تخطى إلى المحتوى

“أميرة” ليست سندريلا…

“أميرة” ليست سندريلا، والمنتج ليس الملك

لا تزال زوبعة فيلم أميرة تدور في رحى الرأي العام بلا هوادة. لم يعد هناك من داع لحضور الفيلم وتقييمه وابداء الرأي فيه. فلد حسمت مسألته عندما ايد منتج الفيلم هاني أبو اسعد وقف الفيلم من العرض بمهرجان جدة، وكان طاقم الفيلم من قبله قد أعلنوا في بيان عن اعتذارهم لعدم تقديرهم لحساسية الامر. أفلام هاني أبو اسعد منذ “الجنة الآن” و”عمر” حتى “صالون هدى“، تطرقت بجرأة للشأن الفلسطيني، لم يستطع أحد الهجوم عليها بهذه الطريقة. لأن أفلامه تناولت “الحقيقة” ووضعتها امامنا كمن يقف امام مرآته من زاوية مختلفة. لا تعجبنا بالضرورة. نمقتها ربما. نخاف منها. ولكنها حقيقة. مهما كرهناها الا اننا لا نستطيع ان نتنكر لها. وان تنكرنا لها، فالحقيقة اقوى بالنهاية. 

ما حصل بفيلم “اميرة” ان المخاطرة الجريئة التي وضعها أصحاب الفيلم ارتكزت على خيال لا يمكن تحقيقه، أمام مرآة مكسرة ومشوهة أصلا، لا تحتمل تشوهات غير ممكنة. موضوع الأسرى والنطف المهربة، شكّل في وعي الانسان الفلسطيني المحبط املاً وسط كل المستحيلات. والحقيقة ان موضوع تهريب النطف بحد ذاته امر عظيم عندما نفكر به. كيف يصمم الفلسطيني على الحياة على الرغم من القيد والاسر الحقيقيين. استحالة الحياة التي يصنع الاسرى في سجون الاحتلال منها حياة. كذلك النفق الذي شقه الاسرى الستة وسط عيون الحراسة التي غشتها الإرادة والرغبة بالحياة. 

خان التقدير هذه المرة المنتج والمخرج الفلسطيني الكبير. وقد تنتهي المسألة هنا. الحقيقة ان المسألة يجب ان تنتهي هنا. في النهاية نحن امام عمل درامي يبدأ وينتهي بكادر يمثل ويرجع الى حياته. هؤلاء ليسوا من يشكلون الخطر على حياتنا كفلسطينيين. تاريخ هاني أبو اسعد بالسينما أكبر من خطأ تقديري يحتمل الكثير والقليل من التحليل.  

قبل تفجر ازمة الفيلم، شاهدت تعليقا للفنانة صبا مبارك “اميرة” على هامش عرض فيلم “بنات عبد الرحمن” مهرجان القاهرة السينمائي قالت فيه ان “الفن ليس رسالة، الفن للتسلية والترفيه فقط.” والحقيقة بعد هذه العبارة لا يوجد عتب. هي ممثلة متألقة ومميزة. يجب الا نحملها فوق حقيقتها. المشكلة ربما نتحمل نحن الجمهور جزءاً منها. فنحن نجعل من أي بطل سينمائي قام بدور فلسطيني يمثل المقاومة وكأنه مقاوم حقيقي. وبالتالي، يصدق “الممثل” انه مقاوم ومحرر ويتساوق مع فكرة عظمته الفلسطينية. وهنا باعتقادي يحمل الممثل المسؤولية. عندما يتساوق “الفنان” مع القضية الفلسطينية من اجل الشهرة، لا بد ان يطالبه الفلسطيني بالتصرف وفق معايير هذه القضية. وكأننا نريد من الفنان ان يعطينا ما اخذته منا الحياة الواقعية. 

صبا مبارك، وغيرها من ممثلين، لا يقدمون فنا مقاوما. هم ليسوا مقاومين. هم يقدمون أدوارا قدمت لهم. بعضهم يقدمون أدوارا مغايرة تماما عندما تقدم لهم. ويبقى الامر شأنهم لا شأننا، حتى يبدأوا بأخذ الجوائز التي تمنح بالتساوق من اجل القضية الفلسطينية. 

