ليس من باب جلد الذات يخطر لي الحديث الكريم ‘ كما تكونوا يولى عليكم’. ولا عبثاَ يراودني قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.’ فلقد اخترنا ان يكون ولاة امرنا هؤلاء . فالشعب الذي يتصدى افراده عراة الصدور في مواجهة جيش احتلال مكتمل العتاد لا يمكن ان تفرض عليه قيادة فاسدة تضطهده وتقمعه من كل اتجاه عنوة.
كيف يمكن لشعب يتصدى لمنظومة قهر وقتل وتصفية عرقية ممنهجة على مدار ثماني عقود بلا هوادة ولا استسلام ، ان يكون ذات الشعب الذي يرضى بحكم استبدادي ينخر في اوصاله كسرطان خبيث باستسلام وخنوع ؟
من منا لا يرى الصلة الوطيدة بين هذه السلطة المتسلطة علينا والاحتلال الواقع لإحلالنا من الوجود ؟ قتل مجانيّ من كل صوب . مقابل كل حرقة قلب على نزف دم وزهق روح نرفعها تحسبا عند الله ، تنزف الروح الفلسطينية الباقية على الارض بينما تعيش ويلات انهيار الاخلاق والانسانية بين قتل واقتتال يطول الانسان والكلاب.
كيف نعيش التناقضات في نفس اللحظات . الخليل تزف شهيدا ورئيس بلديتها ينشر الاطفال في ضلال لاصطياد الكلاب. وكأن وصف الكلاب الضالة في وقع خوفنا منها انطبق على الاطفال . كيف يتجول الاطفال في بلادنا الى بشر ضالة؟ اي جيل ننشيء؟ اي وحشية نعدّ للمستقبل ؟
اطفال يعتقلون وشباب بدأوا للتو بتخطيط لمستقبل مديد ، واذ بالمعتقلات هي المدى . ولم نعد نعرف ايهم اشد مرارا وقسوة ، غياهب معتقلات الاحتلال ام السلطة ؟ بين معتقلات وصفها عبد الرحمن منيف ومعتقلات جوانتانمو نقف حائرين بالمفاضلة! ربما يبقى الاحتلال ارحم لأن هناك من يراقب ويحاسب ويتابع . اما ما يجري من اعتقالات تأخذ شكل الخطف والتعذيب في مراكز تعذيب السلطة فلا يعلم امرها الا من خرج منها حيا وتجرأ على الكلام .
وبين زفة الشهيد وزفة العريس تدمى قلوب الامهات وتكسر قلوب من انتظرن العريس محمولا في زفة فرح لا جنازة. صرنا نداوي اوجاعنا والامنا بذر الرماد على وجوهنا ، فيزيدنا القهر عمى لأن البصر صار اكثر ايلاما .
حتى في القتل والتعذيب والاعتقال غلبت السلطة الاحتلال . فلا حساب ولا مراجعة ولا رقابة . كلمتهم هي الكلمة العليا. تزهق الارواح بلا حاجة حتى لتبرير. فلقد نجو بجريمتهم بقتل نزار .
حرية التعبير ، صارت نكتة سيئة. بالكاد نستاء من ‘مارك’ وقيوده .يبقى حجب مارك ارحم ، فلا تكلفنا الكلمات حياتنا . يضبط ايقاعنا بتوقيف بلا تعذيب او تنكيل . ان يمنع مؤتمرا قد يكون كارثة لحرية التعبير ، ولكن الكارثة الاكبر بمن يبرر الفعلة بقلم مسموم.
هذه السلطة تتسلط علينا من خلالنا . طالما نقبل ان الحرية مجتزأة ومحددة لما يرضاه ولي الامر فنحن نستحق ما نحن عليه.
الحرية لا تمنح ولكنها تؤخذ. كما الحقوق والكرامة . نحن نحدد شكل حريتنا وشكل كرامتنا وقيمتنا.
وبما اننا رضينا بهؤلاء اسيادا لنا واكتفينا ببعض الفكاهة للتعبير عن استيائنا فنستحق ان نعيش على هامش وجودهم. قوانين تتغير يوميا ، وخليفة يستبدل خليفة ، من حاجب الى حفيد. تفرد بالقرارات وتحكم بالمؤسسات واستبداد بالشعب ونهب وفساد واستباحة على مرأى العين المبصرة والعمياء .
لعلنا نتعظ ….لقوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً(الاعراف) ،وقوله تعالى :{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (التوبة).
ويبقى الامل في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )