تخطى إلى المحتوى

وقلعة أخرى تتهاوى: الثقافة والغاء عرض آخر

حرك بيان شجب نشرته مؤسسة القطان بسبب الغاء حفل كان مزمع عرضه اليوم، بعض الركود في شراييننا المتصلبة. فنحن نعيش في حالة شلل تام. نتلقى الخبطات من كل اتجاه ويبدو ان عقلنا وضع نفسه في خاصية التجمد، لعله يحافظ على ما تبقى له من إمكانيات نجاة عندما تسنح الفرصة. 

ان كنا نعول على شيء وسط الهتك الذي يطال الجسد الفلسطيني في كافة أعضائه الحيوية، فربما كانت الثقافة المعقل الأخير، بعد التعليم. ولقد رأينا ما حل بالتعليم بانهيار حقيقي للنظام التعليمي برمته، والتوجيهي الذي طالما كان توجيعيا وتعجيزيا، اظهر عجزه وعجز لدرجة الخرف. فلا نفهم الفاهم من الحافظ، كيف حسبت العلامات وما جرى خلال الامتحانات من تسريب واختراق وغش، وما جرى من خلافات وحرد اثناء التصحيح. رئيس وزراء يعلن النتائج، ووزير تعليم لا أثر له. 

والثقافة حالها حال التعليم. اهي الحكومة، وبالتالي الوزراء؟ ام انها منظومة منهارة تنهار على أصحابها وعلينا تباعا؟ 

الثقافة، تلك الحلقة التي تدور حول المجتمع بكافة اطيافه وتدر عليه بما يخفف وما يثقل على حسب الحاجة.  تلك الحلقة التي تدور في رقصة صوفية احياناً، وفي دبكة شعبية أحيانا، وفي دحية ان اقتضى الامر وفي صوت شجي جبلي او اوبرالي. 

تلك الحلقة التي تشغل عقولنا بكتاب نافع ربما، وبمناسبة تشجي النفوس أحيانا، وبمعرض هنا وبأمسية هناك. دائرة تدور بدوران المجتمعات تغزل نسيجها لتشكل لوحة مجتمعية تمثلنا. 

ما الذي يمثل ثقافتنا اليوم؟ 

اين وزارة الثقافة مما يجري؟ ما هو دورها؟ 

من ناحية، يجب الا تفرض قوانين وضوابط للإبداع، ولكن هذا يتطلب التزاما فرديا قبل ان يتحول الى التزام مجتمع ومؤسسة. من الذي يحدد المعايير لما هو ملزم وملتزم؟ هل يقدم جودي أبو عيشة فنا مقبولا للوزارة والشرطة والحكومة، بينما يفتقد القبول الفنان جوان صفدي كما حدث اليوم بمنعه من العرض. هذا ليس المنع الأول، فلقد تم منع روض في بيت لحم وبيت ساحور قبل أسابيع لنفس الأسباب. 

رسالة جوان محزنة ومرعبة، ولكنها تستوجب طرح الأسئلة المهمة: 

” من هم أصحاب التحذيرات والتهديدات؟ وكيف تدعي الشرطة عجزها عن توفير الحماية للفنان والجمهور واصرارها على الإلغاء؟ 

لمن يتجه المواطن لطلب الحماية؟ 

الحقيقة انه لم يعد هناك حاجة، فحتى لو استطاعت الشرطة التدخل لا يستطيع المواطن ان يحتمي بالقانون لأن لا سيادة للقانون ولا القضاء. 

وهنا، ولأن لا سيادة الا لمن له يد البطش العليا على الامر، ولأن المواطن لا يستطيع حماية نفسه الا إذا ما استطاع توفير الحماية من قبل البلطجية والعصابات المسلحة والمنظمة، فالأفضل هو امتناع المواطن ممارسة دوره في بناء هذا المجتمع. 

لنفرط حلقات هذه الدائرة المسماة ثقافة ونتوقف عن الادعاء بوجودها واهميتها حتى يستطيع الانسان ان يأمن حياته. 

مع الأسف، ان المشهد الثقافي يشبه باقي المشاهد. 

فلو وقف المثقف ومن يمثله من نقابات ومؤسسات ونوادي وروابط بعد حادثة الاعتداء على مسرح عشتار الأخيرة وأعلن بالفعل توقف الاعمال الثقافية في فلسطين حتى اشعار اخر، لما تم التعدي بهذه الطريقة السافرة. 

يقال عادة اكلت يوم اكل الثور الأبيض. مشكلة المؤسسات الثقافية في هذا البلد، هي مشكلة اهل البلد. فكل واحد منا يفكر انه امن طالما له اتصال ما بجهة سلطوية ما ولطالما اموره لا تعطل، لا يوجد تكاتف حقيقي. ولا يوجد ترابط حقيقي. ولا يوجد من هو مستعد ان يرى ويتأكد ان مشكلة زميله اليوم ستكون مشكلته غدا. 

فمنذ الاعتداء على عشتار لم تتوقف الإعلانات عن العروض المختلفة. فالتعدي على فنان يلبس الوانا لم تعجب أحدهم، لن يحمي من التزم بالألوان المطلوبة على حسب المزاج الموجود، ولن يحمي الهجوم على مغني، ذلك الذي يعزف، ولن يحمي الهجوم على الرافض ذلك الذي يؤدي الدبكة. ولن يحمي الهجوم على مغني البوب ذلك الذي ينشد او يؤدي الدحية..

والهجوم على اهل الموسيقى لن يحمي اهل الرسم. ولن يحمي كذلك معشر الكتاب والشعراء. ولن يحمي بالتأكيد اهل التمثيل وبين أفلام ومسرحيات. 

فالاضطهاد يطالنا من كل جانب، منع ناي البرغوثي من دخول مصر وإلغاء حفلتها بدار الاوبرا لا يختلف. فلطالما نلبي الدعوات ولا نتوقف عند المؤازرة الحقيقية عند وقوع الظلم، فالحبل عالجرار…فمن منع ناي اليوم هو نفسه من منع علي من قبل، فلطالما يمنعونا ونستمر بالاستجداء والتوسل والركض في تلبية الدعوات سيستمر الجميع بسحقنا اكثر. فاليوم ناي وغدا غيرها بالتأكيد. 

لطالما كل واحد فينا يمشي ظانا ان حزبه، او فريقه، او جمعيته، او مؤسسته بأمان من هذا البطش. من أي بطش يطال مواطن اخر يرعبه ويذعره ويهدد امنه وامانه. سنبقى في هذه الدائرة الغاشمة لنيران ستطالنا جميعا. 

وبدلا من الشجب والاستنكار والمطالبة، ربما حان الوقت فعليا بأن تتوقف كل المؤسسات العاملة في قطاع الثقافة عن تقديم أي خدمات وعروض حتى يعم الامن حياتنا. 

أقول هذا واعرف، ان المؤسسات لن تلغي او تؤجل أي عرض بحجج كثيرة ستكون منطقية بالتأكيد. ولكن ان غلب المنطق امن الانسان فلا بصيرة لهذا المتمنطق. 

وختاماً أشارك ما كتبه الفنان جوان صفدي الذي تم منع عرضه:” ان منع العرض لا يمنع الكلمة من ان تصل. ولكن مبدئيا، لا يوجد أي سبب يجعلنا نكمل تقديم فن …. في بلد لا يتم المحاسبة فيها على العنف والتحريض وتخريب الساحة الثقافية وترهيب الفنانين واستباحة أجساد واعراض وكرامات الناس.الفن إذا استمر عادي في هذه الحالة، سيكون ماشي الحيط الحيط لا يقدم ولا يؤخر، ترفيه وتطبيل وبزنس رخيص.” س. 

هل ستتخذ المؤسسات الثقافية والمثقفين موقفا حقيقيا وتنضم ربما الى نقابة المحامين ومن يحاول التوقف والتصدي لهذه العجلة التي تدور علينا فتدمرنا وتسحقنا تباعا؟ 

ام سنؤكل كما اكل الثور الأبيض؟

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading