سبيل الغارق… غرق في سبيل جفت مياهه 

س

رواية ريم بسيوني التالية لثلاثية المماليك -أولاد الناس كانت سبيل الغارق- الطريق والبحر. 

كنت قد وصفت قراءتي لثلاثية المماليك كمن يغوص في أعماق البحر ويخرج. لم انتبه الى ان سبيل الغارق تحمل في عنوانه الغرق بعد غوص او خلاله لا يهم. غرق في يابسة!

غرقت في هذه الرواية ولم اخرج.  غرفنا وريم بسيوني الكثير من المياه ولم تدرك هذه القراءة الظمأ، ولا اظن كان فيها شاطئ يرتمي عليه القارئ بعد هذا الغوص الغارق.

منذ الوهلة الأولى تخيلت مسلسلا مصريا امامي، لأول وهلة تخيلت البطل – حسن ـ لهيئة احمد زكي، ولكن سرعان ما استقر البطل في أحسن احواله على محمد رمضان. 

عندي ازمة مع شخصيات ريم بسيوني النسائية منها، والرجال كذلك. على الرغم من حضور المرأة بقوة في تركيب الشخصيات، ولكني في كل مرة أجدني متوقفة باستياء امام شخصيات تغلبها التصرفات الجنسية التي تصلح لرواية ٥٠ طبقة من الرمادي. لا اعرف لم الحاجة لهذا العنف الجنسي المكتوم في هذه الشخصيات، ولماذا يجب ان تكون العلاقة دائما تحت هذا الكم من الطبقية التي تجعل الهوة بين الشخصيات شاسعة تحتاج الى تكسير “جنسي الطابع” قبل ترميمها تماما. امرأة تكون قوية جدا دائما، امام رجل مسكين او متمسكن يتحول الى فحل في الفراش فتنهار دفاعات المرأة ويأخذ هو بلملمتها وتصبح له! لا اعرف لماذا يجب ان يرتبط مفهوم الحب والفراش في مكان واحد. كأن يعبر البطل دوما عن عشقه في الفراش فقط. هل العشق والجنس يعكسان نفس المضمون؟ 

في هذه الرواية تداخلت كل الخيالات، وانتهت بي الرواية في اغراقاتها الى اغنيتين لعبد الحليم حافظ: قارئة الفنجان واني أغرق تحت الماء. 

الحقيقة ان القراءة كانت مؤلمة هذه المرة، فقراءة لرواية اشبه احداثها بمسلسل تلفزيوني بطله محمد رمضان، يتم ادخال كل ما يلزم لابقاء البطل هو البطل امام المشاهد على حساب المنطق والادب والخيال نفسه وباقي الشخصيات. 

تعبت بالفعل اثناء القراءة، ولكني اتممتها، فهناك ما يشد بالكتابة نفسها، وهو اجتهاد الكاتبة والمامها بمعلومات ممتع جدا قراءتها ومعرفتها. وهنا اخذتنا بين عالم المماليك وعالم الشاطر حسن، فتداخل التاريخ بالأساطير، وانتهينا الى مسلسل تركي. 

تذكرت المسلسل التركي المحافظ الذي أذيع على نتفلكس لعدة مواسم. فكرة حمل الانسان في هذه اللحظة من الزمن ما تحملته روح انسان سبقه. وما يرافق هذه الحكايات من رحلات تسبر الأعماق الداخلية للإنسان في حياته الانية والسابقة لحيوات من ازمنة أخرى. 

تعجبني هذه الأفكار، وتخترق مكامن وجداني بالعادة. لكل من يتفكر منا بأمر مآل الروح بعد فناء الجسد. بين فكر صوفي وغيره من الافكار والتعاليم التي ترجح انتقال الروح عبر الأزمنة لتعيش ما فاتها او تعوضه او تدفع الثمن. ولكن في هذه الرواية وقعت الكاتبة برأيي ببعض المطبات في الحبكة نفسها التي كسرت ترابط النص وسط اغراق كبير جدا بالتفاصيل. بين تفاصيل وخلجات روحانية تكسر النص أحيانا. 

بداية، كان مقبولا وممتعا اخذنا في سياق تاريخي ذات ٣ مراحل، قرأت بمتعة وفضول. ورافقتني قصة الشاطر حسن التي بدأت بها الرواية وحطت بنا عند حسن بطل الرواية. ولكن في غمر الاحداث كان هناك استخفاف بالعقول عن محاولة الفهم، وهنا صار يتمثل لي محمد رمضان كبطل، فكان امامنا الأسطورة وموسى والمشوار. استعراض وفتونة وطبقة مسحوقة علت، ابن جارية يصير سيدا وصاحب الفيلا الى اخره. ثراء فاحش وافلاس. تبرير للتهريب والقناة والوطنية والإنجليز والأتراك ومصر للمصريين. حبكة تلائم البطل المصنوع ليبقى بطلا، حتى لو غاب المنطق. يبقى البطل عنوان الاخلاق والعفة والجرأة حتى لو كانت تصرفاته غير أخلاقية، بعيدة عن العفة غادرة، مليئة بالحقد. على الرغم من مرور شخصيات هامة بالرواية، محمد عبده، عرابي، وسعد زغلول. الا ان كل ما في الرواية ذلل من اجل “حسن”. حسن بن الجارية الامي الجاهل القاتل بدم بارد المهرب والمتعدي على الحقوق والغادر…. ولكن كل هذا لا يهم.. لأن جليلة احبته حتى ولو كان الخادم المطيع الذليل الذي خدعها واستضعفها وتزوجها عنوة. وفي لمح البصر تبين ان والدها كتب كل املاكه باسمه!

