الإنسانية في حرب “التاج- العرش” بين اعتلاء وسقوط

العلاقات الإنسانية بتعقيداتها المتشعبة والمتداخلة، تبقى معضلة البشرية التي يصعب وضعها في إطار محدد. الحب والبغض. الإخلاص والخيانة. التلاقي والتباعد. الاعتياد والتمرد. الزواج والطلاق. قد تطول قائمة الكلمات وعكسها فيما تحمله العلاقات الإنسانية بتشعباتها. ويبقى السؤال البديهي امامي: لماذا يصر الانسان المتزوج على تعاسته وتعاسة الاخرين في حين انه يستطيع ان يحسم امر حياته بالطلاق. والجواب بديهي أكثر، ويتمثل في كلمتين: الحفاظ على النظام. 

قد كانت الملكة بحاجة الى الحفاظ على النظام. هذا ما كانت تردده الملكة اليزابيث في كل مرة تواجهت مع علاقة ارادت انهاءها بزواج او طلاق. 

يقدم مسلسل التاج الكثير من هذه الأمثلة. ربما يكون المسلسل مشابها لقصص حريم السلطان في المسلسل التركي. ما نراه دوما من قبل النساء من اجل الحفاظ على عروشها او التأكد من توريث العرش الى أبنائها. ولكن حتى النسخة البريطانية من العلاقات الإنسانية بجمودها وبروادها الطاغي على الدم الإنجليزي، لم تستطع الحفاظ على النظام المفروض عندما تعلق الامر بالمشاعر الإنسانية. ولكن كما دوما يغلب النظام على أي مشاعر. 

بين علاقة الأمير تشارلز والاميرة ديانا وكاميلا، وبين علاقة الأمير فيليب والملكة اليزابيث وبيني، تبدو باقي العلاقات كارتدادات للإنسانية. قصص الأبناء في تلك العائلة وبناتهم. ردة الفعل والتمرد. الانهيار والصعود المتكرر وكأنه متلازمة القلب المكسور. يصر دوما على الصعود من جديد بعد كل انهيار ليرمي نفسه في جحيم الألم المرير بالتضحية من اجل الحفاظ على النظام. 

وبين كل هذا، نعيش نحن البشر العاديين معضلة مشاعرنا المتخبطة في هكذا علاقات إنسانية متكررة ومتداخلة تزداد تعقيدا بداخلنا، ولكننا كالملوك والامراء نكمل حياتنا على طريق الحفاظ على النظام. 

حب تشارلز لكاميلا يستحق التقدير إذا ما رأينا نهايته. فلقد توجها ملكة في نهاية المطاف، وبدت واياه كمن انتهج قاعدة القافلة تسير والكلاب تنبح. ولكن من ناحية أخرى، تلك العلاقة تكللت بهذه النهاية بسبب قوة النظام وسيادته. قوة تشارلز الذي تصرف كملك منذ البداية. ولي العهد هو الملك القادم بالتأكيد. فكانت كلماته أوامر. وايحاءاته تنفذ بلا تردد. وعليه، تصرفت كاميلا بحماية وهي عشيقة. لم تأبه لزواج ولا لزوج. لم تأبه لعالم شهد خيانتها لزوجها. لم يكن الزوج وعائلتها الا أدوات موجودة يمكن التعامل معها حتى يعطي الأمير ولي العرش أوامره. 

قد تتحكم سطوة الذكورية بي مهما حاولت التخلص منها. فلا زلت انظر الى خيانة المرأة المتزوجة بطريقة أخرى عن نظرتي لخيانة الرجل. أحيانا أفكر انها نظرة استعلائية، كأن المرأة مخلوق أسمى من الرجل، اقوى منه، أكثر اخلاصا وتفانيا. العائلة بالنسبة للمرأة ليست زوجا فقط، ولكن أبناء. المرأة تبقى دائما في زواجها من اجل الأبناء.

او ربما يكون الأبناء حجة كل امرأة لا تريد الطلاق…كما الرجل. 

لأن الزواج في نهاية المطاف جزء من نظام أسمى من المرأة والرجل. نظام يجب الحفاظ عليه. 

الملكة اليزابيث تغضب (ببرودة) من علاقة زوجها ببيني، زوجة ابنه بالتعميد. تطلب منه انهاء العلاقة، ولكن فيليب يدافع عن علاقته بقوة. يعطي تلك العلاقة وصفا لا يحد عنه: رفقة وصداقة. وبدلا من ان يقطع لاقته بها يطلب من الملكة تقريب الأخيرة منها.

بين بيني وكاميلا فرق كبير بالتأكيد. وبالتأكيد كذلك ان الأمير فيليب لم يكن كابنه تشارلز. بين الدفاع عن المرأة الأخرى في حياة كل منهما نستطيع ان نفهم طبيعة العلاقات والبشر. فبعد فضيحة كاميلا وتشارلز بما صار يعرف بكاميلا جيت تنكر تشارلز لتلك العلاقة ووصفها بانها صديقة مقربة كغيرها من الصديقات الاخريات الكثر، على الرغم من سماع بريطانيا والعالم بالتسجيلات بينهما في تأكيد بأن تلك العلاقة كانت علاقة رومانسية بين شخصين متزوجين من اخرين. على الرغم من ان تشارلز اثبت نذالته عندما لم يدافع عن تلك العلاقة على الرغم من انه كان مطلقا عند نشر التسريبات. ولكن أكثر، بيّن انها واحدة ضمن علاقات كثيرة مشابهة. تحول كاميلا الى الشيطان امام الجمهور بقدر ما كان مليئا بالحقيقة الا انها كانت ضحية الأمير الأكبر. لأنها خرجت بفضيحة طالت زوجها وابنائها وعائلتها. ومع هذا لم تأبه كاميلا… لأنها كانت برفقة ولي عهد بريطانيا القادم. 

من اجل هذا ستبقى صورة كاميلا مشوهة الى الابد في اذهان الناس: امرأة خائنة، لعوب، سارقة ازواج، بلا كرامة… حتى لو توجت ملكة على عرش بريطانيا بعد حين. 

في مشهد مقابل، كانت ازمة الملكة مع زوجها فيليب، الذي دافع بقوة عن علاقته هذه وميزها بين علاقاته السابقة. وكأن لفيليب الحق في تمرده أحيانا لأن كونه زوج الملكة ابقاه دوما في ذيل تلك المملكة. تناقش الملكة امر الزواج مع رئيس وزرائها جون ماجير بمناسبة اقتراب عيد زواجها ال ٤٧ بعد مشادة (باردة) بين زوجها فيليب أصرت خلالها الملكة انها فيليب كانا توأم روح، وقام فيليب بتعديد الفروقات بينهما بادئا بكونه أرثودوكسي مقابل كونها كاثوليكية. نصيحة ماجير الذي كان عمر زواجه ٣٤ سنة كانت بمقولة لانا كارينينا عن زوجها. 

هل لنا ان نتخيل عظمة ذلك التشبيه؟ 

انا كارينينا بطلة رائعة تولستوي تعطي نصيحة للزواج الناجح والزوج المثالي.

لم يستطع فيليب الطلاق، او التفكير به، او التجرؤ أصلا بالتفكير به، ولكنه قرر من الاعتياد طريقا وحيدا لبقائه في ذلك الزواج الصوري. تخبط وتمرد واعترض واظهر عدم ارتياحه دوما، ولكنه كان دائما يرجع الى العرش ككلب مطيع. تبدو علاقة الملكة بكلابها مقابل علاقتها بفيليب مثيرة للاهتمام كذلك في تصوير المسلسل. فنراها بإحدى المشاهد وهي في قمة سعادتها بينما تلاعب كلابها بعد مشهد لمشادة بينهما عن اختلافهما ويأسه من ذلك الزواج مقابل ايمانها به واعتدادها بأهمية ذلك الزواج الذي انتصر على كل شيء بقدرتها واصراراها وايمانها ان السيادة دوما للنظام. نظامها. نظام العرش السماوي الذي منحها زمام الحفاظ على العرش الدنيوي.

استطاع تشارلز الانتصار لحب حياته بكسر وتحطيم وانهاء حياة ديانا. فالنظام من اجل استمراره تطلب ذلك. 

استطاع كذلك فيليب الانتصار لنفسه ولصديقته لأنه كان قد وصل ربما من العمر ما جعله يستطيع الدفاع عن حب افلطوني الطابع على حسب تأكيده. ففيليب الكهل كانت قد انتهكه الحوم حول الملكة الام، ولم يبق من طاقته الا التجول نحو زهرة يشم عبقها. 

ربما الحفاظ على النظام الذي يستوجبه بقاء مملكة يحتاج الى هكذا تضحيات. بالنهاية ذلك العرش منتصب بأوامر الهية. ولكن الحقيقة أخرى مهما حاولت الملكة وحاشيتها الادعاء والتبرير ان النظام يجب ان يسود ببقاء الزواج كمؤسسة تعبر عن النظام وتحافظ على سيادته. ان المشاعر الإنسانية هي النظام الحقيقي. من لا تسوده مشاعره يبقى مأسورا خلف جدران البؤس. لا يهم ان كانت تلك الجدران تعلوها سقوف القصور او الزينكو. 

بؤس تدفع ثمنه دوما النساء. كما حسمت نهايته انا كارينينا بانتحارها، وديانا عند موتها الغامض. لأن النساء يدفعن ثمن حرمانهن من كل ما يعلقهن بالحياة بدءا من ابنائهن وانتهاءا بمن اختارهم قلبهن…الا من كانت كاميلا يحميها ولي عرش يسود به النظام. 

اترك رد