تخطى إلى المحتوى

وطن ينخر أوصاله الفساد 

وطن ينخر أوصاله الفساد 

انتهى عام وبدأ آخر، وتتدحرج الاحداث في تدهورها وسط قعر سحيق. يسحقنا ونكاد لا نسمع دويّ السقوط المتتالي لما تبقى منّا…وطناً ومواطنين. 

أخجل من التسميات. فالوطن كان كلمة تفوح القدسيّة ممّا تحمله من قيم ومعانٍ سامية. والمواطن كان حربة في قوس موجّه صوب الظلَمة والمحتلّين. ولكن أمسى الوطن عزبة للفاسدين والمواطن بات حطباً يُباع تارة، ويُشعل تارة، ويتناثر غباراً يحجب الرؤية ليغدو كل ما حولنا رماديّاً داكناً. 

أين يمكن أن نقف لمراجعة ما يحدث؟ هل هناك مكان للوقوف؟ 

ما الذي علينا مراجعته؟ وكيف؟ 

وهل نقوى على الخوض في معركة التخلص منّا وقد أنهكنا بعد ان انتهك الفساد حرمة وجودنا كوطن ولم يتبقّ منّا إلّا ما يكسو وجودنا من رداء البشر؟ 

كيف لنا أن نبحث وضعنا المزري ونناقشه والتّراب يحتضن كلّ يوم شهيداً؟  كيف لنا ان نوجّه أصابع الاتهام نحو رصاصات القتل ونحن نعرف انّ من يصوب السلاح ليس الاّ مأمورا او أجيراً. 

كيف لنا ان ننتقد قبح الاحتلال من اضطهاد وتصفية عرقية ممنهجة وعنصرية، بينما ينخر الفساد فينا من كل اتجاه؟ 

فسادٍ حتّى النخاع، فضائح سفارات ما كان ينقصها سوى المتاجرة وتهريب الكحول. لم نعد نعُدّ ولا نتابع الاعتقالات والتعذيب ومن يقتل ومن يهدر ومن يرمى في غياهب غرف التّحقيق والتّعذيب. 

لم نعد نميّز بين اعتقالات السلطة والاحتلال الا من رحمة تبدو أقرب اذا ما كان الجلّاد سلطة الاحتلال. 

هل بقيت أراضٍ لم يتم تسريبها لمصلحة المستوطنات او لاستثمارات اولي السّلطة؟

هل بقيت مدرسة في القدس لم تخضع للمنهاج الإسرائيلي؟ ربما لم يعد مهماً الحديث بينما لم يعد هناك أهمّية للمدارس الا بكونها مكاناً لحشر الطّلاب فيها لبعض السّاعات قبل ان يلتقفهم الشارع باقي اليوم والمساء. 

هل لنا أن نتحدث عن الأخلاق والقيم والتّربية؟ فالسّلاح صار صوت الحقّ والمخدّرات والسّموم هي فلسفة الأخلاق والقيم. 

جيل يكبر على أحكام التكتوك ومواعظ المؤثرين في سباق التّعرّي والانحراف والفضائح من المشاهير.

صرنا نخاف الخروج الى الشارع خشية رصاصة طائشة أو مقصودة، فالموت الذي لا تسبّبه الرصاصة يؤكّده وضع المستشفيات والخدمات الصّحّية. فويل لمواطن ساءت صحّته واضطر الى خدمات صحّية في هذا الوطن. 

وطن يكثر فيه الأطبّاء وتشح فيه الخدمات الطبية، وتطفح منه الأخطاء والكوارث الطبّية.

 وطن يكثر الاعتداد فيه بالإنجازات الثقافيّة وتنعدم فيه الثّقافة.

وطن تكثر في الشهادات الجامعية وينتشر فيه الجهل ولا يستطيع المتعلم فيه تركيب جملة صحيحة. 

وطن يكثر فيه الأدباء والكتّاب والباحثون ويقلّ فيه الأدب وتمتهن فيه الكتابة، والبحث فيه من الانتحال ما يطغى على الأصالة.

وطن تلمع فيه المواقع كالنجوم وتتهاوى فيه الاخبار كصواعق في أعماق محيطات…بلا أثر او تأثير.

وطن تكثر في الاستثمارات وتعلو فيه الأبنية والعمارات ويزداد فيه الفقر ويصبح التسول طريقة حياة والعوز يكسر كرامة الانسان والحاجة تكسر القلوب. 

وطن تكثر فيه السفارات وتتحول فيه الدبلوماسية الى تجارة مشبوهة واستثمارات وعقارات وتهريب كحول.

وطن تكثر فيه المحاكم والأجهزة الأمنية وينعدم فيه العدل والامن. 

وطن تكثر فيه الفتاوي وتنتشر فيه الملهيات والمواطن تائه بين دين يدخله الجنّة وديْن بنوك يلف حباله حول رقبته.

وطن سُلب من أصحابه وصار المواطن فيه سلعة تعرض حسب طلب المموّلين. 

وطن يسود فيه الظالم وتاجر المخدرات واللص وصاحب الاسبقيات والعميل، ويهان فيه المعلّم ويحقّر فيه العامل ولا مكان فيه لمن يمشي الصراط المستقيم. 

وطن يعلو فيه علم الفصيل ويسقط فيه المواطن.

وطن يقف أمامه حنظلة لا يكبر، منتظراً لحلم بعيد

وطن يستقبل يونس وقد خرج من بطن الحوت البغيض 

وطن ينتظر عدالته نزار 

ووطن يستحق زهو روح شيرين 

وطن لا يزال للحلم فيه متسع لأمل 

كيف لوطن ان يتعافى وقد نخر الفساد أوصاله؟ 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading