قضيّة الأسرى في معتقلات الاحتلال بين المعاناة والتّرويج

قضيّة الأسرى في معتقلات الاحتلال بين المعاناة والتّرويج

لم أعد أذكر متى كانت قضية اوّل طفل سُرقت طفولته في غياهب الزنازين. فلم يعد هناك فرق بين طفل ورجل او امرأة. لم يعد الاحتلال يميّز الا ذلك الخطر المحدق امامه لكل ما هو فلسطيني. وكأن الفلسطيني شبح يطارد ضمير الجنديّ الإسرائيليّ فيصارعه بين اعتقال او قتل. لم يعد هناك تمييز للطفولة ولا للجنس ولا للعمر من صبا الى كهولة.

عشت بعض تفاصيل تجربة عائلة وقع ابناها، طفل وفتى، في الأسر فجأة، وصراع الأم في محاولات إيجاد بيت ليأوي ابنيها في سجن بيتيّ حتى موعد المحاكمة. 

تعجز الكلمات عن وصف الألم والوجع والذل الذي تعاني منه العائلة إذا لم تكن مقتدرة تستطيع ان تجد بيتاً بديلاً. ذلك الوجع الذي تعيشه الأم في كل لحظة تتذكر فيها ان ابنها في عراء الزنازين وقسوة التحقيق وحشره بين الاغراب لا تدري من الصالح ومن الطالح. من الوطني ومن العميل. من المجرم ومن البريء. 

رحلة لا أستطيع وصفها، وأتمنى الا اذوق مرارة عيشها لوصفها. كم نشقى نحن الأمهات والاباء في قلق علي أبنائنا من صحبة سوء او تواجد في مكان لا نعرفه. فكيف عندما نعرف ان فلذات اكبادنا في هكذا وضع. 

لا اعرف كيف يستطيع والدا احمد مناصرة التحمل. لا اعرف كيف تستطيع تلك الصديقة التعامل مع قلقها ورعبها. 

ولا تختلف قضية الاسرى من الأطفال كثيرا عن قضية الاسرى الآخرين الا باختلاف فكرة الطفولة التي تسلب قبل ان يسلب السجن الحياة كلها من المعتقلين. 

أذكر صديقة تم اعتقال زوجها، قدّمت، ربّما أهمّ مثل يمكن الاحتذاء به في هكذا أزمات. فقد تبنّت هذه السيدة قضية الأسرى برمّتها، وصار كل أسير يخصّها. لم تعد تميز بين قضيّتها الخاصّة وتلك التي تخصّ عموم أهالي الأسرى. وصارت كل قضايا الاسرى قضيتها. 

كصديقتي هذه التي سُجن ولداها، تخبطَتْ في إيجاد من يحمل معها الوية المناصرة لهذه القضية. كنت اشعر بها بينما لا تزال تحاول أن تمسك باي فرصة من اجل اعلاء الصوت في هذه القضية. 

بين الاسرى واهلهم تبقى الأساليب المختلفة التي يحاول من خلالها من هم خارج المعتقل تجنيد كل ما يمكن من اجل مناصرة قضية ظلم تسلب أبسط حقوق الانسان في العيش بحرية. 

كل قضية اسير هي قضية خاصة وعامة في نفس الوقت. فلا أحد محمي في ظل حياة يقمع ما تبقى منها احتلال. كلّما توسع نطاق المناصرة للقضية الخاصة استطعنا ان نجلب الاهتمام للقضية العامة. وكلما قويت القضية العامة كلما زاد الضغط من اجل رفع الظلم عن الاسرى جميعهم من مقاومين وأصحاب رأي.

في المقابل، فإنّ هناك محاذير واضحة للإفراط في إبراز البعد الخاص او الفردي لقضية الأسرى، خاصة في الحالات التي من شأن إبرازها كجزءٍ من كلٍّ أكبر وضْع قضيّة الأسرى برمّتها في مكانها الصّحيح في اتجاه إنهاء هذا الوجه البشع للظّلم الذي يعيشه شعبنا. فمن جهة، إن تحرير أيّ أسير لا يعني حريّته، والّتي لا يمكن أن يتحقّق الشّعور بها الّا بتحرير جميع الأسرى. ومن جهة أخرى، فإنّ في إبراز البعد الخاص، وما يحمله في ثناياه من مظاهر احتفاليّة أو ترويجيّة احتكاراً لقضيّة عامّة بحجم قضيّة الأسرى، بما يجزّؤها وبالتالي يضعفها. وكذلك فإنّه دون شك يترك الكثير من الحسرة في قلوب الآباء والأمّهات من أولئك الذين لا يزال فلذات أكبادهم يقبعون خلف القضبان، وخاصّة منهم من لا يمتلكون القدرة المادّيّة أو المكانة الاجتماعيّة او الفصائليّة ما يمكّنهم من إبراز معاناتهم الخاصّة.

أحياناً، أفهم المساكين من النّاس الذين لا قوة ولا ظهْر لهم… كصديقتي التي لا غالب لقضيتها الّا الله. 

اترك رد