الفنان بالمحصلة يعتاش من الفن. فليس كل فنان مثل جورج كلوني الذي استطاع ان يرفض عرضا ب ٣٥مليون دولار مقابل دعاية لشركة الطيران الإسرائيلية ال عال. ما نراه من نجومية ساطعة يكون قد مر الفنان قبلها بالعديد من الأدوار التي يتمنى محوها. ولنا ان نتخيل ما الذي يتعرض له الفنان الفلسطيني الذي يحاول الخروج من الإطار المحلي للنجومية. نحن نتعرف على هؤلاء الفنانين فقط عندما يراهم العالم ويسطع نورهم، فتنهال عليهم الجوائز وتتسارع وزارة الثقافة وكل ما يتلوها من أماكن سلطة بالتهليل والتساوق عليهم. 

من جهة، لا يمكن لنا كفلسطينيين الا نمثل “فلسطينيتنا” مهما مثلنا. فالممثل الفلسطيني يحمل هذه الهوية بتعريفه الأول. وليس المطلوب من هذا الممثل ان يكون رمزا لفلسطين ولا للقضية. فهذا شأنه الخاص. من جهة أخرى، إذا ما أراد فنان اقران نفسه وهويته بتلك الفلسطينية فهذا مهم. فالقضية الفلسطينية مرتبطة بعدالة ما تمثله كقضية الظلم فيها جلي وكبير. ونشاهد هذه الأمثلة دوما، بيلا حديد (فلسطينية الأصل)، سوزان سراندون، ريشارد جير، وغيرهم. هؤلاء لا يحتاجون للشهرة التي تمنحها القضية لأنهم يؤمنون بأحقية هذه القضية. 

في سياق مشابه يبدو ما يجري في مسابقة ملكة جمال الكون في مدينة ايلات من إعراض وقبول. فلقد تبين ان ملكة جمال اليونان التي أعلنت انسحابها لم تكن ملكة جمال اليونان الحقيقية لهذا العام. فلنا ان تخيل أهمية الامر من حيث استقطابه لنسب المشاهدات والرأي العام. نرى أهمية هذه القضية في وقت يسلب الاحتلال منها الأرض والانسان عندما يسوّق الثوب الفلسطيني في هذه المسابقة كموروث ثقافي لإسرائيل. 

بقدر ما تبدو هذه الأمور صغيرة امام عظام الأمور التي تنهش بنا يوميا. الا ان كل ما يجري يؤكد على ان هذه القضية أكبر حتى من الشعب الذي يعيش مآسي الظلم الواقع فيها. عندما تستخدم إسرائيل الثوب الفلسطيني كعلامة تراثها، بالرغم من معرفة القاصي والداني خلاف ذلك، تبقى الحقيقة اقوى من الجبروت مهما طغى. ولكن وفي كل الأحوال الكارثة في هذه المسابقة ليس الثوب الفلسطيني الذي تم ارتداؤه على الأرض المسلوبة، فسباق التطبيع العربي لمشاركات من الامارات والبحرين والمغرب هو الكارثة الحقيقية.

ونحن، أصحاب هذه القضية من فنانين وافراد وضعنا كمتشائل اميل حبيبي، نعيش على المونولوج الداخلي الذي يختلط فيه الواقع الخارجي بالنفسي، فيتضارب الخيال بالصور، وتتشابك الاحداث وتتحول، ويبقى سعيد أبو النحس بطلا يعيد تجسيد نفسه في ابطال التمثيل الحقيقيين التي افرزتهم الساحة الفنية الفلسطينية من محمد بكري الى كامل باشا

ليس كل من يمثل، يمثل من اجل القضية. والفن الملتزم إلزاماته مختلفة.  الفنان يعرض عليه الدور ويقبله او يرفضه بما يتناسب مع معايير وحسابات تخصه. فبالهجوم اليوم على فيلم اميرة ومن قام بأدوار البطولة فيه، يبدو الامر مثيرا أكثر للحزن، كيف كنا نصفق بحرارة لفيلم ٢٠٠ متر الذي قدم فيه علي سليمان دورا في غاية الروعة، وانهالت عليه الجوائز والتكريمات والاحتفاءات، ننهال اليوم عليه لقيامه بدور في اميرة.

ليس كل من يكتب عن فلسطين يصبح غسان كنفاني. الأقرب ان ينتهي الحال به كسعيد ابي النحس بالمتشائل.

و”اميرة” ليست سندريلا، لأنه لا يوجد “ملك” حقيقيّ يتوّج بالمحصلة الا “الرأي العام”.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading