الاندلس من الفتح الى السقوط بين كتابين وواقع معاش 

د. السيد عبد العزيز سالم (١٩٢٨-٢٠٠٩): كتاب تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبةا

د. راغب السرجاني : الاندلس من الفتح الى السقوط 

كالعادة لا اعرف ما الذي يوقعني في كتاب دون غيره، ولكني هذه المرة كنت أفتش عن شيء لم اضع أصبعي عليه بعد. كنت في المنزلة ما بين المنزلتين كما في عرف المعتزلة. فهناك ما يجري ترتيبه في رأسي لم يختمر بعد لعمل ادبي اكتبه. وهناك ما يجري على الساحة المحتدمة من أمور ومتغيرات محلية وإقليمية تجعل هذا الشق من التاريخ اكثر حضورا ليومنا هذا.

منذ وعيي للفرق بين الدراسات الاستشراقية والاسرائيليات وللدراسات الشرقية والإسلامية، انتبه جدا لما اقرأ ومن اقرأ. 

وفي كل مرة اغوص في مكان معرفي جديد اشعر وكأني بدأت للتو. وكأني اتية من عالم مظلم تائهة وسط بذور لنور متفرق لا اعرف عنه شيء. وكما كل مرة تبدأ رحلتي من موقع ظننته واضحاَ الى مكان لا اعرف عنه شيئاَ الا جهلي المطلق، اعود ادراجي الى سنوات المدرسة وأفكر كم ظلمنا بتعليمنا. كم جُهّلنا. 

اذكر عندما ذهبت الى الجامعة وكانت الكتب المقررة للقراءة تتكلم عن زمن لا يشبه الزمن الذي خط منه عقلي بداية الزمن. فكنت مقتنعة ان تاريخ العالم الحضاري بدأ بعد الجاهلية من معركة بدر. كم بدوت جاهلة وحمقاء عندما تيقنت ان العالم لم يكن جاهليا بمعنى انه لم يكن هناك شيء من الحضارة والعلم قبل الإسلام. كنت بالفعل أفكر ان بدر اولى المعارك واحد أمها وحنين التي خسرناها بعد ان اعجبتنا كثرتنا، ومنها كان العالم يشتعل نوراً بعلوم الإسلام. 

في هذا الكتاب تعلمت أمراً آخر، والحقيقة ان جهلي لم يكن محدقا تماما كجهلي بما كان قبل الجاهلية. احمل معي ما اخذناه في المدرسة: الخلفاء الراشدين والامويين والعباسيين ومن ثم العثمانيين. صعود كل خلافة وسقوطها. كل زمن كان مرتبطا بتاريخ واسم. فانتهت الخلافة الراشدة بمقتل علي بن ابي طالب ليكون معاوية بن ابي سفيان اول الخلفاء الامويين، وانتهت الخلافة الاموية ببدء الخلافة العباسية بأبي عباس السفاح وانتهت الى الخلافة العثمانية بعد المستعصم ربما. 

كل خلافة كان لها سنوات حكم معروفة. 

كل هذه المعلومات التي كدست في عقولنا وفي الحقيقة تبدو وكأنها بالفعل كالنقش على الحجر. ولكن كيف كانت الخلافة الاموية في الأندلس ولقد انتهت الخلافة الاموية في دمشق الى العباسية في الكوفة ومن ثم البصرة وبغداد؟

كيف حكم العرب الاندلس (شبه الجزيرة الايبيرية) أكثر من ال٨٠٠ سنة وفترة الخلافة الاموية لم تدم المئة عام؟ 

كانت هذه الأسئلة قد اجيب عليها عندما تعلمت مع مرور الأيام ان الإسلام بحكم خلفائه لم يكن مجرد فقرة في فصل او فصول كتاب تاريخ ندرسه يمجد فيه العرب والمسلمون وتاريخهم وتقتطع المعلومات منه لتناسب ما يراد لنا معرفته بقياس الوجهة المخطط لنا اتباعها. 

