تخطى إلى المحتوى

إدمان شيرين: قضية تطال المجتمعات التي يهتك بها المخدرات

إدمان شيرين: قضية تطال المجتمعات التي يهتك بها المخدرات

أتابع قضية المطربة شيرين عبد الوهاب بمشاعر متزاحمة من الحزن والقلق والخوف. منذ الصباح ويستحضرني مسلسل ” تحت السيطرة” من بطولة نيللي كريم قبل سنوات. مسلسل تحت السيطرة حاكى قضايا تعاطي المخدرات الذي يقع فيه الشباب في وكر الضياع الذي يحيطه الضباع البشرية من مروجين ومدمنين للمخدرات يسحب الى هاوية لا قرار لها يظن المدمن فيها ان كل شيء تحت السيطرة حتى يجد نفسه في هاوية جحيم لا سيطرة فيه الا للإدمان، يحكم المروج والتاجر والمدمن فيها على مدمن اخر يستمر كل واحد في شد صاحبه الى هاوية أعمق.

خلال لقائها مع إسعاد يونس في صاحب السعادة كانت شيرين تتكلم بحكمة ووعي لسان حالها كان نصيحة الابتعاد عن أصدقاء السوء واختيار الأصدقاء الصح. ما جرى معها بعد أيام قليلة يؤكد ان حالة الديتوكس التي خرجت منها انتهت الى رجوع سحيق. نقول دوما الله يكفينا من المخدرات والكحول وشرورها ولا نفهمها الا عندما نرى ما يحدث الآن كمثال. 

ما يميز قصة شيرين والمشاهير الأجانب وغيرهم هو قرب شيرين الحقيقي من وجداننا. فهي مفعمة بالمشاعر التي تحك على جلودنا وتشعرنا بوجعنا وفرحنا. وبالتالي ما يجري معها قريب جدا مما يمكن ان يجري معنا. ليست مجرد قصة فنانة تدمن المخدرات وغيرها من سموم تودي بمستقبلها او حياتها. 

منذ ان خرجت شيرين حليقة الشعر بعد اعلان طلاقها من حسام حبيب، كانت تلك الحلقة بمثابة نداء استغاثة لصعوبة ما يجري معها. اثارني حينها حديث لها مع نضال الاحمدية تكلمت فيه عن حبوب تجلبها لها تساعدها على النوم. مرت تلك العبارة بلا اهتمام لأن الامر كان متعلقا بعلاقتها المرضية بزوجها. مشكلة هذه الأمور انشغال الناس بتفاصيل النميمة لا تفاصيل ما يحدث من مشكلة حقيقية. يفتش المتابع عن خبر يتداوله يجلب الاهتمام. 

شيرين انسانة جامحة. هذا الوصف الذي يخطر لي عند التفكير بها. كالحصان البري الذي تكمن قوته ببرّيّته، يفقد ما لا يفهمه المشاهد له أثناء لجامه. يفقد جزءا من روحه. وكأنها هكذا برّية تريد ان تمتع الناظر بجمالها، ولكن جمالها يحتاج الى تلقيم. 

بين جعل الله هو السبيل، ولكن نترك الشيطان ليكون محطاتنا تكمن قصة شيرين. فهي من ناحية محاطة محوطة بحماية الله، ولكنها متسرعة ضعيفة منساقة لأمور أخرى. هل هي نعمة الله عليها كما كان في حوارها مع اسعاد يونس ام ما اخلته من حماية الله لها بالرجوع لطريق الشيطان بالمخدرات بعد أيام قليلة؟ 

الادمان لا يمكن التخلص منه فقط بقرار وعلاج. الإدمان يحتاج التخلص منه التخلص من أصحاب السوء. وفي علاقات هذه المرأة كان الرجل الخاطئ هو الرجل المدمر وهو الشيطان بذاته. 

وحسام كما هو الجلاد في هذه القضية هو كذلك ضحية ادمان على ما يبدو. المصيبة في الإدمان ان من يكون اليوم ضحية يصبح غدا هو الجلاد والمجرم. كل يسحب الاخر نحو الهاوية. 

ما جرى معها من علاقة سامة برجل نرجسي، ربما نجاها مما حصل معها بتصرف اخيها وعائلتها. 

