رحيل الشيخ يوسف القرضاوي عن عالمنا

رحيل الشيخ يوسف القرضاوي عن عالمنا

ولد الشيخ يوسف القرضاوي في ٩ أيلول ١٩٢٦ ليتوفى ب ٢٦ أيلول ٢٠٢٢، الموافق للأول من ربيع الأول من سنة -١٣٤٥ ل ٣٠- صفر ١٤٤٤ هجرية منهيا بذلك ٩٩ سنة هجرية، متوفيا قبل يوم واحد من يوم ميلاده الهجري. 

من المؤكد ان الشيخ يوسف القرضاوي دخل في متاهات السياسة فتاه وأنتج تيها تولد عنه تعقيدات لم نعد نعرف اين تبدأ وتنتهي. ولكن من المؤكد ان هذا الرجل شهد على قرن من الزمن طرأ عليه الكثير من التغييرات والانقلابات والثورات، فانقلب وتغير وثار معها. 

رحل وترك لنا الكثير من الأثر الذي لا يمكن انكاره او الاستغناء عنه في فقه الشريعة الإسلامية واحكامها. فمهما اختلفنا مع مواقفه في الفتاوي السياسية، الا انه وفي مرحلة ما، كان تأثيره في الحياة الاجتماعية للعالم الإسلامي بالمشرق عظيما.

اذكر لحظات مفصلية في حياتي عندما تاهت بي سبل فهم الفقه وتشريعاته، كان كتاب الحلال والحرام في الإسلام مرجعا مهما لي. كان الكتاب قد اثار جدلا كبيرا في السعودية وتم منعه. كنت لأول مرة أستطيع ان اقرأ وافهم واناقش ما يدور بين سطور الصفحات بصوت الشيخ الجليل. بدا الإسلام لي دينا لينا لا صلبا. متمكنا من احكامه، متماشيا مع “الشارع”. كان الكتاب سهل الفهم، لم يتطرق للبحث الفقهي العميق للقضايا المنتقاة من المعاملات والعادات الاجتماعية من حيث اباحتها وحرمتها. 

كنت اتخيل علاقته بسيد قطب و”في ظلال القرآن” وأفكر كيف تخلق المعتقلات قوة وترسخ فكرا وتقوي عزيمة. لطالما توقفت امام “ملحمة الابتلاء” (نونية القرضاوي المكونة من أكثر من ٣٠٠ بيت) التي الفّها وهو في معتقله: 

تالله ما الدعوات يهزمها الردى        يوما وفي التاريخ بر يميني 

ضع في يدي القيد، ألهب أضلعي     بالسيط ضع عنقي على السكين 

لن تستطيع حصار فكري ساعة       أو نزع إيماني ونور يقيني   

فالنور في قلبي وقلبي في يدي         ربي وربي ناصري ومعيني 

سأعيش معتصما بحبل عقيدتي         وأموت مبتسما ليحيا ديني

ولكن ما بعد المعتقلات…

كان الشيخ القرضاوي رجل دين دنيويا على ما اعتقد. وقد تكون هذه هي المشكلة.

فبعد تلك الأيام تغيرت الدنيا كما كنا نعرفها. أصبح الدين في دنيويته أكثر مادية. صارت الدنيا كما نعرفها محكومة بالمادة أكثر. او ربما ان العالم انفتح على بعضه، وما كنا نقرأ عنه لعلاقة الشيوخ بالسلاطين صار امامنا حقيقة تنقلها شبكات الاعلام المختلفة. 

بكل الأحوال ربما توجهاته السياسية وانتماءاته شكلت صدمة لمعظم من كان ينظر اليه كشيخ وعالم أزهري، الا انه بالحقيقة كان منذ بداياته اخواني الانتماء، فمثل التنظيم واعتقل من اجل انتمائه في العهد الملكي وعهد عبد الناصر؛

وقطر كانت بلده الثانية، حيث حصل على جنسيتها منذ سافر اليها مدرسا في أوائل الستينات من القرن الماضي، وتدرج في سلم الوظائف حيث عمل أولا مديرا للمعهد الديني الثانوي (١٩٦١)، وتولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر (١٩٧٧-١٩٩٠)، وأصبح مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر. 

ربما تكون ثورة يناير وحكم الاخوان ما كشف لنا وجهه السياسي، وتوالت مواقفه المخيّبة من رابعة الى سورية. 

ربما يشكل الشيخ يوسف القرضاوي المثل الأفضل لفكرة فصل الدين عن السياسة. فهذا الرجل كان رجل دين له باع على علوم الفقه والتشريع. عندما اختلطت هويته الدينية بالسياسية خسر محبة واحترام وإخلاص كل من لم يكن له انتماء سياسي مشابه، وبهذا خسر الناس وكسب ولاء من ولّاه من الولاة. 

رحل عن عالمنا وسبقي أثره في العلم لا في السياسة. فمهما اختلفنا، كان له من الجهد والاجتهاد ما هو مهم. 

رحمه الله… فعند الله تجتمع الخصوم

اترك رد