أحاول متابعة التطورات الخاصة بالمؤسسات الفلسطينية الستة التي أعلن غانتس- وزير الحرب الإسرائيلي- انها إرهابية من خلال الاعلام قبل حوالي أسبوع. من أي وكل اتجاه ما قام به غانتس قد ألحق ضررا حقيقيا. ما قام يه غانتس يشبه إطلاق رصاصة مطاطية متطورة، لا تقتل بالضرورة، ولكنها بالتأكيد تسبب الكثير من الاضرار التي تصل الى اعاقات دائمة وتشويهات يتطلب إصلاحها والالتهاء بها زمنا طويلا.
من ناحية، عند النظر الى الامر إسرائيليا، لا يمكن الا ان يفكر المرء بأن هذا النظام قد وصل الى مرحلة من التبجح التي تبرز صفاته السيئة، بما فيها الفاشية. المجتمع المدني في كل مكان هو انعكاس صورة الأنظمة. فالمجتمع المدني القوي هو انعكاس لنظام سياسي قوي. من المفارقة، تشكل مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية الوجه الأفضل لإسرائيل. فمهما حسنت نوايا هذه المؤسسات، فإنها بالتأكيد تساهم بتحسين شكل إسرائيل الفاشي والعنصري امام العالم. اذ بمجرد خروج أصوات مدافعة عن الحقوق الفلسطينية في إسرائيل، فهذه دعاية مجانية للحكومة الإسرائيلية التي تروج من خلالها لديمقراطيتها. ولكن، من جهة أخرى، بالرغم من هذه الخدمة المجانية، ان حكومة إسرائيل تمارس ضغوطات على هذه المؤسسات لممارستها هذا الدور.
لم يكن غريبا ان تنزعج هذه المؤسسات الإسرائيلية وتعلن عن استيائها. والمثير هنا أكثر من أي وقت ان الكثير من الشخصيات المعروفة في المجتمع المدني الحقوقي الإسرائيلي اليساري، والتي هي جزء من الحكومة الحالية، أعلنت عن استيائها. نعاما لازيمي عضو الكنيست ووزيرة عن حزب العمل هي من شخصيات حركة السلام الآن. نيتسان هوروفتش وزير الصحة من حزب ميريتس، وهو الحزب الذي ذهب الي اقصى اليسار في إسرائيل. اما غابي لاسكي من ميريتس كذلك وهي احدى الحقوقيات ومدافعات الصف الأول عن حقوق الانسان. ووزيرة البيئة تمار زاندبيرغ من حزب ميريتس. هؤلاء وغيرهم عبروا عن قلقهم واستيائهم وطالبوا غانتس بالتوضيح.
لم نسمع من الأعضاء العرب في هذا الحزب والمتواجدين بالكنيست وهم غيداء ريناوي زعبي، وعيساوي فريج، وعلي صلالحة
ما جرى يضع اليسار الإسرائيلي الذي تشكلت الحكومة الحالية به امام مرآته الحقيقية. بالنسبة لي، لن اناقش امرهم، فبالنهاية لا فرق بين يمين او يسار في إسرائيل وما نشهده الآن هو التأكيد الحقيقي والجلي على ذلك.
ولكن، المهم هنا هو الموقف العربي. وقبل الحديث عن الموقف العربي للقائمة التي تدعم هذه الحكومة، لا بد من الإشارة الى القائمة الأخرى التي كانت مشتركة (العربية للتغيير) برئاسة ايمن عودة ولا تزال، والتي ربما رأت الان كذلك مأساوية وكارثية غانتس التي اعطته هذه القائمة ثقتها بتشكيل حكومة في الانتخابات الإسرائيلية السابقة، بما أدى الى خسارتها للكثير من الأصوات لصالح منصور عباس الذي انشق عن القائمة ليشكل قائمته الموحدة (القائمة العربية الموحدة).
بين كتلتين اختصمتا على التواجد في الكنيست واستخدمتا اسم “عرب” لتعطيا تبريرا للناخب لهما بجدوى التواجد بالكنيست الإسرائيلي، ما نراه من قرارات كارثية بحق الوجود العربي كافة في هذه البلاد المحتلة منها من قبل إسرائيل وتلك المتأرجحة بين احتلال وتنسيق أمني.
هذه لحظة حقيقة لأعضاء الكنيست العرب سواء كانوا ممن دعموا تشكيل هذه الحكومة او ممن أعطوا غانتس ثقتهم في المحاولة السابقة لتشكيل الحكومة.
مع الأسف، ان الجميع اتحد نحو هدف واحد هو اسقاط نتانياهو، وهذه هي النتيجة، للعرب ولليهود في إسرائيل، وكذلك للأمريكان في الحزب الديمقراطي الحاكم الان الداعمين لهذه الحكومة فقط للتأكد من عدم عودة نتانياهو.
بطبيعة الحال، أعلنت القائمة العربية للتغيير التي يترأسها ايمن عودة موقفا قويا كالعادة في هذه المواقف وأصدرت بيانا تشجب فيه وتطالب، وتقوم بما عليها ربما، لأنها في النهاية لا تستطيع الا الضغط (وهو المطلوب)، فهي ليست في الحكومة، لا بل معارضة لها.
