فاتن امل حربي ليست الاستثناء في معاناة المرأة المطلقة

فاتن امل حربي ليست الاستثناء في معاناة المرأة المطلقة

شاهدت الحلقة الأولى والثانية من مسلسل نيللي كريم – فاتن امل حربي- وقررت عدم مشاهدته. 

هذه المرة أستطيع ان اكتب عن مسلسل لم اشاهده بالتأكيد. 

مع نهاية الحلقة الأولى اصابتني غصة اقتربت من ان تحرك ما اغلقته من ذكريات. وبالحلقة الثانية عرفت ان كل لحظة تالية ستقلب عليّ مواجع لا اريد فتحها من جديد. 

يقولون ان النسيان كفيل بجعلنا نستمر بحياتنا على الرغم من أصعب التجارب وأكثرها الماً. ولكن لا. الانسان يقرر ان يتناسى لكي يستطيع ان يكمل حياته. فالاسى لا يمكن ان ينسى. فما بالكم بالقسوة والظلم والقهر الذي ينهال على المرء من كل اتجاه. 

اتابع التعليقات من هنا وهناك. واقترب بحذر ثم ابتعد من جديد. ربما اقتربت نيللي كريم دوما بتمثيل المعاناة كأنها تعيشها، ولكن لا يمكن ان تقترب من ان تعيش المعاناة التي عاشتها امرأة أخرى في ذلك المكان. فلكل امرأة معاناتها التي لا يمكن ان يستطيع احد ان يجسدها. وما تقدمه الدراما مهما اقترب من الحقيقة كما هي، الحقيقة انه بالكاد يقترب مما يجري بالحقيقة.

ما بين علا  وفاتن، تمنيت لو كانت قصة فاتن بالمبالغة التي كانت قصة علا فيها. المتمنّى من الطلاق بإحسان الفراق. 

عند الطلاق تطلق رصاصات المجتمع على المرأة من كل اتجاه. من القناصة ومن الهواة. تصبح مستباحة للجميع. لا استثناء الا القليل. حتى عندما يقترب البعض ليؤازر يقترب بحذر قبل ان يترك في معظم الأحوال من جديد. 

عندما كتبت في ظلال الرجال، سألني أحد الصحفيين بافتتان: من اين لك بهذا الخيال؟ لم اعرف حينها ان كان عليّ ان اعجب بخيالي المتخيل من قبل الصحفي، ولكني ابتسمت متذكرة انني نجحت بجعل “الرواية” متخيلة. 

لا اعرف ان كان هذا المسلسل في صرخته هذه قد يصحي ضمائر الناس في هذا الشهر الفضيل، او ربما يفهم ان الطلاق عندما تقرره امرأة، لا تقرره للخوض في مغامرة. وعندما تتعثر المرأة في رجل كزوج فاتن، فإن ما تعيشه هو الجحيم الحقيقي. جحيم يرمي بشعل لجام لهيبه المجتمع بكل تفاصيله. 

الاهل، الأقارب، الجيران، مارّ الطريق إذا ما اشتم رائحة وهنك. 

المنظومة القضائية والاقتصادية والاجتماعية تتوحد ضدك. 

منذ فيلم فاتن حمامة في اريد حلا (١٩٧٥)  ولا عزاء للسيدات ( ١٩٧٩) حتى فاتن امل حربي (٢٠٢٢) لم يتغير مصير المرأة في مواجهة الطلاق ولم يتغير المجتمع ولم يتغير القضاء.  ربما كلما تكون المرأة اقوى كلما يكون الهجوم عليها اشد. 

او ربما، شدة القسوة تجعل من اضعف النساء أقوياء. 

صحيح ان ابطال القصة هنا هما المرأة والرجل : الخير والشر، المظلوم والظالم، الحق والباطل، الأبيض والأسود. ولكن الحقيقة في الحياة، تحتمل كل ما يعتري هذا التباين من تفاصيل تجعل محاولة النجاة ممكنة. الامل الذي ينبعث كقوة لا يمكن فهمها مع كل بصيص خير، ومدافع عن حق وانسانيّ ، يخرج بالطريق. 

في قضايا كهذه يبدو لمن لم يعش قهر الطلاق ان المرأة تحاول ان تسقط تجربتها وتعممها. او انها تريد ان تجعل من كل الرجال, الرجل الذي تطلقت منه. في غمر هذه الحقائق التي ينغمس فيها الرجل بغضبه فيتحول الى حاقد تضرب ذكورته مكامن إنسانيته التي يدعمها المجتمع، ندرك ان تعثر الحظ يجعل المرأة تقع في رجل كهذا، فليس كل الرجال بالضرورة كهذا النموذج. وبالتأكيد هناك قصص طلاق يكون الرجل فيها هو المظلوم. ولكن الفرق ان المجتمع يحمي الرجل في كل مكوناته. فعندما يقع الرجل يجد منظومة كاملة تحمله. اما عند وقوع المرأة فتنهار كل المنظومة عليها. 

فلا عزاء للسيدات…ولن تجد فاتن حلاّ الا في الاستمرار.

الاستمرار في محاولة النجاة بنفسها وابنائها…. 

اترك رد