بالعادة اكتب وانشر بلا تردد. أفكر ان حرية التعبير يجب ان تكون بحرية ان نعلن ما نفكر به بلا خوف او تقييد او رعب من هجوم او قتل. هكذا نستطيع ان نبني مجتمعا شاملا حاويا لنا. ولكن في كل مرة تبدو ان حرية التعبير مقتصرة على الحد الذي يفرضه الاتجاه المفروض عليك. يجب ان تنتمي الى جهة فكرية حزبية فصائلية ثقافية دينية مجتمعية سياسية ما. يجب ان تكون مع حزبك ضد الحزب الاخر. هذه هي حريتك.. في مكانك ولمن تقول قوله وتنهج نهجه وتمشي وراء الركب مرددا شعاراته وافكاره. انا كاتبة حرة طالما أتوجه بحد قلمي نحو الآخر “الضد”.
لطالما وقفت في المنتصف ادافع عن فكرة، عن قضية، عن حق. لم أفكر ابدا ان كان صاحب تلك القضية هنا او هناك. عندهم او عندنا. معهم ام معنا. نحن أصحاب قضية نريد ان ندافع عنها. قضية نحتاج ترميمها لتستطيع ان تحملنا. ولكن في كل مرة تتقلص هذه الحرية بالتعبير لنجد أنفسنا امام شمولية نحاربها. فكرة الرأي والرأي الاخر. الاختلاف والخلاف بلا قطع او قطيعة. ما يجب ان يميزنا هو اختلافنا وخلافنا لا اتفاقنا الاعمى. كيف لنا ان نواجه النظام الشمولي الذي نعيش تحته كمواطنين، بينما نمارس الاقصاء والتفرد والرفض للرأي الاخر بنفس طريقة النظام الذي نرفض اساليبه.
اذكر ان دائرة حرية التعبير بالنسبة لي بدأت بالتقلص حتى كدت اغلقها تماما عندما أصبحت مقالاتي السياسية مؤرقة لدرجة صارت حرية النشر تتقلص حتى اثرت عدم الكتابة في أي موقع. حصار يحمل أصحابه شعار الحريات. حرية التعبير بما يريدونه ان يتم التعبير عنه لمصلحتهم فقط.
عند ازمة صالون هدى، تبين ان الحرية المتقلصة دخلت في دائرة اقصائية جديدة. تحت الشعار الأكبر للحرية المطلقة، كان القمع الأكبر لحرية التعبير لما لم يعجب فريق هذه الدائرة. وكأننا محكومون من فريقين: فريق الحكام وفريق المثقفين. وبين الفريقين كل يدفع نحو توجهاته الخاصة: متدين او ملحد، محافظ او منفتح، مصلحة هنا او مصلحة هناك. وشعار الحق في الحرية واحد.
الحق في حرية التعبير لما يناسب الفريق ضد الفريق.
قضية فداء كيوان، والخوف من الكتابة او ابداء الرأي بما هو ليس ضمن مصلحة الفريق: فريق الحرية المطلقة لأتباعه. الحرية بلا حدود. كحرية التعري بالفيلم.
محاصرون نحن بين نهجين يطحنون بنا: كل نهج يدعي ان قيمه هي القيم الفاضلة. والكل يتاجر بالوطن كشعار.
ممثلة تعرت وصك غفرانها “الوطنية”. أناس تعتقل وتقمع وصك غفران النظام “الوطنية”. وطن يباع وينهب وصك غفران باعته ” الوطنية”. نساء تقتل بصك غفران “الوطن المتدين”. حقوق تسلب بصك غفران “الوطن”.
هل لنا ان نبدي الرأي بهذه القضية: لا … لا كبيرة تخرج من كل الاتجاهات تضع القضية في عباءة الوطن الجامع: امرأة وفلسطينية ووطنية. هل هناك صك غفران يمنح لهذه المصطلحات الثلاث؟
من جهة هناك مطالبة بعدم اصدار الحكم واتهام المرأة. ومن جهة أخرى هناك اتجاه واحد يريد اتباعه: لا لإعدام فداء لأنها بريئة وضحية عنصرية ولأنها امرأة ولأنها فلسطينية.
قضية فداء والتي يحق ان تكون قضية رأي عام، بسبب رفض فكرة حكم الإعدام قضية محقة.
ولكن قضية فداء التي صدر عليها حكم قضائي بكونها تاجرة مخدرات قضية أخرى.
فداء ليست متهمة، ولكن محكوم عليها. فنحن لا نرمي عليها التهمة جزافا. قد تكون بريئة وهذا يتطلب المطالبة بفتح ملفات التحقيق وإعادته والطعن في الحكم.
الدفاع عن فداء يكمن في الطعن في خطأ الحكم، لا من منطلق هويتها بكونها امرأة وفلسطينية ووطنية.
كون تجار المخدرات يجولون ويصولون لا يعني عدم محاكمة من يتم الإمساك به من المبتدئين، والصغار، والفلسطينيين، والنساء.
القضية المركزية لي هنا هي قضية التجارة بالمخدرات. هل ندافع عن فداء، حتى لو كانت تاجرة مخدرات؟
هل يحق لها التجارة بالمخدرات لأنها امرأة وفلسطينية وضحية نظام عنصري؟
هناك فرق بين رفع الصوت من اجل المطالبة بإسقاط حكم الإعدام وبين المطالبة بالإفراج عنها كونها فلسطينية وطنية وامرأة بغض النظر عن التهمة وحجمها.