كيف يستطيع اخ او أم او قريب فرض العلاج او التدخل على المدمن؟ 

نرى هذه القصص امامنا يوميا. نتكلم عن المدمنين حولنا بلا حول لنا ولا قوة. نتأمل، نخاف، ندعو الله بالستر وابعاد أولاد الحرام، بينما تحيطنا المخدرات أكثر وتصبح يوميا جزءا من المكان والمساحة. أحيانا، الحديث والنصيحة لا تقدم الخدمة. شيرين في مقابلتها مع اسعاد يونس، انكرت ادمانها، على الرغم من وضوح كل ما كان يجري انها كانت تتعالج من الإدمان، ولكن “صحوبية” الطبيب لها كما عرفته بكونه صاحب لا طبيب، جعلها تبقى في دائرة الإدمان الذي أودت بها نحو المشهد التالي. ما كادت تنهي خدمات طبيبها الذي أعلن عدم حاجتها للمساعدة، حتى كانت قد استأجرت شقة لتعاطي المخدرات فيها مع الرجل الذي تطلقت منه بعد فضائح كبيرة. ربما التعافي الحقيقي لا ينتهي بانتهاء العلاج والمتابعة، ولكن يبدأ باعتراف المدمن بأنه مدمن. وانكارها للإدمان في المقابلة ذاتها يؤكد انها كانت كما رأينا… ليست بخير. 

ربما هناك واقع صعب بشع نعيش كلنا في قرار سحقه لنا من وجود المخدرات وانتشارها المتعاظم في محيطنا. لم تعد حكرا على عالم الفن، ولكنها صارت متاخمة ليومنا. جرائم القتل التي تسمع عنها من يوم الى الاخر لا تزال تصيبنا بذهول. ابن يقتل امه ويقطعها، واخر يقتل اباه ويصب عليه الباطون، وشاب يقطع رأس صاحبه، وشاب تلو الشاب ينحر من لم ترضه زوجا.

رائحة الحشيش تجتاح الشارع وصباحا ومساءاً وكأننا نعيش في أمستردام. بؤر بيع المخدرات معروفة وعلنية. لا حاجة للبحث عنها حتى، فتأتيك في توصيل مجاني إذا ما طلبتها من خلال عشرات الرسائل التي تصل يوميا عبر الهاتف مع عروض مختلفة. 

هناك انهيار حقيقي المّ بنا كمجتمعات. ولا نتعظ من عبر الله الكثيرة المتتالية لنا. 

قد يكون في قضية شيرين عبرة، للمتعاطين الذين يظنون ان الوضع تحت السيطرة. فلا المال ولا الشهرة تنفع، ففي كل واحد منّا قلب ام كام شيرين واخ لا تزال تحكمه مروءة وحرص مثل اخيها. ولكن لا حول ولا قوّة!

وأضم صوتي لصوت العظيمة ماجدة الرومي في رسالتها الى شيرين: 

مَن مِنّا لم تجلده الحياة يوماً، مَن مِنّا لم يُدمِ قدميه على دروبها، من مِنّا لم يَتُه ولو لمرّاتٍ في أزقّتها يوم تصوّرنا الازقّة قناديل ظنناها نايات تراقص الفراشات …. ومن مِنا لم يتصوّر ذاته ذات يوم “تخيّله” حلواً، الفراشة اللا تُحرق وللا تُغرق ومَن كان مِنّا أتقن، على مدى سنين أعمارنا كيف يقف ولو لمرّة على حدّ السيف بين النار والنور؟! 

أياً تكن مواضيع حياتنا، ألم نتعب؟ ألم نتحامل على أجنحتنا المحترقة؟

أما داويناها بأسفنا وبصلاتنا وإرادتنا وقرارنا المنتفض على الذات الطالع من ركامها كأجواق الحمام الابيض؟ 

فاسمعيني اسمعيني!!! اسمعي شيرين اسمعيني!!!

إسمعي صوتي القادم اليكِ من بيروت التي نحارب على أبوابها كالأبطال بأنصاف أجنحتنا

“قومي”

أنت ابنة المسارح لا ابنة العتمة ولا الانكسار ولا الغُربان، 

“أنت مَن أنتِ”

“قومي ” 

فالصوت صوتك والصوت من هدايا ربّك لكِ

” قومي” ومصر الغالية مِصركِ وهي لكِ وفي حناياها حضن أمٍ يحلم أن يطبطب عليك

” قومي”

نحن نؤمن بكِ وبإرادتك ونحبّك ونحن معكِ ولكِ ونحن من عطايا ربّك لفنّك فانزعي عنك ثوب الأسى وافرحي واكتفي بِنعَم ربنا عليك. وافتحي للشمس أبوابك وللسنونوات دارك وكمانَك.

وماذا بعد؟!! 

.. لو حدث أن سمعت اليوم نعيق بومٍ يجدّف او يلعن او يطالُك بكلمة 

أرزليه أرزليه بقوة ربّك وصلاة أمك وأهلك وعشاقك ودموع أولادك ….. وقولي لبوم الخرائب: 

“انا ابنة النور ،سأقوم بقوة من دعاني الى الحياة ورفعني وعزّني ، وقال لي ذات يوم مجيدٍ مِن عمري 

“كوني”

فكنتُ:

“شيرين عبد الوهاب”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading