فلنتّقِ الله في قدسنا

فلنتقِّ الله في قدسنا وأنفسنا 

امتلأ بريدي بالرسائل الخاصة بين المسنجير والواتساب بفيديو وتعليقات عن مركز يبوس الثقافي ومديرته السيدة رانيا الياس.

الحقيقة ترددت بالكتابة، لأكثر من سبب. الأول والاساسي تمحور عدم حاجة مركز يبوس الثقافي او السيدة رانيا الياس للدفاع من أي أحد. فشهادتي وكلماتي ودفاعي لن تزيد من قيمة هذا المكان وراعيته. 

اما السبب الثاني وهو المقلق، هو ربط اسم مركز يبوس الثقافي ورانيا الياس بموضوع المثلية الجنسية والترويج لها. هنا كذلك توقفت لبرهة لأنني اعتقد ان الوضع في هذا البلد لم يعد يحتمل أي نقاش عقلاني. فآخر ما نحتاجه هو الانجرار نحو سيداو وحلفائها واعدائها، فنخرج من مطب حقوق المرأة والنسوية ونقع في فخ المثلية الجنسية وقبولها ورفضها. 

ماذا تعني عبارة الترويج للمثلية الجنسية؟ كيف يروج المرء للمثلية؟ في الفيديو المتداول والذي تم تصويره في المسجد الأقصى يتناول الحديث عن شرف المدينة من رانيا الياس ودعوتها للمثلية الجنسية، فكرت بكم الأخطاء في العبارات التي لا يمكن الرد عليها. فكرت كيف يجلس الانسان في المسجد ويدعو الملأ لمحاربة امرأة ويثير النعرات ويروج ضد مؤسسة ويحمل الامر مسائل خطيرة وفئوية وعنصرية. 

التكلم عن مركز يبوس الثقافي وكأنه وليد الامس، يؤكد عدم المعرفة بمؤسسات المدينة القائمة منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمن. ماذا يعني ان رانيا ليست مقدسية؟ وماذا يعني انها تعيش بتصريح؟ مَن يحدد احقية في المدينة؟ ومن ليس له الحق؟ من هو المقدسي؟

الحقيقة لا اعرف ما هي المشكلة الحقيقية: برانيا كونها امرأة او كونها مسيحية او كونها مديرة مؤسسة؟ 

من السهل ان نخرج على الملأ واعلاء الصوت ورمي الناس بأخلاقهم ونواياهم وهوياتهم والتشكيك بهم. ولكن مرة أخرى أفكر، ماذا كان القصد من تصوير الفيديو من المسجد الاقصى؟ 

كيف يستقيم بث هكذا فيديو من المسجد الأقصى، الذي نحارب من اجله جميعاً حمايته من خطر العنصرية المحدق بنا من قبل الاحتلال؟ 

نعم مؤسسة يبوس فئوية، إذا ما كانت الفئوية هي عدم انتماء المؤسسة لحزب او فصيل. نعم هي فئوية إذا ما كانت الفئوية هي اختيار وانتقاء ما يرقى بالمشهد الثقافي للمدينة. 

أصبح مركز يبوس صرحا ثقافيا بغياب المشهد الثقافي من المدينة منذ تحول كل شيء الى اجندات حزبية او إسرائيلية. 

لا ينبغي لنا ان “نحب رانيا” ولا ينبغي لنا ان نتفق مع وجهة المؤسسة الثقافية دائما. فالمشهد الثقافي مليء بما نحب ولا نحب، والانسان حر باختيار وجهته. هذه هي الثقافة.. بالتعدد والتنوع. قد لا تروق فعاليات مركز يبوس للبعض او ربما للكثيرين، وهذا طبيعي وبديهي. ولكن لا يمكن لأحد ان يحارب ويهاجم بهذه الطريقة التي تدعو الى الفتنة بوقت أكثر ما نحتاجه هو ضبط النفس. 

القدس ليست لبضعة عائلات نخبوية، وليست لعائلاتها المسحوقة على اذيال النخبة ووجدت لنفسها مكانة لكونها مقدسية اليوم. القدس ليست للعائلات المهاجرة واللاجئة لها في أوقات الحروب والنكبات المتتالية. القدس مدينة من يسكنها ويحبها. 

هذه هي القدس… القدس التي يعيش بها القدسي والخليلي والنابلسي والنصراوي والحيفاوي والطيباوي بهويته الفلسطينية التي تريد لهذه المدينة الصمود امام همجية الاحتلال الذي لا تنتهي. 

القدس لكل فلسطينييها، والمسجد الأقصى ليس المكان لبث رسائل الفرقة والرفض للآخر. 

القدس لمن يبنيها ويعمرها ويجعل من سكانها مثالاً للصمود والالفة والتعايش في وجه الظلم والطغيان والعنصرية ومحاولات الاحتلال البائسة لطمس هويتنا الفلسطينية الجامعة. 

مؤلم وموجع ما يجري بنا.. في وقت ينخر الاحتلال بنا من كل اتجاه… نستمر في نخر أنفسنا من الداخل. الاحتلال يتفرج علينا ننهي أنفسنا بأنفسنا. 

لا يكفي الطّوش والعنف والأزمات والطخ والقتل… 

في الوقت الذي تمعن إسرائيل في تنفيذ خططها بتقسيم المسجد الأقصى، وتسرق القبور وتنبشها، تهدم البيوت وتصادر الأراضي، تهجر السكان وتسحب الهويات، هل نحن بحاجة للمزيد من تأجيج مشاعر الكراهية والاقصاء… ليستطيع الاحتلال التفرد بنا أكثر؟

اترك رد