لطالما فكرت اننا خدعنا عندما تعلمنا تاريخ العرب والمسلمين بطريقة جعلت كل شيء يبدو مثاليا. كنا اهل سلم وكان الاخرون دوما الكفار. كنا الفاتحين امام وضد الغزاة. كنا اهل علم امام اهل الجهل، وكنا اهل سلام وحقن دماء امام القتلة والسفاحين.

كان قتل الاخرين يبدو عاديا، وقتل من هو منا هو الاجرام. كان غزونا هو فتح، بينما دفاع الاخرين هو كفر وعدوان. 

دخل في رؤوسنا التاريخ بالمدارس وتوطن بالمسلسلات والأفلام، من الرسالة الى صلاح الدين الى القادسية الى ملوك الطوائف وتحول التاريخ الى فنتازيا تاريخية يجسدها نجدت انزور بالدراما السورية حتى صارت الخلافة تجهز بحريم السلطان ويعلن الولاء بين ارطغرول وعثمان. 

فتحول التاريخ الى فنتازيا يرتبط شخوصها بالممثلين واحداثها متعلقة بحريم السلطان واغراء النساء ومكر الحجّاب. 

اخذني بعض الوقت لفهم ان الخلافة الاموية لم تنته سنة (٧٥٠ م أي ١٣٢ ه) الى الابد، فما انتهي سنة (٧٥٠ م )على يد أبو العباس السفاح وكان حقبة أولى بدأت بمعاوية بن ابي سفيان وانتهت بمروان الثاني بن محمد (أبو عبد الملك او أبو عبد الله)، ليبدأ من بعدها عصر أموي ثاني وثالث وهو عصر الاندلس. فابتدأ عصر امراء قرطبة سنة (٧٥٦ ) بعبد الرحمن الأول بن معاوية – عبد الرحمن الداخل، وانتهى سنة (٩٢٩) بعبد الرحمن الناصر لدين الله، ومن ثم يبدأ العصر الاموي الثالث والذي سمي بعصر خلفاء قرطبة وبدأ بعبد الرحمن الناصر لدين الله- القائم بأمر الله، الذي قرر اعلان الخلافة وتعيين نفسه خليفة حتى عام ١٠٣١ بهشام المعتد بالله.  ليتسنى عهد ملوك الطوائف لثلاثة فترات على امتداد ثلاثة قرون

بدءاً بالمرابطين وانتهاء بالموحدين.

منذ الوليد بن عبد الملك امتد العرب الى الغرب ففتحت مصر والمغرب، وكان يحكم الاندلس القوطيون. جاء اسم الاندلس نسبة الى القبيلة التي حكمتهم قبل القوطيين، وكان يطلق عليهم الوندال. يقال ان كلمة فانداليزم تعود الى هذا الاسم. حيث كانت هذه القبائل قبائل همجية سالبة. ولكن عندما دخل المسلمون الاندلس كان القوطيون يحكمونها. 

كنت أولى فتوحات الاندلس على يد موسى بن نصير وتبعت الفتوحات على يد قائده\مولاه طارق بن زياد. 

انتهت مرحلة الخلافة الاموية الأولى على يد العباسيين وبدأت الخلافة\ الامارة الاموية في قرطبة، من (٧٥٦-٩٢٩) م بعبد الرحمن الأول بن معاوية- عبد الرحمن الداخل، ويلقب هذا العصر بعصر امراء قرطبة، والعصر الاموي الثالث وهو عصر خلفاء قرطبة من (٩٢٩-.١٠٣١) حيث تحول عبد الرحمن الناصر من امير الى خليفة، وتبع الخلافة حتى نهايته حكم فعلي للحجّاب، فصار الخليفة مجرد اسم يتحكم بسلطانه الحاجب.

 فمنذ هشام المؤيد بالله والذي استمر حكمه ل٣٠ سنة، كان الحاكم الفعلي هو المنصور بن ابي عامر الذي حكم لعشرين عاما وتولى بعده ابنه. عشرات الخلفاء والامراء على مدار سنوات الحكم تميز بعضها بالازدهار وبعضها بالركود. تميز بعض الحكام بالعدل وآخرون تميزوا بالظلم. هناك من كان زاهدا وهناك من كان مسرفاً أو مقتراً. هناك من توسع وهناك من انغلق على نفسه. امتدت القوة بين غزو وفتح فوصلت فرنسا وإيطاليا، وتقهقرت حتى خسرت اخر شبر لها في الأندلس مع انتهاء عصر ملوك الطوائف الذي بدأ بالمرابطين وامتد كذلك لثلاث فترات، عند اعلان الوزير أبو الحزم بن جهوَر سقوط الدولة الاموية في الاندلس وتشجع الامراء ببناء دويلات منفصلة وتأسيس اسر حاكمة من الطوائف المختلفة. فتقسمت الدولة الى ٢٢ دويلة، انتهى امرهم الى دفع الجزية للملك ألفونسو السادس وتخلصوا من بعضهم البعض بين مؤامرات وقتل وسم وحرق وسلب واستعانة بألفونسو حتى انتهت الاندلس الى اسبانيا والبرتغال. 

فتح الاندلس على يد المسلمين بدءا بموسى بن نصير وطارق بن زياد حيث كانوا في القيروان، سهّله حينها، كمّ الظلم الذي اوقعه الحكام على الشعوب لدرجة، دخل فيها العرب تلك البلاد بلا مقاومة حقيقية وباستقبال الفاتحين. كانت الظروف مواتية من كل الاتجاهات، فالشعب لم يقاوم من شدة الفقر والعوز والضرائب العالية والظلم الواقع عليه، واليهود كانوا يعيشون في قمع وتهديد لحياتهم وفرض جزية باهظة عليهم ووجودهم بعد نقض الاتفاق بالأمان المبرم مع الحكام من الامراء والملوك، والامراء الذين كانوا أصحاب حق في الحكم تم عزلهم والانقضاض على حقهم بالحكم من قبل الاخرين. فالأمير – الكونت يوليان استجار بموسى بن نصير ضد الملك القوطي لذريق (رودريك). البربر دخلوا الاسلام وشكلوا قوة بشرية يعتد بها. والبلاد الايبيرية كانت تشهد اضطرابات وقلاقل سياسية متتالية.

من جهة أخرى، يمكن النظر الى فتح الاندلس كبداية لحكم يشبه حكم المماليك. فما كان مماليكا لخلفاء الدولة العباسية بمصر، كان مولى لخلفاء الدولة الاموية في المغرب. موسى بن نصير عاصر معاوية بن سفيان الى الوليد بن عبد الملك حيث أخمد ثورات البربر واستمالهم في شمال افريقيا. وكأنه صنع لنفسه ولاية منفصلة، فحكم وتحكم وأرضى الخليفة بالغنائم والمكاسب من الفتوحات المختلفة. ما بدأ بهذا المشهد بين استمالة الخليفة من قبل الوالي والتخلص من الغرماء انتهى بمحاولة الحاجب ان يصبح خليفة. فكان المولى سرعان ما يصبح واليا، والوالي سرعان ما يتكالب ويتآمر عليه الموالي الاخرين، ويعيش الجميع في فتنة تنتشر كالوباء حتى تأكل معها الأخضر واليابس. فحليف اليوم يصبح عدو الغد، وعدو الامس يمسي عون الغد. وبعدها تحولت البلاد الى ممالك متناحرة نسقت من اجل بقائها بدفع جزية والمساعدة من اجل الإطاحة بالممالك الأخرى من قبل ملوك اسبانيا المسيحيين. فساعد ملوك اسبانيا الممالك الإسلامية على التخلص من بعضها مقابل الحصول على مال او قلاع او مدن، حتى استطاع الملك ألفونسو السادس (١٠٨٤) توحيد الممالك الاسبانية وتلاه الملك فرناندو والملكة ايزابيلا انتهت بإعادة شبه الجزيرةالايبيرية من قرطبة واشبيلية حتى سقوط بني الأحمر في غرناطة سنة (١٤٩٢).

