هل لنا ان نقول ان المخدرات هي مشعل فتيل كوارثنا، وسط هتك منظومة الاخلاق؟
من اين ابدأ؟
ذبح نيرة أشرف؟ ام قتل ايمان ارشيد؟ ام اغتصاب فاطمة فؤاد؟
هل الامر متعلق بالعنف ضد النساء تحديداً؟
إذا ما اضفت قتل رنين السلعوس ولبنى منصور، أستطيع ان اثبت ان الامر متعلق بذكورية المجتمع الذي يسهل عليه قتل المرأة لأن القوانين تحميه. فأكبر عقاب يلاقيه دفع دية وفنجان قهوة، او حكم مخفف يقضيه بحجج سهلة خارج السجن.
ولكن هناك جريمة قتل عروب حبيب الله وعشرات الجرائم ان لم تكن المئات لضحايا الدهس التي لا يميز فيها القاتل ضحيته ان كانت انثى ام ذكر.
سلسلة طويلة من أسماء الضحايا، أسماء نسيناها وبقي الجناة احياء. قبل سنة كانت الضحية صابرين زوجة والقاتل زوج مدمن مخدرات في رام الله. في جنين قتل شاب والدته بعد ان سلبته المخدرات عقله.
قاتل عروب كان تحت تأثير المخدرات.
قاتل نيرة كان تحت تأثير المخدرات.
قاتل ايمان قتل نفسه ولن نستبعد انه كان تحت تأثير مخدرات.
“حفلة” اغتصاب فاطمة فؤاد كانت كلها تحت رعاية المخدرات.
قبل البدء يجب التأكيد ان لا تبرير ابدا لاي جريمة. فهناك حد فاصل بين الجاني والضحية. ولكن في بعض الأحيان، تقع مسؤولية لا تغير من كون الضحية ضحية. وشتان بين مسؤولية ترمى على الضحية جزافا وتكبرا وظلما كالقول في لباسها وعدم الاستجابة والتحمل الى اخره من مسؤوليات تخضع بفعل الظلم والاستضعاف او الاستقواء وثقافة التطويع والطاعة على المرأة، وبين مسؤولية تكون المرأة فيها جزء من فعل عام يودي الى جريمة يتشارك أطرافها بتعاطي المخدرات والمسكرات والسموم.
فاطمة فؤاد روت قصة مروعة عن اغتصابها ليلة رأس السنة قبل أعوام قليلة. يبدو ان ذاكرتها لتلك الليلة احتاجت للكثير من الوقت حتى تستدرك احداثها ووضعها في مكان متماسك واحد في بيان تقشعر له الابدان. لا اعرف ان كنت سأحيي فاطمة على جرأتها في هذه المكاشفة الكارثية التي قد تبدو عادية لبعض أطراف المجتمع الذي يعيش افراده او مرتاديه على الحفلات والمسكرات والسموم والمخدرات والاباحة برعاية الفن والثقافة. ولكن مع تقديري لجرأتها على مقدرتها على كتابة هذه القصة المؤلمة والموجعة والخادشة، لا أستطيع الا التفكير بأمر واحد: هذه نتيجة المخدرات.
المخدرات تجعل من الجاني والضحية متساويان. فلا الجاني بعقله ولا الضحية بعقلها. وهنا أتكلم عن ضحايا المخدرات من الطرفين الرجل والمرأة، الجاني والضحية. ولا تقتصر الضحايا على الاناث دون الذكور. فالعنف المتربص امام بيوتنا، في شوارعنا، وفي منازلنا، لا يميز بين الجنسين. على العكس، فالضحايا من الذكور يفوق اعدادها. وفي معظم الأحوال تتعدد الأسباب، ولكن المسبب واحد: المخدرات وما يتضمنها من مسكرات وغيرها من سموم.
في قضية فاطمة، الجاني رجل وامرأة، والضحية امرأة. فالاغتصاب الذي تحدثت عنه تم من قبل رجل وامرأة (فنان فلسطيني وفنانة مصرية). قد يكون الامر صعب التصديق وبعيدا عن الحقيقة لمن لا يعرف معنى الحفلات والمخدرات. تروي الامر وكأننا نشاهد فيلما اجنبيا. حتى اللحظة لا نريد ان نقرن هذا النوع من الحياة مع المجتمع العربي. فنحن كالنعامات نصر على غرز رؤوسنا وكشف مؤخراتنا. ولا يبدو ما وصفته فاطمة من ليالي مقتصر على “الحمرا” فقط. فعلى مقربة منا بين رام الله وحيفا تبدو هذه الحفلات كمحطات تشتعل فيها حمى “الثقافة والفنون”.
في قضية فاطمة، يبدو أحد الجناة فنانا فلسطينيا، ابتسمت ابتسامة سوداء عندما قرأت تعليقات النسويات المطالبات بتصديق المرأة – الناجية ـ دوما، فكون الجاني المتحرش او المغتصب فلسطينيا لا يشفع له. تذكرت الدفاع عن فداء كيوان المحكومة بالإعدام بسبب تجارتها للمخدرات في الامارات، والشعارات التي رفعت من اجل تبرئتها لكونها امرأة فلسطينية وطنية.
مضحك مؤسف وضع المعايير في هذا الصدد. او بالأحرى هزلي وضع الشعارات المنافقة التي تكيل بمكيالين هنا.
وكأن النسوية موجودة لحماية المرأة فقط.. ظالمة ومظلومة. جانية او ضحية. تاجرة مخدرات او ضحية مخدرات. كونها امرأة يجعل من تجارتها للمخدرات حربا ضد النيو ليبرالية، والأنظمة القمعية، والاستبداد، والذكورية.
وبمجرد انها روت القصة يجعلها صاحبة الحقيقة الفاضلة مهما امتلأت تلك الحقيقة بالرذيلة.
كم كانت فاطمة بريئة من المسؤولية بكل ما وصفته من احداث. لو لم تكن فاطمة تحت تأثير السكر والمخدر هل كانت ستقدر على تجنب ما جرى؟
لم يكن الامر متعلقا بملابس- محجبة وغير محجبة الى اخره. فمنذ اللحظة الأولى كانت فاطمة تحت تأثير المسكرات، في وضع يبدو ان الويسكي كان اقل القبائح. حبوب وكوكايين. ان تفرض عليها الفنانة المغتصِبة لها الحبة واقحامها في فمها وتقبيلها لبلعها لا يجردها من المسؤولية. كل ما تعرضت له كان من قبل اشخاص مثلها مسلوبي الإرادة، الا من تلك التي اقحمتها بعقولهم المخدرات (فالجانية قالت لها-كما هو مكتوب- انها كانت تستطيع ان تخرج الحبة ولا تبلعها لو ارادت) (والجاني أخبرها انه كان تحت تأثير الكوكايين ولا يتذكر تفاصيل ما جرى، وكان منه لها الاعتذار).
ان تكوني ضحية لا يعفيك من المسؤولية.
وهنا تختلط القضايا من جديد. الضحية التي لا ذنب لها. والضحية التي يقع على عاتقها مسؤولية.
فلا يمكن ان اضع نيرة وايمان وعروب في نفس المكان مع فاطمة. الحيثيات كلها مختلفة الا من كون القاتل او المغتصب او المتحرش رجلا. هنا أيضا، المغتصب\المتحرش امرأة كذلك.
الضحايا مثل نيرة وايمان وعروب كانوا في أماكن عامة” جامعة، شارع، في وضح النهار. لم تكن أي منهن تحت تأثير مخدرات. كن يظن ان ذلك اليوم قد حمل لهن يوما اخر جديد.
الضحايا مثل فاطمة، كن وسط جو تصبح الجريمة فيه هي المتوقع. ان تمر تلك الليالي بدون كوارث هو الامر الاستثنائي.
المخدرات جعلت من فاطمة ومغتصبيها تحت وبال حادثة كانت هي الخاسر الأكبر فيها، ولكنها لم تكن بريئة لمجرد كونها الضحية. فلأفراد هذه القصة تبرير بديهي: كنا تحت تأثير المخدرات مثلك تماما.
شاهدنا قبل أسابيع قليلة محاكمة جوني ديب وامبر هيرد، وان كان هناك درسا عاما في هذه القضية بالإضافة الى ان المرأة ليست دائما ضحية وأنها تحت شعار “صدقوا المرأة” و”انا أيضا” قد تظلم وتكذب وتخدع. ان المخدرات سيئة وتهين المرأة والرجل من متعاطيها. فشاهدنا كيف تفقد المخدرات قيمة الانسان وتسلبه ارادته وتضعه دوما على حافة هاوية محدقة.
قضية فاطمة فؤاد لا تختلف كثيرا هنا، عن قضايا تفقد تعاطفنا، وتضع البعض منا تحت طائلة الاتهامات بعدم التعاطف ومساندة الجناة وغيرها من المصطلحات الكبيرة التي تركز على كلمات بعينها: ناجيات، ضحايا، جسدي حقي، انا أيضا، لا يعني لا، وغيرها من المصطلحات المهمة والحقيقية والتي تحتاجها النساء دوما للوقوف امام حقوقهن.
ولكن الحق لا يأتي مع ادمان المخدرات.
لا أستطيع ان أقف مع امرأة تتعاطى المخدرات وخانها جسدها وصحبتها واستيقظت على آلام ما خسرته وسط ليلة كان كل من فيها تحت وطأة تعاطي المخدرات… إذا ما نجت وبقيت على قيد الحياة.
هناك ضحايا حقيقيون يقعون فريسة مدمني المخدرات.
كم من امرأة تعرضت للقتل والاغتصاب من قبل معتوه او مدمن.
مؤسف كيف تدور غلال دعاة الثقافة والفنون بقيود المخدرات مؤخرا. تكاد لا تخرج المخدرات من دائرة الحفلات والشخوص من فنانين في الفضائح الأخيرة… ثم يخرج علينا المدافعين تحت حرية التعبير والتقدمية واسقاط الشعارات التي تتهم المجتمع بالرجعية والتخلف.
تدمرت رؤية ورسالة الفن والثقافة الحقيقية وتشوهت، تحت الوية المدمنين الملطخة بالسموم والهذيان والاباحة.
لا حرية تحت المخدرات.
الحرية التي يرفع شعارها نشوة المخدرات ليست الا كارثة يتسع مداها ليال المجتمع بأسره.
كارثة، وصفتها فاطمة ببيانها الجريء.
كارثة تؤكد اننا نتلوى في سقيم جهنمي، لا اخلاق تردع، ولا قيم نقوم عليها. مخدرات توهم بالإبداع والحريات. وضحايا تتهاوى لتلتهمها نيران ضياع شعب ضاعت اخلاقه…. فصارت المخدرات دواء شبابه وداءه.
آسف، والله لم أصدق ما قرأت!!! ألهذا الحد وصلت مجتمعاتنا ألعربية؟ ما ألذى يجرى؟ هل هى علامات ألساعة؟!!!