المونديال بين فتح غانم وسقوط فارس
بدأت متابعة مونديال قطر بالكثير من التوجسات بين توقعات واخفاقات. تساؤلات عن هدر مليارات او استثمارها. استنزاف ايدي عاملة بين عبودية وقتل. رفع شعارات الإسلام هو الحل مقابل توكو تاكا. اعلام فلسطين مرفرفة في شعارات تحرير ومقاومة، امام فتح المجال الجوي للسفر بين إسرائيل وقطر وتغطية إعلامية إسرائيلية تجول بين المدرجات والساحات.
بدا العالم مزدوج المعايير في قمة ازدواجيته، كقطر التي استطاعت اثبات هذه الازدواجية مع كل حركة تم القيام بها في هذا المونديال منذ إرساء الحدث الكبير عليها قبل أعوام.
افتنان بقدرة المال ربما هو ما أوقف العالم امام الحدث بذهول. فالدوحة تحولت الى جنة مشتهاة يتطلع الوصول اليها العالم اجمع. تحف معمارية توجتها عقول عربية مثل زهى حديد. تيه بين الانبهار بإبداع المعماريين وترميز يبدأ من الأعضاء التناسلية وينتهي باندفاع طقات مريام فارس ونيكي ميناج بين مؤخرة لا تتوقف عن الاهتزاز وثدي بارز بإيحاءات جنسية لم نر من الأداء غيره طيلة دقائق هذه الاغنية القميئة. وكأن العرب عربان مشتهية لالتواءات وانحناءات واهتزازات الأجساد العارية بألوانها واحجامها المختلفة في عروض تجلب الى الاذهان رؤية الاستشراق للعرب والمسلمين على الارائك تحيطهم الجواري من كل اتجاه. جوقة مريام وطقاتها كانت اقرب لمشاهد أفلام رديئة تعبر عن الغانيات والراقصات على حواف الحانات في ازمنة الانتداب.
هل انتهى الابداع من العالم العربي لينتهي لهذا المشهد الذي اوصلنا الى ذروة الاشمئزاز من عري وهز وكلمات هزيلة ولحن مزعج في محاولة تقليد فاشلة لشاكيرا وجواري السلاطين في تجسيدات المستشرقين؟ تألمت بتلك المشاهدة وتصدعت اذناي. غضبت وامتلأت اشمئزازا لهدر الأموال وحالة الفلس التي تمثلت بذلك الأداء الشيء للغاية. لماذا لم يفكر صناع الترفيه بفرق مصرية كتلك او تلك التي قدمت عرض نقل الموميات او افتتاح طريق الأسود في الأقصر؟
هل ضاقت حناجر المطربات العربيات الا من صكيك طقات مريام فارس واهتزازات جسدها العاري الفاضح؟
لو كنت مكان منظمي هذا المونديال لقاضيت وطردت من جلب مريام فارس وتلك الجوقة الرديئة بافتتاح المونديال.
تلك الاغنية اسقطت كل دفاعات امام اتهامات العبودية والتشغيل المفرط اثناء التحضير للمونديال في السنوات الأخيرة. اسقطت كل دفاعاتي امام حرية قطر بتحديد حرياتها بين كحول ومثلية. وكأن العالم بلغ ذروة فضيلته الا من رذيلة قطر!
تذكر العالم الفاضل ان احتجاز العمال واجبارهم على ساعات عمل طويلة تحت الشمس الحارقة مجحفا لحقوق الانسان، وكأن قوارب الموت التي يلجأ اليها العالم الأقل حظا في هذا العالم نحو الغرب القاسي والعنصري ليست بمشكلة. وكأن الرق الأبيض وتجارة الأعضاء ومناجم الموت في افريقيا على مدار القرون والعقود لا تخص الإنسانية الغربية ولا تقد من مضجعها الامن لحقوقها.
وقطر في قمة ازدواجيتها لا نعرف ان كانت تمثل الدين الإسلامي ووحدة الشعوب العربية بين منع للخمور واحتضان الفرقاء في خيام المونديال من قواد الساحة الفلسطينية المتفرقة والمتشرذمة والمتناحرة وعوائلهم. وكأن منع الكحول في المونديال قرار سيادي إسلامي، في حين ان ما جرى لم يكن حكرا على مونديال قطر. وكأن ملاعب المونديال هي الكعبة. وكأن الكحول والهز والعري والخيم هي رموز الإسلام في حربه وسلمه، في ارتقائه واخفاقه. الإسلام السياسي بين منع الكحول في الظاهر وهز الوسط بطقات مريام فارس وتدلي ثدي ممثلة الاباحة الامريكية.
ربما تشرب قطر من كأس تحالفاتها المزدوجة الملتفة على كل الحبال في الهجوم عليها الآن. ولكن لا يمكن الا القول ان ما استطاعت ان تنجزه قطر من حيث التحضيرات والنتائج المذهلة التي رأيناها سيبقى مذهلا لوقت طويل، ليؤكد ان المال يصنع المعجزات.
لا اعرف كيف يمكن ان يتم افتتاح بهذه العظمة توجت بالفعل بظهور غانم المفتاح بنصف جسد ومتلازمة بهذا الابتلاء، ليهز وجدان العالم ويجعل المرء ينظر الى دولة، وعائلة، وام، وطفل\مراهق متمثل بغانم وصوت صدح بآيات قرآنية وكلمات مليئة بالإنسانية. مشهد مؤثر عظيم بكل المقاييس بقصة غانم مفتاح. مشهد يكفي قطر فخرا حقيقيا.
ولكن…. تبقى مريام فارس وجوقتها وجها آخر لعملة قطر المزدوجة. القمة والقاع. الارتقاء والسقوط. الغنيمة والسبي. التحرر والعبودية. التقدم والتخلف.
ليمثل كذلك غانم المفتاح بمتلازمته التي تسمى التراجع الذيلي وجهاً مضطرباً بالرغم من ثقة غانم، لقطر التي تتقزّم كشرق مشطور امام غرب قائم ثابت حتى لو كان اسود البشرة كما رأينا في العرض الافتتاحي ممثلاً بمورغان فريمان.