ولكن لا يمكن تجاوز ما استمر لأكثر من ٨٠٠ عام من الحكم الإسلامي بمجرد وصفه كغزو او فتح. ولا يمكن كذلك النظر اليه من خلال عين واحدة تتضمن المكائد والثورات والنزاعات والاقتتال الداخلي الذي قلب الامارة فيه خلال ٤٠ سنة على ٢٢ عشرين حاكم\امير.

 يبدو ان للأمويين حصة في عزة الإسلام لا يمكن تجاوزها مهما فكرنا ان نكون على الجانب الاخر من التاريخ. فالتوسع الإسلامي شهد أوجه في زمنهم، من معاوية بن ابي سفيان الى مروان بن عبد الملك وابنائه تباعا، وقوفا هنا عند عبد الرحمن بن معاوية الذي حكم من (١٣٨-١٧٢ ه ٧٥٦-٧٨٨م) – الملقب بعبد الرحمن الداخل، الذي يبدو وكأنه خرج من رماد نفسه وابتعث من جديد لإحياء المجد الاموي. فبعد حياة استمرت بالهروب والاختباء من ملاحقة العباسيين بعد سطو أبو العباس السفاح على الدولة الاموية وانهائها، استطاع عبد الرحمن بن معاوية والذي لم يتجاوز العشرين من عمره حينها النجاة بنفسه والهروب نحو المغرب العربي عند اخواله البربر، وبعد محاولات نجاة وتفكير ينم عن حنكة وخضرمة السياسة على الرغم من عمره الصغير- ٢٣ سنة عندما دخل الاندلس، استطاع عبد الرحمن الداخل ان يعيد بناء الدولة الاموية يما سمي بعهد الامارات الاموية من الاندلس. لقْب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، عبد الرحمن الداخل بصقر قريش، لمقدرته وشجاعته وعجز العباسيين عن التخلص منه. 

تتابع هذا العصر النمو والازدهار بهشام بن عبد الرحمن (١٧٢-  ١٨٠ ٧٨٨-٧٩٦)، ومن ثم الحكم بن هشام (١٨٠-٢٠٦ ٧٩٦-٨٢٢)، وكان آخر عصر الازدهار بعبد الرحمن بن الحكم الملقب بعبد الرحمن الأوسط ( ٢٠٦-٢٣٨ ٨٢١-٨٥٢) 

في هذا العصر عرِف عباس بن فرناس واختراعاته، وزرياب الذي اتى من العراق ونشطت الحركة الفنية والفكرية، وازدهرت الاندلس بالمباني من جوامع ومساجد. 

استخدم عبد الرحمن الداخل الصقالبة كجنود مستقبليين بعد اخذهم أطفالا من غزواته ضد المسيحيين. لما يشبه فكرة  “تدريب
 المماليك في الدولة العباسية. 

الخلال الفترة من  (١٣٨ -٢٣٨   ٧٥٦ -٨٥٢ ) شهدت الاندلس ازدهارا أعاد للأمويين عزهم الذي فقدوه في دمشق واستطاعوا ان ينجوا ويتغلبوا على القتل، وجاهدوا وأخمدوا الثورات والانقلابات ومحاولات القتل والاغتيال من قبل العباسيين والقوطيين وغيرهم. 

باعتلاء محمد بن عبد الرحمن -أبو عبد الله الحكم (٢٣٨-٢٧٣ ٨٥٢-٨٨٦) بدأ التدهور والانشغال بملاهي الحياة والفتن فيما بين الامراء وولاة العهد. 

برزت أسماء جديدة متل عمر بن حفصون (او صمويل)  الذي تنصر، وكان أحد عناصر ضعف الدولة حتى سنة (٣٠٠ ه. ٩١٢ م ) تكوّن في تلك الفترات انفصال ودويلات جديدة، وكان بن حفصون مترئساً لهذه الثورات حيث تحصن في القلاع والأماكن الحساسة وانتشرت الدويلات وبقيت قرطبة للأمويين، وتشكلت مملكة ليون وارجون(برشلونا) وامارة نبارا (إقليم الباسك). وفي المغرب ظهرت الدولة الفاطمية في المغرب والتي اعتبرت خطرا على الامويين حيث دعمت عمر بن حفصون.

الشعب لم يعد يبالي، مع قدوم سنة( ٣٠٠ه ٩٠٠ م ) فقد الامل من كل اصلاح. وانتهى هذا العصر سنة( ٣١٦ه  ٩٢٩ م) فأعلن عبد الرحمن الناصر لدين الله نفسه خليفة، وحكم من سنة( ٣١٦ ه – ٣٥- ه. ٩٢٩ ل ٩٦١ م)

 عبد الرحمن الناصر حمل من اسمه الكثير، فحكم صغيرا وكان والده قد قتل وهو لم يتجاوز الثلاثة أسابيع من عمره. 

عندما بلغ العشرين بدأ ولايته في وقت صعب، لم يكن من الاندلس بيد المسلمين الا قرطبة، أي عًشر الاندلس. مرت سنوات زهد فيها الامويين عن الخلافة لصعوبة الامر واستحالته. 

 بدأ عبد الرحمن الناصر حكمه بالإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعملية تنظيف إصلاحي حقيقي، فسادَ في زمنه الحكم الرشيد والعدل وارتاحت البلاد من الفساد والظلم وانتشر العلم والاستقرار.  في زمنه استعاد الكثير من أراضي الاندلس وسيطر على مضيق جبل طارق. ووحّد الاندلس بالفعل وأعلنها خلافة. 

مشكلة عبد الرحمن الناصر كانت باستخلاف ابنه هشام الذي لم يبلغ حينها الا ١٣ سنة، عندما أصابه الفالج ولم يمهله طويلا. هنا بدأ الحكم الفعلي للحاجب محمد بن ابي عامر والذي أطلق على نفسه اسم الحاجب المنصور واستمر حكم- سيطرة-  ما أصبح بالدولة العامرية لأكثر من ١٠٠ سنة. وكان فاتحا وازدهرت الدولة في زمنه. ما فعله ابن ابي عامر كان شبيها بالاستخلاف، فأقام دولة في داخل الدولة. فسمّى ابنه هشام من بعده حاجبا. هنا صار اميرا امويا وحاجبا (رئيس وزراء) قائم بأعمال الدولة وكانت هنا الدولة العامرية.  ومع مرور الوقت لم يعد منصب الحاجب كافيا فوضعت العيون على الخلافة نفسها. كثرت الأعداء واشتدت النزاعات وزادت الفرقة والفتنة.

 فمن جهة، أراد الامراء الامويين الخلافة لأنفسهم فتصارع الاخوة واحفاد عبد الرحمن. 

من سنة ( ٣٩٩-١٠٣١،٤٢٢- ١٠٠٩م ) توالى ١٣ خليفة على الحكم. 

وكان للبربر وبني عامر دور مركزي من جهة، وملوك وامراء برشلونا وكاستالا من جهة. 

وهكذا تآكلت الدولة سريعا بين قتل وانقلاب واغتيال وتنازل عن قلاع ومدن وموانئ، انتهت بتهالك داخلي أدى الى هتك اهل قرطبة، فنكلوا باهل المدينة واغتصبوا النساء وقتلوا الأطفال ونهب المدينة. كل قوة ارادت الظفر بالقوة لنفسها، فقتلت فرق البربر الخليفة سليمان بن الحكم بعد ان كانوا في جيشه. تولى البربر الخلافة لبعض الوقت حتى ٤٢٢. اجتمع العقلاء واقاموا مجلس شورى واجتمعوا على خلع الامويين نهائيا وولوا ابن حزم بن جوهر، وحاولوا السيطرة على البلاد، وكان مركز السلطة الوحيد هو قرطبة لبعض سنوات. لم يعد بالإمكان السيطرة على ما تبقى م ناندلس فقسمت الاندلس الى دويلات مختلفة الى ٧ مناطق رئيسية، بنو عباد (مولدون- اندلسيون اصليين) في اشبيلية، بنو زيري(بربر) في غرناطة، بني جهور (مولدين) في قرطبة، بني الافطس (بربر) اسسوا بطيلوس، بنو ذي النون (بربر) في طليطلة، بنو عامر (اليمن) اخذوا شرق الاندلس، وبني هود في سرقسطة. وهكذا بدأ عهد ملوك الطوائف. 

في داخل كل منطقة كان هناك دويلات، بني عامر قسمت نفسها مثلا على أكثر من دويلة فأصبح مجموع الدويلات ٢٢ على مساحة ٧٥٪ من مساحة الاندلس الذي كان يخضع ال٢٥٪ الباقية مع الاسبان. على مساحة ٤٥٠ ألف كم مربع. 

لكل دولة كان رئيس وجيش، وسفراء، ووزراء، وامة. وصارت تسمى ملوك الطوائف.

الحقيقة انني لأول مرة أقرأ التاريخ من هذا المنظار. على الرغم من ان الكتابين موضوع البحث يختلفان في الوجهة، فأحدهما تاريخي صرف (الدكتور السيد عبد العزيز سالم)، والآخر ديني دعوي الطابع (الدكتور راغب السرجاني).

 الا انني نظرت الى اهل الاندلس من ملوك وحكام مسيحيين بطريقة أخرى. كيف استطاع هؤلاء الاستمرار في محاولاتهم استرجاع الاندلس؟

  لوهلة انظر الينا كفلسطينيين وأفكر دوما ان قوتنا على الرغم من الظلم الواقع علينا هي بأحقية قضيتنا. نحن أصحاب الأرض. والعرب عندما دخلوا الاندلس، دخلوها وسط ظلم حكامها وبطشهم، فاستطاعوا الدخول عبر كل نقاط الضعف لدى الحكام ونقاط القوة في استمالة الشعب المسحوق. وبين مد وجزر استمر لأكثر من ٨٠٠ سنة استطاع العرب في الكثير من الأحيان الحفاظ على هذه الدولة والتوسع بها والازادة في تقدمها. لا يمكن فصل اهل الاندلس أنفسهم مما جرى. فهم كانوا جزءاً من مساعدة العرب على البقاء. وربما ما رأينا من عمران ومن حركة فكر وثقافة وترجمة ازدهرت لتشكل العصر الذهبي للإسلام على مدار قرون من الزمن.  ولكن في كل مرة بطش الحاكم العربي وظلَمَ والتَهى وذهبَ الى اللهو والبطش والظلم، كان اهل المدينة ينقلبون. فعانى ذلك الحكم من الغزو الخارجي تارة ومن الثورات الداخلية تارة، ولم يكن تقطيع الاندلس في النهاية الى ٢٢ دويلة لملوك الطوائف بالأمر المستغرب. فكانت الثروات والسطوة محل إدراك من أراد السلطة واستطاع المولى ان يصبح واليا، والحاجب صار اميراً، البربر والشوام وقبائل اليمن حملوا لواء الدين بين مولّدين (اهل الأندلس الأصليين) ومرابطين وموحدين. 

ولكن اهل البلاد الأصليين من المسيحيين قوط واسبان وبرتغال وفرنسيين لم يتوقفوا ابدا عن محاولة استرجاع بلادهم على مدار الثماني مئة سنة من احتلالها. 

للتاريخ في كتابته الكثير مما يقال. فما يكتبه المنتصر لا ما يكتبه الخاسر. وما يرويه صاحب الأرض لا ما يرويه الغازي. للحق أوجه متعددة، فالفاتح لقارئ هو الغازي لقارئ آخر. والحامي لشعب هو المعتدي لشعب اخر. وكل يرى نفسه صاحب الحق لأنه يملك القوة. قوة السلطة وقوة صاحب الأرض. في النهاية ينتصر الحق بقوة صاحبه. فعندما كان العرب المسلمون اصحاب قوة كانوا أصحاب حق. وعندما استعاد الاسبان قوتهم صاروا أصحاب حق. 

اترك رد