ولكن لنقف الآن عند منصور عباس، الذي بدونه لم تكن هذه الحكومة لترى النور.
عباس منصور الذي اعطى الحياة لهذه الحكومة بأربع نواب، لم نسمع منه أي تصريح بشجب او استياء. المهم في هذا الموضوع هو سكوت منصور عباس تحديدا لأنه يمثل الحركة الإسلامية في (إسرائيل) التي تم اعمال القرار الذي استخدمه غانتس بتمرير قراره بتصنيف المؤسسات الستة كمنظمات إرهابية. وهو القرار الصادر سنة ٢٠١٥ والذي اعتبرت فيه الحركة الإسلامية حركة خارجة عن القانون، وحُظرت كل أنشطتها وأغلقت مؤسساتها.
لماذا لا يعتلي منصور عباس او قائمته حصان طروادة للضغط على هذا القرار؟
مرة أخرى نجد أنفسنا امام اختبار حقيقي للشخصيات المختلفة التي تمثل الواقع السياسي الفلسطيني والإسرائيلي.
لو كنت مكان منصور عباس، لاستخدمت حصان طروادة وأثبتت للناخب العربي الذي شكك في نواياه واتهمه بقصم الجبهة العربية في لكنيست التي استطاعت ان تشكل المعارضة في الكنيست، ان وجوده في الحكومة يوقف على الأقل الظلم الواقع على الفلسطينيين تحت الحكم العسكري الإسرائيلي. اعرف ان ما جرى من قرارات حتى هذه اللحظة يسوّد وجه القائمة الموحدة سواء محاولة تمرير مشروع قانون نفي صفة الرسمية عن اللغة العربية ، اوقانون المواطنة الذي صوت الكنيست الإسرائيلي بموجبه على تمديد العمل ببند “منع لم شمل العائلات الفلسطينية” وصوتت الموحدة معه.
في المقابل، هناك الرئيس محمود عباس، الذي اكتفى بالاجتماع مع المؤسسات ويبدو ان المؤسسات سعدت بهذا اللقاء، وصدقوا ما صدق به الرئيس ان إسرائيل تنتهك السيادة الفلسطينية واطمأنوا لتأكيده لهم على عمل اللازم. فكان التحرك الأول للرئيس اجتماعه بالرئيس السويسري وعلى حسب وكالة وفا الرسمية فلقد تحدث الرئيس بالأمر امام الرئيس السويسري وأعلن عن رغبته بأن ترعى سويسرا عملية السلام. ويبدو ان الفكرة اعجبت الرئيس السويسري واقترحها على نظيره الإسرائيلي.
اما رئيس الوزراء الذي يستمر في تشديده على حراك من اجل اعتراف جماعي بدولته وضغط على إسرائيل لإيقاف الاستيطان ولجم إسرائيل والكثير من المطالبات اثناء زيارته “التاريخية” لبلجيكا لحشد الدعم. انتهت مسألة المؤسسات ببيان وشجب عابر.
على الصعيد الدبلوماسي الفلسطيني الرسمي فلم أجد أي بيان او تصريح او حراك على صفحة وزارة الخارجية الفلسطينية باستثناء موضوع المستوطنات والرد على ما قاله بينيت بمعارضته لإقامة دولة فلسطينية و”انشاء كيانات شبيهة بالدولة لا تنجح” حسب ادعائه. في معرض هذا الكلام لا بد من القول ان بينيت محق بالتأكيد. حتى الإسرائيلي اليميني المتطرف يرفض تسمية كيانات شبيهة بدولة على انها دولة. وفي معرض لقائه مع حركة التضامن مع فلسطين في لوكسمبورغ تطرق المالكي “للتحرك الرسمي الذي بذلته القيادة الفلسطينية، ووزارة الخارجية والمغتربين في إدانة القرار الإسرائيلي بتصنيف ست منظمات فلسطينية من المجتمع المدني بأنها “إرهابية”، مشيرا الى استقبال الرئيس محمود عباس لرؤساء هذه المنظمات”.
اما إسرائيل وعلى المستوى الرسمي والدبلوماسي، فلقد أرسلت مبعوثا خاصا الى الولايات المتحدة لوضع المبررات وتقديم معلومات من اجل اقناعهم بمشروعية قرارهم بعلاقة المؤسسات بالإرهاب.
بين ناخب عربي يحاول تصديق جدوى وجود قيادته في الكنيست فيشتري ما يبيعونه له من شعارات رنانة، أبدع فيها منصور عباس في الانتخابات الأخيرة، وبين مواطن عربي يحاول تصديق جدوى وجود سلطة، فيستقبله رئيسها ويتصور معه ويعده ويشد على يده، يتمثل حالنا كمواطنين بين الرئيس محمود عباس ورئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس.
تضيع القضايا المهمة كما ضاعت هذه البلاد وأهلها مع مرور كل يوم. نعطي هذه القيادات الحياة على حساب وجودنا كبشر.