خارج المكان والمكانة

تتداعى الأخبار تباعاً. تتداخل الأحداث بين ما هو مهم وما هو أكثر أهمية. ما هو سياسيّ وما هو اجتماعيّ. ما هو محليّ وما هو إقليميّ و ما هو دوليّ. ما هو انسانيّ وما هو حيوانيّ. بين تداعي وتداخل يُطْبِق الوضع على حالنا الفلسطينيّ فيزيد من سحقنا وفرْمنا ربّما لنكون أكثر قابلية لهضم ما تبقّى منّا. 

انتخابات الكنيست الإسرائيلية قد تعكس هذه المرّة الحقيقة كما هي: وجه إسرائيل الحقيقيّ هو الوجه اليمينيّ. استطاع نتانياهو ان يضع اليمين في أقصاه مؤكّداً أنّ يهوديّة الدولة تعني يميناً استيطانيّاً متطرّفاً بلا مواربة. انقسام العرب وتشتّت الأصوات وانهيار التحالف يؤكد كذلك على حقيقتنا نحن كذلك كمجتمع. لا فرق بين مجتمع وقياداته. مبدأ انا واخوي على ابن عمّى لا يصلح عندنا على ما يبدو. فنحن ينطبق علينا مثال الاخوة الأعداء. هابيل وقابيل بلا ندم قابيل على فعلته. اين كانت الأحزاب العربية قبل بضع انتخابات وأين صارت. خسارة من كل اتجاه سواء حصلت بعض الأحزاب على مقاعد او لم تصل الى نسبة الحسم. والسقوط المدوي بالنسبة لي في قرار “التجمع” عدم تحويل أصوات العرب الضائعة لصالح حزب عربي آخر، الأمر الذي أسهم في حسم الأمور لصالح اليمين بقيادة نتانياهو.. ولكن عبثا أصلا محاولة الكلام عن احتمالات كهذه. 

مؤسف…

وان كان الأسف ينطبق على ما حل بالأحزاب العربية، فميريتس ربما، بل على الأرجح ،خسرت بذهاب أصوات اليساريين من مصوتيها الى التجمع. فانتهى اليسار تماما من الكنيست. 

طبعا، لا اسف على أي من هذه النتائج، فاليسار ممثلا بميريتس ومن يسمي نفسه يسارا في هذا الكيان اثبت انه لا فرق بين يسار او يمين او وسط. والأكثر لا تأثير لوجود الأحزاب العربية.

ربما، هذه المرة، الانتصار الحقيقي بقي لمن تشبث في موقفه من عبثية وسوء وجود العرب في هذا المكان. 

في كل الأحوال لا يهم ما يجري تحت قبة صنع القرار الإسرائيلي التي تعيد تشكيل نفسها باستمرار وبسرعة لما هو أكثر تطرفا في كل مرة، ولكن بديمقراطية وفاعلية وجدية ملفتة. المهم هو ما لا يجري في ساحتنا الفلسطينية من ركود ثابت واستبداد يتمكن من كل مكامن وجودنا بسرعة إعادة الانتخابات الإسرائيلية. فبينما يتغير لديهم الرئيس تلو الرئيس والحكومة تلو الأخرى والبرلمان تلو البرلمان، نبقى نحن امام الرئيس الوحيد الأوحد المتوحد في ذاته وحول ذاته. فنحن لدينا رئيس ابدي ينقصه فقط تولي الحكومة، والنقابات. 

بينما يترقب العالم التغيير القادم في السلطة الفلسطينية، او يتمناه، او ينتظره، يبدو ان الرئيس يخطط لوجوده ما بعد الدنيوي، والخلافة قد لا تكون حيث يهيّأ لنا. فالرئيس ينتهج طريق اللعب في المتغيرات الثابتة نحو محوره حيث لا تغيير الا حيث يريد ولمن يريد. تغيير في المصالح واربابها لما يخدم رقعة الحاكم وزمرته. وطن يقتاد كالقطيع نحو مقصلة الاضاحي التالية، ليكون الشعب تباعا ولائم هؤلاء. 

كما الكلاب يتم اصطيادها وقتلها مقابل بضع شواكل، حال المواطن يتم المزايدة على دفع ثمن التخلص منه بين الحاكم والسجان. فمن لم يدخل سجن الحياة في هذا المكان بين سلطة واحتلال، يعيش كالكلاب الضالة طريدا بانتظار غدر طفل ظنته بريئاً يتدرب على القتل والعنف كوسيلة للحصول على مصروف إضافي من سلطان المدينة. 

قتل يوميّ بدم بارد لخيرة الشبان، واعتقالات تطال الأطفال، وضرب وتعذيب ولم نعد نميز من الاضطهاد الا هوية الجلاد. 

نفرح لديمقراطيات العالم القريب والبعيد، فننتصر لانتصارهم وننهزم وانهزامهم. نحلل، نفسر، نعطي النصائح، بينما يتغير القانون والتشريع على حسب مزاج الرئيس بانتظار من يريده خليفة له… يلغى مؤتمر ونكتفي بالتنديد الخفيف، ويمثلنا في مؤتمر الحفيد… لعله يكون الوريث….

فنحن نستحق ما نحن عليه.. لأن الولاة ما نحن عليه. فساد وظلم حالك. فكما نكون يولّى علينا.

لقد تعدت هزيمتنا المكان وطالت مكانتنا…فصرنا خارج المكان والمكانة

اترك رد