انهيار السلطة وانهيار المجتمع: العنف المحدق ما بين البيت والجامعة 

انهيار السلطة وانهيار المجتمع: العنف المحدق ما بين البيت والجامعة 

في كل مرة نتناول فيها امر السلطة، ونناقش مآل الوضع الراهن، وننغمس في تمحيص الوضع وتحليله والتحذير منه وكأننا والسلطة على خط متباعد من معادلة لا تمس أي منا بصلة، نجد أنفسنا كما الآن، ان انهيار السلطة من انهيارنا. ذهبنا بين متنبئ ومتوقع لانهيار هذه السلطة منذ سنوات. ولكننا لم نتوقع ولم نتنبأ ان انهيار السلطة يعني انهيار المجتمع كتحصيل حاصل. 

منذ ان قرر رئيس الحكومة إدارة ازمة الكورونا بإعطاء “التنظيم” امر الولاية على المناطق المختلفة، كان يجب ان نعرف ان القادم حالك بقدر الهوة التي هوينا اليها بإرادتنا. سكوتنا المتتالي لكل إخفاقات السلطة يجعلنا جزء من المصيبة الواقعة علينا. 

فمن تكلم منا واعترض اما قتل، او سحل، او سجن او حرقت سيارته او تعرض لإطلاق نار او طورد في لقمة عيشه. 

اكتفى معظمنا بالتستر على المصائب المتكررة التي نراها اليوم امام اعيننا تحولت من شناعات وفظائع الى مصائب تحط على رؤوسنا. قتل وعربدة وانعدام امن وامان محدق من كل اتجاه. 

منذ مدة ولم يعد الشارع امن للوقوف او المشي فيه في كل مكان. آفة تفشي السلاح والعنف والبلطجة وتشحيط السيارات والسرعة المميتة باتت البديهي في كل يوم من أيامنا. لا يمر يوم الا ونصحى وننام على فاجعة. لا تكاد الخليل تهدأ حتى تشتعل ام الفحم وقبلها بأيام الناصرة. ولا تكاد تلملم نابلس ضحاياها من شباب قضوا على الطرقات حتى تعلن حيفا وفاة ثلاثة من خيرة شبانها. 

لا نكاد نطفئ جماح فتنة بسبب شرف امّة تخاف على وجودها من مثلية او امرأة قرر رجل قتلها لأنها متاعه ومشاع هذا الشعب الهائم على وجهه، حتى تشتعل نيران فتنة تؤججها الديانات، فوصل التحليل والتحريم طائفي بجدارة، تعييد على حسب أي تقويم يريده “كبيرهم” ( مسرب عقارات الكنيسة الارثودوكسية لسلطات الاحتلال). فننشغل في تحليل، او تحريم زينة، او شجرة، او معايدة. 

العنف الذي اشتعل كالنار في الهشيم، رأيناه في المدارس، عندما صار الطالب يضرب استاذه. وقلنا قلة تربية وانعدام الاخلاق. نفكر دوما في هذه الدائرة التي تشكل التربية والتعليم. كيف لنا ان نخرج بمعلم جيد وسط تعليم يتم انتاجه بجامعات كجامعاتنا اليوم؟ 

جامعاتنا تلك التي اعتبرناها منارات للعلم تحولت الى شعلات من نيرات تشتعل لتحرق ما تبقى من تربية وتعليم. 

كم هي مصادفة ان تتأزم الجامعات تباعا؟ جامعة القدس تحولت الى بؤرة اشتعال قبلي عشائري حدودي قبل أسابيع. جامعة الخليل أقيم فيها حفل موسيقيتسبب ببيانات شجب وتهديد ومطالبات عشائرية ومحاسبة، وسط الدم المهدور في شوارع المدينة بسبب خلاف دموي بين عائلتين منذ أشهر. جامعة النجاح تصطدم مع الحكومة والعكس في ملاسنة بيانات يتم من خلالها تصفية حسابات حكومة حالية وسابقة وكأن الحكومة ملك لشخص، كما ان الجامعة ملك لشخص. لم لا والبلد تبدو وكأنها عزبة اقطاعية يديرها هؤلاء؟ فنرى رئيس الحكومة ووزرائه في جولات تفقدية لمدارس وكأن الأمور على احسن ما يرام الا من تضييق الاحتلال.

جامعة بيرزيت، التي طالما ضرب بها المثل تتصدر مشهدا يجعل الامر بالغ الوضوح بتفسير حالنا. كلنا في نفس الدرك من الانهيار. مشاحنات وشجارات وإطلاق نار وضرب وسلاح بين الشبيبة والكتلة الطللابية يؤدي الى تعليق الدوام والدوام عن بعد.  واندلاع اشتباك بعد مباراة في قرية سنجل يأخذنا الى حجر آخر من احجار المسبحة المتبعثرة لما كان يشكل مجتمعا نتغنى بوحدته. صور محزنة ومرعبة من جامعة القدس الى بيرزيت. حرائق وإطلاق نار وعنف لم نعترف يوما انه يمثلنا او يشبهنا. 

ولنغلق الدائرة المأساوية لا بد من اضحية لهذا الدم المهدور. مقتل طالب في جامعة جنين الامريكية على يد طالب اخر واصابة اخرين.

المشهد التالي لا يحتاج الى التخيل: حرائق واشعال نار واغلاق طرق وإطلاق الرصاص ورعب من كل اتجاه. 

العيون في كل الأحوال وفي كل مرة تتجه الى مكان واحد ” الشبيبة”. الذراع الجامعي لتنظيم فتح إذا جاز التعبير. 

لن اسأل كيف وصلنا الى هنا، لأن الجواب في كل صورة نراها: السلاح المنتشر بين أبناء ” التنظيم” من قبل السلطة، والسلاح المنتشر من قبل ” الاخرين” من أي تنظيم او فصيل اخر. ويقع المواطن “اضحية” بين الفصائل المسلحة لتحظى بمكان لا يزحزحها عن السيطرة الأبدية على ما يمكن السيطرة عليه (فلا أستطيع ان أفكر ان ما يراد السيطرة عليه “وطن” لأنه لم يعد بإمكاننا تسمية ما نعيش بداخله وطنا).

بينما أحاول التفكير بالخروج من هذا الظلام الحالك والقاتل، لا أستطيع ان اداوي تفكيري حتى بموضوع الانتخابات كمخرج. فلا يمكن لانتخابات ان تقوم أصلا وسط هذا الكم من الفلتان. هؤلاء لن يسمحوا لأحد ان يأخذ اي شيء مما اعتبروه استحقاقا لوجودهم هنا. و”هؤلاء” اليوم كثر ولا يمكن التعريف بهم بانتماء محدد: فصاحب السلاح والمال هو صاحب السلطة. 

إذا ما كان الاعداد لانتخابات الجامعات افضى الى هذا الكم من العنف والدم، فكيف بمكن ان تنتهي النتائج إذا ما كانت محسومة على عكس مرادهم؟ هؤلاء خسروا لدرجة لم يعد بإمكانهم خداع الجماهير او حتى محاولة اقناعهم. لم يعد بإمكانهم الا استخدام القوة المفرطة كسلطة او العنف والبلطجة كتنظيم. اقتتال وصل الى انتزاع الأخ حياة أخيه كما رأينا في مشهد جنين المفجع.

ربما ما يحصل من فلتان وقتل يجري على خلفية الاستعداد انتخابات المجالس المحلية (المرحلة الأولى) ، الذي التهينا فيه بقدر أهميته، حيث حذفت او امتنعت صور المرشحات من القوائم لأنهن “عورات.

انتهت السلطة بالتأكيد قبل انتهاء دورها الذي يراد لها من اجل التنسيق الأمني والحفاظ على المصالح الإسرائيلية المختلفة. مهما حاولت إسرائيل وامريكا وأوروبا على ابقائها فلقد انتهت بالفعل. فما يجري من فلتان وعنف لا يمكن ان يكون مسؤولية وزير الداخلية رئيس الوزراء فقط. (عند متابعة صفحة رئيس الوزراء يظن انها صفحة وزري الخارجية، فبيانات الشجب ضد أفعال الاحتلال تبدو بيانات وزارة خارجية تخاطب على استحياء السفارات!!! ربما يفلح رئيس الحكومة بحمل وزارة الخارجية كذلك بدلا من الداخلية والاوقاف، او ربما يضيفها الى مهامه).

لقد اشتعلت النيران بتلك الشعلة التي انذرت بحريق منذ تأجيل الانتخابات قبل أشهر، وامتدت بمقتل الشهيد نزار بنات. ما نعيشه اليوم هو ذر الرماد وسط رياح تخلفه الحرائق قبل ان تهمد نهائيا. 

سلطة احترقت بنيران اشعلتها وشعب يحترق بلهيب وشظايا دخان وذر رماد… وسط احتلال لم يعد بحاجة لإخماد حرائقه من قتل علني، وقمع وهدم وتشريد. فما نفعله بأنفسنا لا يقل بشاعة عن أفعال الاحتلال. لم نعد نميز الضحايا من قتيل او شهيد. 

لم نعد نميز للعنف وجه احتلال او وجه اخ وصديق. 

لم نعد نميز للخوف مصدرا محددا بعدو، فلقد صار الذعر من الصديق أكبر من الخوف من العدو. 

لم نعد نعرف للأمان مكان، لا شارع ولا بيت… كلنا عرضة لاستباحة من كل واي اتجاه…سلطة متسلطة علينا، فلتَ امانها عنا. وسلطة محتلة تعيث فيما يتبقى منا ما يعيثه المحتل من دمار، فلتان وقمع علي حسب الحاجة لدمار اكبر.

لن أطالب بمحاسبة وزير الداخلية والمطالبة بإقالته. ولن ادعو وزير التعليم العالي للاستقالة، فلقد رأينا ماذا تعني الوزارة لوزير آثر الفصل عن فصيله ليبقى بالوزارة. فكما صفحة رئيس الوزراء يبدو من خلالها العالم ورديا يؤرقه فقط شوك الاحتلال، كذلك وزارة التعليم العالي التي تبدو عالما مستقلا بذاته وفي فضاء ازرق شديد الصفاء. ما يجري بالجامعات لا يشكل حتي زوبعة في صفاء فنجان الوزارة المضبوط. وبما اني في جولة صباحية على الصفحات السيادية، فصفحة وزارة الداخلية يجوبها هدوء وصفاء إنجازات الحكومة الزرقاء.

صباح الخير لوطن شعبه بداخل زوبعة، وسلطة ترشفه كقهوة في فنجان.

اترك رد