واقع الحال 

واقع الحال 

تتدحرج الأحداث لتتراكم في هاوية المصير الفلسطيني من كل صوب. أحداث دولية وأحداث إقليمية وأحداث محلية. اأحداث مرتبطة بنا وأحداث لا ترتبط بنا وأحداث هي في صلب من نحن وما تبقى منا، والنتيجة واحدة: لا مكان لنا الا انتظار دورنا وسط هذه المعصرة. إعصار عتيّ يسحب كل شيء نحو عينه.نحن وسط كل ما يجري حولنا. 

لا يهم الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، ولا ما يجري في روسيا وأوكرانيا، ولا الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة. ولم يعد مهمّا كذلك الشهيد تلو الشهيد الذي نفتتح نهارنا بخبر ارتقائه، او الدمار او الاجتياح او الاعتقال الذي نتداوله خلال يومنا. وبينما تجتمع الفصائل المتناحرة تحت زيف الادعاء بالمحرص على المصالحة والمصالح العليا، يشدّها في الواقع الحرص على التمسك بتحكّمها في مصير الشّعب وما تبقّى له من موارد وأوردة  فتّتها نهم ولاة الأمر منهم. وبينما نعيش على التسول والتّوسّل لأمريكا وأوروبا وكل من يملك المال من اجل إبقاء السلطة على الحياة، يجلس الرئيس امام رئيس روسيا التي تحارب العالم والعالم يحاربها من اجل أمور سيادتها ومصير قوتها، ليتسول المعونات والمنح الطلابية والخبز ويلعن أمريكا ويتمسك بالرباعية بدون الهيمنة الامريكية، ولكن بوجودها القطعي في خضم ذلك كله تتفرد إسرائيل،  بالشعب والمكان لتحكم سيطرتها على ما هو متوقع في أي لحظة من انهيار سلطوي قادم وسط معركة خلافة لرئاسة لا تحمل الا السلطة لتتسلط على الشعب، وخلاف على حكومة لا تتحكم الا بالشعب، والسّعي لنيل سيادة  وهميّة لا غرض منها الا تطويع الشعب. 

مشاهد دستوبية تغلبت في قسوة حقيقتها على زامياتين واورويل  واتوود . فنحن نعيش دكتاتورية عبودية استبدادية تتغلغل في أوصالنا. لم نعد نميز ما نحتاج تفكيكه من هذه الاغلال، كمن تم ربطه بقنبلة موقوتة لا نعرف أي سلك إذا ما قطعناه سيفتك بنا أولا. 

ما يحدث بين مخيم شعفاط ومخيم جنين من عمليات عسكرية ينذر بما تتوقعه إسرائيل من فلتان قادم. فما يحدث في مخيم شعفاط لا يبدو انه مجرد تفتيش عن منفذ العملية التي أودت بحياة جندية. كيف لنا ان نفهم عدم تمكن هذا الجيش بعتاده واستعداده وتقنياته المتطورة عدم الوصول الى الشاب بعد العديد من الأيام؟ هل يبحثون عن الشاب ام انهم يقومون بأمور أخرى؟ هل يمكن فصل ما يجري في مخيم جنين ونابلس عما يجري في مخيم شعفاط من عمليات لجيش الاحتلال؟ 

هل تفتش قوات الاحتلال عن الشاب ام انها تمسح المكان وتعيد تحديث قاعدة البيانات الخاصة بعدد قطع الأسلحة والمسلحين وغيرها من أدوات التحكم والسيطرة التي تحتاجها إسرائيل لإحكام سيطرتها واستخدام قوى ردعها متى احتاجت الى ذلك؟ 

ما يجري في جنين بين اغتيالات مدروسة للشبان وبين اقتحامات يتم من خلالها الاستيلاء على اعداد لا تحصى من الأسلحة والعتاد يجعل المرء يتساءل عن كل هذه الأسلحة التي يتم الاستيلاء عليها يوميا من قبل الشرطة والجيش الإسرائيلي .

منذ سنوات وإسرائيل تسمح باقتناء الأسلحة بين المتنفذين من الفلسطينيين الذين صار لكل واحد منهم كتيبة حربية متأهبة مستعدة للهجوم واخذ ما تعتبره لها من سلطة في مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني. ولكن يبدو ان إسرائيل لم تعد مهتمة بقدوم هذا اليوم، بعد ان حسمت امورها من خلال التنسيق الأمني مكتفية بسلطة التصاريح من دخول وخروج وتسهيلات لتسيير اعمال رجال الاعمال والسلطة. ولم يعد المنتظرون من رجال السلطة المتنفذين لاستيلائهم على سدة السلطة قادرين على حسم المعركة القادمة لصالحهم ومصالحهم، بعد ما يبدو من تفضيل دولي واقليمي لخلافة تبقي الحال على ما هو. وما نراه تباعا من سقوط الأقوياء من رجالات السلطة بلا دويّ يؤكد ان الكتائب التي تم تسليحها بانتظار اليوم الحاسم لم تعد على أهبة الاستعداد فتناثرت وانتشرت نحو مصالحها المختلفة. وهنا يبدو توتر إسرائيل الحالي في عمليات مسح المخيمات ومراكز القوى تباعا.

تتحضر اسرائيل للأسوأ القادم على الفلسطينيين بمسح المناطق التي تريبها وتقلقها بتنسيق واضح لم نعد نكترث به أو نناقشه. صار الواقع بديهياً، بينما يرتقي صفوة الأبناء بوابل رصاص غاشم لا يفرق بين مقاوم، أو طبيب، أو صحفي، أو طفل عائد من مدرسة. فكل فلسطينيّ هو هدف رصاصات القنص المقصودة او العابثة. 

وأرباب السلطة وفصائلها يجتمعون ليحتفلوا تأكيداً لوجودهم الانفصالي ببيعنا وبيع العالم وهم انتخابات لن تحصل ووحدة تتعمق أوصال فرقتها جعلت منا شعوباً منقسمة على نفسها ضد نفسها. 

على خلفية واقع الحال هذا، لا يزال الشعب يشكر الله على نعمة لن تزول باحتلال يستمر في تذكيرنا أنّه العدو الوحيد مهما تآمر علينا أصحاب السلطة والنفوذ المتناحرين، ولكن المتحدين في التحرر من مسؤولياتهم الا مما يمكّنهم من التحكم بنا، من اجل بقاء مصالحهم ونفوذهم، والاستبداد بشعب لا يزال يتمسك بالتحرر من الاحتلال طريقاً وحيدا للنجاة الى ما يمكن ان يكون قد تبقى له من مستقبل. 

اترك رد