خطيئة المرأة وفضيلة المجتمع: امرأة تركت طفلة وليدة على باب جامع

خطيئة المرأة وفضيلة المجتمع: امرأة تركت طفلة وليدة على باب جامع

سجلت كاميرات الجامع الخفية حدثا مؤسفا لم تعرف صاحبته التي استطاعت ربما ان تخفي حملا على مدار تسعة شهور خشية فضيحة، انها لن تتخطى ابدا خطيئتها عندما تركت الطفلة الرضيعة على باب الجامع. 

مشاهد لمآسي وبؤس كنا نظنه لا يتعدى مشاهد سينمائية يرصدها خيال كاتب وينقلها لنا مخرج. 

هذا العصر الذي صار كل شيء يرصد وينقل وينشر فيه بلمح البصر. فلم تعد فضيحة تستر ولا سر يخفى.

حال هذه الطفلة كحالنا كمجتمع، ربما من اجل هذا اثارت مشاعرنا المستترة مؤقتا، ولنعلن رفضنا لوحشية هذه الام التي خلت من قلبها رحمة القطط بأبنائها، وضرب الكثير على صدورهم معلنين رغبتهم بتبني هذه الطفلة المتروكة. 

فضيلة المجتمع امام خطيئة افراده!

قبل ايام كانت صورة طفل لا تتجاوز سنوات عمره الست، جاء للعلاج من غزة، تركه والده على الحاجز معلنا عدم رغبته بالطفل هاربا من اجل رزق يتأكل الحصول عليه بعيدا عن سجن غزة الكبير، قد هزت انسانيتنا كذلك وبادر الكثير منا بالبحث والتطوع يتكفل ذاك الطفل المسكين.

مرة أخرى …فضيلة المجتمع امام خطيئة افراده!

نحن معشر الفضيلة…

قبل لعننا لأم رمت بأمومتها واب ترك ابوته لقضاء الله، اين نحن من هذه اللعنات؟ هل كنا سنرحم هذه المرأة يحملها الذي لم يكن يجب ان يحدث؟  هل كنا نرأف بجوع رجل لا يستطيع ان يأتي بقوت عائلته؟

لو اعلنت هذه المرأة فعلتها لكنا رجمناها حتى الموت. ولو مد هذا الرجل يده متسولا رحمتنا لكنا ركلناه. 

ولو تطلبت انسانيتنا امتحانا حقيقيا لتبني الطفلين لسقطنا سقوطا مخزيا.

ان نجت هذه الطفلة من الموت على قارعة الجامع بهذا البرد والشتاء الذي غسلها ربما من خطايا هذه البشرية النكراء، فإنها لن تنجو من عيون والسنة مجتمع وسمها باللقيطة الى الابد. 

أمها وذلك الرجل الذي رمى بنطفته ومضى بحياته وكأن امرا لم يكن، والمجتمع، شركاء في هذه الجريمة التي شهدناها. لم نفكر اين مسؤوليتنا من هذه الجريمة، وأعلننا سخطنا على من رمتها لتصارع وحدها ظلم البشر. 

خطيئتها وفضيلتنا وجهان لحقيقة واحدة.

ما أقسى الفعل وما أبشع المنظر. 

لو كانت هذه المرأة هي الوالدة التي استطاعت يدها ان ترمي بالوليدة هكذا. او ربما كانت أمها التي وضعت صخرة على قلبها وقررت رمي الخطيئة خوفا على ابنتها من غضب المجتمع. مهما تخيلت من سيناريوهات، فالمرأة تتحمل وحدها وزر الخطيئة. 

ربما لا يعرف الرجل عن الامر أصلا. ربما كانت هذه الطفلة نتاج لحظة عابرة في سلسلة الخطايا العابرة. ربما عرف وتنصل من الامر مهددا بأنه لن يعترف ولن يتحمل وسينكر او ربما هدد بفضحها. 

لا اعرف كم يمكن ان تنال المرأة سخطنا، فهي تعيش هذه الخطيئة لوحدها على مدار تسعة أشهر وعشرة أيام من عمر هذه الطفلة، وستعيش لعنة هذه اللحظة الى الابد. 

ربما يكون الموت أفضل من الحياة في حالتها. 

ربما يجسد الرجم اقل العقوبات لمثل هذه المرأة. عقوبة لمرة واحدة وتنتهي منها لعنة ستطاردها وترجمها الى الأبد. 

وربما، أكون كبقيتنا، أعيش وهل اللحظة وأفكر بسذاجة. كم من طفل رمي هكذا؟ من يملأ الملاجئ غير هؤلاء الضحايا من “نطف” دنّستها الخطيئة؟ 

هل الخلل في الأشخاص ام في المنظومة المجتمعية التي لا ترحم ولم تعد تتسع لأفرادها؟ 

كيف لنا ان نقول ان ما جرى لهذه الطفلة مأساوي وظالم ولا مكان لهذه الطفلة في منظومتنا؟ هذه المرأة التي غفلت في لحظة “حب” لعلاقة “ممنوعة” لا مكان لها أصلا في المجتمع الا الاختباء والتخفي بظهور يناسب ما هو مطلوب منها. 

قد يكون خذلها حبيب وثقت به. فكيف لها ان تجهض والاجهاض “حرام”؟ كيف لها ان تعلن حملها وعلاقتها “حرام”؟ كيف لها ان تنجب والمولود “حرام”؟ 

أفكر في موضوع سيداو واحد البنود التي اثارت حفيظة المجتمع وأعلنت سيداو عدوة لدودة للمجتمع. ذلك البند المتعلق بالإجهاض. اسأل نفسي الآن، الم يكن أجدر ان تجهض تلك المرأة حملها المحمول على الخطيئة؟ الم يكن هذا أفضل من رمي الطفلة كما شاهدنا؟ 

سيداو الرذيلة التي نحاربها بفضيلتنا!

لا نزال نعيش في كذبة كبيرة عنوانها ” الاخلاق والقيم”، هل الهجوم ورفض سيداو أنقذ القيم؟ هل قوّمت الاخلاق؟ 

هل ما قامت به هذه المرأة من علاقة ومن تخلي عن طفلة بهذه الطريقة دخيل على المجتمع؟ 

لا نزال نعالج مشاكلنا الحقيقية بمحاربة النتائج بدلا من معالجة أصل المشاكل. 

لا احتاج لأن أقول ان هذه المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن فعلتها. بالنهاية هي انسان عاقل وراشد. في مجتمع يرى الفضيلة والخطيئة بالمرأة بنفس القدر يجب ان تكون هذه المرأة هي المسؤولة الوحيدة. 

لطالما لا يحاسب هذا المجتمع الرجل على افعاله، يجب ان تبقى المرأة هي المسؤول الوحيد عن كل فعل. وهذا ما رأيناه في هذا المشهد القاسي لحياة المرأة في مجتمع لن يرحم. ان ترمي طفلة ولدت للتو على قارعة طريق “الله”. وكأنها ترجع الطفلة الى خالقها ليتحمل عباده في بيته مسؤولية المخلوقات. فهو الوحيد من يغفر لها خطيئتها، وهو الوحيد الذي يتكلفل تلك الخطيئة برحمته.

ربما كان الرجل صاحب النطفة شابا أحب هذه المرأة بالفعل، ولكن لم يوافق اهله، او أهلها. ربما لم تكن من مستواه. ربما ارادت له امه عروسا أخرى. 

ربما كان لذاك الرجل زوجة أخرى وأطفال. فلن يتحمل تدمير حياته العائلية وتشتيت شملها. 

ربما كان ذاك الرجل صائعاً ضائعاً مستهتراً لم تكن هذه علاقته الوحيدة ولم يكن مصير نطفه المعبأة بالخطيئة الا المزيد من أطفال تم رميهم بطرق مشابهة.

ربما كان الفقر والعوز من رمى بهذه الطفلة لرحمة الابرار على باب بيت من بيوت الله. فلقد رأينا كيف ترك والد ابنه المريض بعد سنوات لرحمة القدر. 

هذه المرأة قد تكون سلبت من حقوقها التي تجعل منها امرأة تستطيع ان تقول لا لعلاقة تكون نتيجتها خطيئة. فالجهل المحدق بنا من كل اتجاه لا يجعل من أي امر غريب او عجيب. 

ذاك الرجل قد منحه الشارع والمجتمع ما يمكنه من سلب الحق والدوس على من يريد ويختال بفحولته على الأرض. فما من حسيب ولا رقيب. وفي أسوأ الأحوال يدفع اهله دية فعلته ويستمر في خيلائه. 

والمجتمع الفاضل يتابع من بعيد خلف شاشاته، يلعن ويشتكي ويكره ويحاسب ويطلق الاحكام ويعطي تعليمات القيم والأخلاق. وكأننا والحقيقة “وجه كتاب”. حقيقتنا التي نعيشها ونهرب الى الفيسبوك لنشر ما نتخيله من كل شيء: وجوهنا، اشكالنا، اخلاقنا وفضيلتنا.

One comment

اترك رد