وكأن الصبر والطريق في سبيل الغارق وتعاليم الغزالي التي تشبه رحلة الخضر مع موسى عليهما السلام. فعلينا كقراء الا نستعجل استعجال موسى بالفهم، ولا علينا نقاش ما يبدو على ما هو غيره…. ولم اعرف ابدا ما هي الحكمة من أي شيء.

ذكر اليهود بالرواية مر في موقعين لم افهم الحاجة لهم بالنص. ذكرني ذلك أيضا بمسلسل حارة اليهود. 

الكثير من التساؤلات اعترت تفكيري خلال هذه القراءة.

عند البداية التي امتلأت بالتشويق بالنسبة لي وسبرت بها بأريحية، شعرت أني وضعت يدي على اشكاليتي مع بناء الشخصيات لدى ريم بسيوني، فمن يرى في الغزالي متصوفا لا بد ان تكون شخصياته هكذا في أحسن احوالها. 

وهنا، على الرغم من اشكاليتي الكبيرة جدا بهذا الصدد، الا انني استمريت في القراءة، وفكرت ان ما يجري بهذه الرواية من خلجات روحية أقرب الى ما قدمته اليف شافاك في قواعد العشق الأربعين، ولكن شتان بين عشق الرومي وشمس الدين وخلوتهما، وبين الغزالي وتصوفه. لا اعرف ان كان العشق كمصطلح يمكن وضعه الى جانب الغزالي. ولكن تمر التعاليم الصوفية من خلال الغزالي من اول الرواية الى اخرها، حتى صارت الرواية في لحظات وكأنها باولو كويلو في الكيميائي. 

اتعبتني هذه الرواية لدرجة انني حلمت بها. فكرت، ان كنت قد حلمت بها ورأيت سبيل الغارق وحسن وجليلة والشيخ الزمزمي فلا بد ان هناك ما هو محمود. 

ولكن شتان بين صوفية الغزالي المدعاة وصوفية الحلاج وابن عطاء السكندري والنفري واخوان الصفا. 

من ابجديات معرفة الغزالي ان الصوفية لم تقبله ابدا، عاش وكتب محاولا ان يقبل كصوفي ولم يقبل ابدا… فلا يمكن ان تفقه الشريعة واحكامها وتتصوف… ليس لأن الامرين لا يلتقيان، ولكن لأن الصوفية تعنى بالروح والشريعة تعنى بالجسد. ومحاولة تهذيب الجسد شرعيا ثم تنقيته لاستقبال الروح بالطريقة الصوفية لا يستقيمان بطريقة الغزالي. لهذا سبب وجيه!!!!

ربما كانت توقعاتي أكبر. 

كانت توقعاتي أكبر في بناء الشخصيات، فبين ان تبدأ الشخصية برأسي في احمد زكي وتنتهي بمحمد رمضان فرق. 

وبين ان انتظر الربط مع ما كان من احداث تاريخية تحملنا الى اليوم، او الى وقت قريب، وبين ان أرى زج اخر فهناك كذلك اشكال. أي انني توقعت من شخصية حسن ان تتحول الي جمال عبد الناصر مثلا. ولكن بدلا من ذلك كان هناك تلميذ الشيخ محمد عبده اليهودي الذي لم افهم أي سبب لهذه المعلومة. 

وأخيرا، يكمن الإحباط الواضح في بناء درامي رومانسي على أفكار الغزالي في الخلوة والزهد. فكيف لصاحب احياء علوم الدين التي وضعت من اجل تنظيم كل ما خرج من أي صندوق وتغليفه وسط تعاليم الغزالي ليكون ما يقوله الحق والحقيقة ان يكون الصوفي الزاهد؟

كيف لمن وضع المرأة في مرتبة الماعز والجواري والخدم ان يقدم لنا نصائح في طرق الزهد والتعبد، وسبيله متفرد في استعلاء ويقين يحط من المرأة وقدرها ولا يراها الا بمرتبة العبودية. وهو الذي اعتبر ان الزواج نوع من العبودية. 

وهذا ما رأيناه في شخصية حسن، كيف تحول بلحظة من ابن جارية الى زوج وصار يأمر وينهى، كان عليه الامر وعليها الطاعة. وهي كانت قبل لحظة السيدة وهو الخادم. 

اغرقتني هذه الرواية في سبيل جفت مياهه…

اترك رد