من جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة الى جريم اغتيال نزار بنات، هناك حقيقة موجعة مفجعة لا تقل عن فجع الموت. حقيقة ان الحق والقوة تتبدل مكانتهما وفق الوضع المسيطر عليه من قبل صاحب القوة.
كثيرا ما نقف امام لحظات نرى فيها ان الحق قوة. او قوة الحق جامحة لا يمكن ايقافها. كان هذا المشهد في جنازة شيرين. مهما حاول أصحاب القوة كبح جماح الحق فقوته دوما أكبر…. قوته أكبر للحظة موقوتة بكل اسف.
لحظة يقرر فيها صاحب القوة (آلمستبد) ترك متنفس لصاحب الحق…للحظة.
بالأمس كانت هناك دعوة لتأبين نزار عند قبره في الخليل. كنت أفكر ان ذكرى هذه الجريمة النكراء لا بد ان توقظ مشاعرنا الخاملة. ولكن سلطة الاستبداد قررت ان تخمدها بتهديدات لا تقل قسوة وسطوة من ان تطلق سراح المتهمين بقتل نزار وكأنهم يخرجون في مكافأة لما اقترفته أيديهم المأجورة.
ربما لا يهم ان أطلق سراح هؤلاء القتلة، فمن امرهم بالقتل طلقاء. هؤلاء لم يكونوا الا ثلة مأجورين كثرت امثالهم. ولكن عندما يريد نظام الاستبداد ان يبقي نفسه، يحاول ان يظهر اخلاصه لمأجوريه من القتلة.
منذ اغتيال نزار كان حقيقة ان الامر لم يعد كما كان قبله. ظننا ان هذه القوة المستبدة القاتلة سترتدع. ولكن ما حصل هو عكس ذلك تماما. وصلنا الى مرحلة لم يعد هذا النظام المستبد الفاشي بحاجة الى تكميم الافواه. فلقد بسط استبداده وقمعه في كل الارجاء، وصرنا نختار السكوت والانزواء بينما ينهبون ويعيثون في البلاد خرابا ودمارا أكثر.
حالنا كشعب كحالة عائلة نزار….
ظننا ان الظلم لا يمكن ان يدوم.
ظننا ان الحق قوة.
ظننا ان العدالة لا بد ان تكون هي القانون
ظننا ان العالم يدار بالنهاية بمنظومة عدل وقوانين وحقوق ترعى الانسان مهم كثر الظلم.
ولكننا كعائلة نزار لا يمكن لنا ان نقوى مهما قوي حقنا على هذا الكم من الظلم الذي يفرز الجرائم باعتيادية وبلا حساب ولا حسبان.
ففي الذكرى السنوية الأولى لاغتيال نزار، كافأ الاتحاد الأوروبي السلطة على جرائمها ودفع لها مستحقات الذل واللجم والسيطرة برسالة اعتبرتها السلطة استحقاقا لبطشها على الشعب. وكأنهم يقولون لنا: ها هي أوروبا معنا.. مع القوة.. مع الاستبداد. مع البطش.. مع الفساد.. مع المحاباة. مع الظلم.. مع قتلكم كيفما شئنا ومتى.
في المقابل ما كان من عائلة نزار الا الإعلان عن الغاء الفعالية بمسؤولية تفتقدها السلطة المستبدة. ففي هذا الشعب الذي يعيش حالة عزلة ورعب مما هو قادم، يقول المواطن النزيه بحقن الدماء التي قد تريقها السلطة. فكان اعلان عائلة نزار: الغيت الفعالية حتى لا يرتبط هذا التاريخ بمزيد من إراقة الدماء الفلسطينية.”
على الرغم من ذلك، خاطر العشرات وربما المئات من المواطنين الشرفاء بحياتهم وحضروا ليكونوا مع عائلة نزار في هذا اليوم الأسود من تاريخنا كشعب.
مبكي الوضع ومدمي بكل ما تحمله الكلمات من مشاعر قهر واسى. قتل نزار اسكتنا وأرعبنا واخرس حناجرنا …ارتاح نزار بارتقاء روحه لمكان أفضل من هذا العالم الذي لا يتسع للإنسانية الشريفة. بقي صوته وستبقى صورته تذكرة لنا بإخماد ستارة لمشهد كنا نتوسل فيه خيرا لنا كشعب على الرغم من قتامة الامر. ولكن عبثا محاولاتنا…. فالقوة هي الحق.
قوة الاستبداد
قوة الظلم
قوة الفساد
قوة القمع
قوة القهر
قوة الظالم المستبد المجرم هي الحق.
حق المستبد بالاستبداد
حق التطويع والتركيع
حق القتل والقمع والاعتقال.
واختم بفقرة تغني عن الكلام لعبد الرحمن الكواكبي من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، فما يجري بإخفاق العدالة وترويع الناس في جريمة اغتيال نزار يصب في هذه العبارات:
“الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش المتمجّدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة, وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً، ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة. تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول ((يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور، وليكن وردكم: اللهم انصر سلطاننا، وآمنّا في أوطاننا، واكشف عنّا البلاء، أنت حسبنا ونعم الوكيل.
ياسيدة نادية، ياسيدة ألكلمة. أقول لك ، لكل ظالم نهاية، وسنشهد جميعا، نهاية هذا ألدخيل على فلسطين وعصابته، والتىستكون حديث ألشعب لأجيال وأجيال. إن ألله مع ألصابرين.