رواية على درب مريم
ل نادية حرحش
الادب الروائي فن ابداعي. الروائي يهندس شخصيات ويبنيها بكل صفاتها. ولأن عقل الانسان معقد الى ابعد الحدود والغوص في مكنوناته وكواته المعتمة والالمام بكل اعماقه مستحيل فأن مهمة الروائي مستحيلة الاكتمال. لذلك يتسابق الروائيون في الوصول الى الدرجة الاقرب الى الاكتمال. دوستوفيسكي كان الاعمق والاكثر اكتمالا في الغوص في نفسية العقل البشري للشخصيات التي بناها في رواياته. ولكنه ليس الوحيد وان كان الاهم والاقدر.
حتى يستطيع الروائي انجاز مهمته يلجأ الى الاستعانة بشخصيات حقيقية في المجتمع يجري عليها عملياته . احيانا يدمج شخصين حقيقيين او اكثر في شخصية واحدة في الرواية. او يأخذ جزأ من كل شخصية حقيقية ويخلق منها شخصية واحدة.
هذه الشخصيات يجعلها الروائي تتفاعل في فضاء الزمكان بين الواقع والخيال. احيانا الواقع اغرب من الخيال واحيانا الخيال له منطقه الواقعي.
الرواية تأريخ ابداعي لحياة مجتمع اصدق من التاريخ السردي الذي عادة ما يكون مزور.
الرواية قادرة على تعرية المجتمع وتقديمه لك واجبارك على النظر في المرآة.
الرواية لا تقدم نصائح او اوامر او توجيهات، هي تضعك امام المرآة وتترك لك القرار فيما انت فاعل.
نادية حرحش فعلت كل ذلك في رواية على درب مريم.
وضعتنا امام انفسنا على حقيقتنا.
على درب مريم تشريح علمي جريء للمجتمع تسبح بين الواقع والخيال تغوص في زوايا العقل البشري بعمق تُشرّحه بمبضع جراح ماهر وتضعه امامك.
خلقت حرحش شخصيات روايتها من الواقع الخيالي او الخيال الواقعي وربطت بين الشخصيات ايضا بواقع اقرب للخيال وجعلت كل هذا المزيج يسبح في فضاء المكان والزمان وهو فلسطين ومحيطها في القرن العشرين وما تلاه من سنوات. من القضية الكبرى الى تفاصيل الحياة اليومية الى تعقيدات العلاقات الاجتماعية وتأثير النظام الاجتماعي الجمعي على نفسية وتفكير العقل الفردي، من خلال (الفور ام) الشخصيات الاربعة الرئيسية في الرواية وهن جميعا حملن اسم مريم.
تأخذك الرواية وتسير بك في شوارع القدس في ازمنة مختلفة، من زمن مريم العذراء ومريم المجدلية الى الايام التي نعيشها الان.
وبذكاء تذكرك بقرى ومدن فلسطين ومجازر الصهاينة فيها من خلال اسماء شخوصها. وتبحر بك في عالم اخر، عالم دانتي وتلاطم امواجه مع شخصيات الرواية في مسار حياتهم السابح عكس التيار، لتجبرك على رؤية الحياة بعيني الانثى وما تعانيه في المجتمع الشرقي والغربي وتفاعل الثقافات والاديان والاثنيات والاساطير لتلمس التناقض داخل كل منا. هذا التناقض الذي يضعفنا ويقوينا في نفس الوقت.
باختصار نادية حرحش ابدعت.