند محاولة اخذ الصينية الى المجلى لغسل الفنجان من قهوة لم يشربها صاحبها. 

وكأن الحملات صارت مثل العطوات. تستبدل القضية بحملة تواقيع، وتنتهي قضية بمناشدة يغلقها فنجان قهوة. 

غياب القانون الا فيما ينص عليه من تشريعات تعيد صياغتها وتثبيتها السلطة لتثبيت نفسها واحكام قبضتها على المواطن. وغياب سيادة للقانون تقوى فيه المناشدة والحملة على القوانين واجراءاتها.

وكأننا كلنا ذهبنا الى الاسهل. والاسهل لا يمكن ان يكون فعالا دائما. كذلك الأصعب بالتأكيد. ربما فقدنا الثقة بأي تغيير فنرى بسهولة المناشدات والمطالبات والحملات هذه أضعف الايمان. لا نستهلك الا مشاركة او لايك او توقيع. نعرف جيدا ان لا تغيير قادم. 

الفيس بوك في اليومين الأخيرين تحول الى منبر للمطالبة بإبقاء الدكتور وليد نمور على رأس عمله كرئيس لمستشفى المطلع. 

قبل البدء هنا بهذا الموضوع، ربما ما جرى مع وليد نمور يؤكد على ان حب الناس واحترامهم هو الكنز الحقيقي الذي يستطيع المرء الحصول عليه. فلو حصلت انتخابات الآن، يصلح وليد ان يكون هو الرئيس. او لو ان حب الناس هو من يتوج الاصلح والاكفأ بالفعل، فلقد حصل وليد على اهم منصب في التاريخ: حب الناس له وتقديرهم واحترامهم.

لا اعرف ما الذي جرى مع وليد نمور. كل ما نعرفه ان هناك حملة تطالب بعدم اقالته من منصبه. 

لا شك عندي ان الامر يبدو كما هو من حجم المطالبات والمناشدات مفاجئا. انا تفاجأت على الصعيد الشخصي كذلك، فكنت في حديث معه قبل يومين من هذا الامر ولم يبد ان الرجل يلم أغراض مكتبه. ويبدو انه بالتأكيد هناك مسألة ظالمة مفاجئة وقعت عليه. 

هنا، عليّ وضع بعض الملاحظات، أولها: عدم الوضوح في أي شيء. خصوصا لمسألة تحولت الى قضية رأي عام. منذ يومين وانا أحاول البحث عما جرى (وكنت على سفر فلم أستطع الاستيضاح). كل ما اراه هو “كلنا وليد نمور” ومطالبة لمجلس الكنائس الذي تتبع له المستشفى بالعزوف عن الاقالة. لا يوجد جملة واحدة ممكن فهم منها ما جرى. فتحميل مدير المستشفى مسؤولية ديون لا تدفعها السلطة، او تعيينات لم ترق لمن ينتظر دوره بمنصب لا يمكن ان تكون سببا يحمله أحد على محمل الجد. 

من ناحية، انا كفرد مطالبة بالتعاطف مع مدير المستشفى. وهذا ما تمليه عليّ العلاقة الخاصة التي تربطني به أولا، ومن ثم اعجابي الكبير بما صارت عليه مستشفى المطلع تحت ادارته، وغيري الكثيرون، لم يرد وليد نمور ابدا سائلا، ولم يكل او يتوان ابدا عن تقديم أي مساعدة طلبت منه. هاتفه دائما مفتوح للتواصل. وبمتابعة ما يجري من مساندة ودعم له، تبدو اعماله نيشانا يكبر فخرا به وله. 

ولكن من حقنا ان نفهم ما الذي يجري مع وليد نمور الذي تحول بالتأكيد الى شخصية عامة. 

ملاحظة اخرى وهي لا تقل أهمية، ماذا تعني مطالبتنا ومناشدتنا ووقفتنا على باب المستشفى ومطالبة جهة الإدارة العليا لمجلس الكنائس بالعدول عن موقفها؟ 

لا اشك ان هناك ظلما واقعا على وليد نمور. ولكن هل ينتصر وليد إذا ما تم الضغط على الإدارة هكذا؟ 

هل بقاؤه في منصبه انتصار له؟ 

هل هذا المنصب لن يستطيع ان يخدم فيه أحد غير وليد؟ 

هل ستنهار المستشفى إذا ما رحل وليد؟

هل سيرفع الظلم عن وليد هكذا؟ 

اذا ما كان الجواب على هذه الأسئلة بالإيجاب فنحن في مصيبة حقيقية، لأنه لا يجب ان تعتمد مؤسسة على شخص، ولا يمكن ان يتم انصاف شخص من خلال حملة. 

لو كنت مكان وليد نمور، لاكتفيت بما حصلت عليه من حب وتقدير واحترام مستحق من الناس ورفضت العودة الى هذا المنصب الذي سيخسر أصحاب القرار فيه بالتأكيد. 

أخاف علينا أكثر من فكرة بقاء الانسان في منصبه الى الابد. وأخاف أكثر من ضياع المؤسسة بدون شخص بعينه، او بمعنى آخر من مسألة “شخص بحجم وطن او مؤسسة”. 

وفي كل الأحوال، أتمنى لو يخرج وليد نمور بتصريح اعلامي يوضح أصل الامر، لنتمكن من الوقوف الى جانبه بحملة ربما تستدعي التصدي لظلم الإقالة التعسفية كما يبدو عليه الامر من الحملة المساندة لوليد نمور.

بالمحصلة، لم تحصّل حملة تواقيع ولا حملة احتجاجية او تضامنية حقوقا في قضايا يجب ان يكون مكانها ساحة القانون. 

ولكن هذا هو الحال في بلاد لا سيادة فيه لقانون. 

قانون العشيرة السائد: بفراش عطوة او حملة تواقيع…. على حسب نوع الطبقة الاجتماعية المستهدفة.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading