لا يوجد ناجيات، هناك فقط ضحايا لمنظومة فساد تهتك بالشعب:قضية ميرفت العزة

لا احب استخدام كلمات ومصطلحات النسوية التي لا اعرف ان قدمت لنا نحن معشر النساء شيئاً، خصوصا اذا ما نظرنا الى تدهور حالنا الذي لا ينتهي هويّه الى قعرات اكثر سحقا من تلك التي تسحبنا الى هاوية لا قرار لها.

اتابع ما يجري مع الصحفية ميرفت العزة منذ ايام ويتملكني الكثير من المشاعر . ميرفت النسوية الشرسة التي لطالما تسمع صوتها عاليا اذا ما اقترب احدهم من انثى عنوة.

تتردد الى مسامعي عبارة اذا ما كانت ميرفت القوية تم التحرش بها في مستشفى وبالرغم من صراخها واستنفادها واصرارها الا انه يتم حشرها في زاوية مليئة بحد السكاكين من كل اتجاه . فما الذي يجري مع من هم اقل قوة من ميرفت ؟ ما الذي يجري مع من لا صوت لها ولا قوة ولا جرأة؟

منذ مدة قررت انه لا امل حتى بمحاولة التعبير من اجل تغيير او اصلاح في هذه المنظومة السلطوية البائسة البالية. فلم يعد من المفيد الكلام ، نحن محاصرون من كل اتجاه ، من يتكلم يخسر ومن يسكت يخسر. من يحاول يخسر. من لا يحاول يخسر… اي حال اوصلونا اليه؟

نحن في بلد تستبيحها رصاصات قناصة الاحتلال والياته العسكرية ولا نستطيع الا ان نشجب همجية الاحتلال . نحن في بلد يسرقها ويمص عروقها من يؤمن عليها ، ترى العين فتغض النظر، واللسان اذا ما حاول التعبير يقطعه صاحبه قبل ان يتعلق في غياهب المعتقلات وغرف التعذيب والتحقيق.

نحن في بلد يضرب فيها المعلم من اجل فتات القوت ولا يتأثر طلابنا من اغلاق المدارس ، فالتعليم لا ينتج علما والمدارس لم تعد حتى قادرة على ضبط السلوك.

منظومة سقط فيها حقل تعليمها ماذا تبقى منها؟

تعليم ينتج قطاعات مأساوية وكارثية في كل شيء .

الصمت اصبح عارنا الذي نلبسه والسكوت صار طريقة حياتنا .

ولكن ميرفت دقت جدران السكوت باستغاثتها ودوى صوتها صمتنا الفادح. فالفضائح صارت اعتيادية، ماذا يعني تحرش اخر والنساء تقتل ، والرجال يقتلون، والارواح تزهق بلا رحمة من كل صوب؟

كيف لها ان تتجرأ وتصرخ ؟ فمن قبل قتلت اسراء بدم بارد وتحمل الجن مسؤولية قتلها. من قبل قتلت نيفين وبقي دليل القتل بملقط الحواجب سند براءة القتلة. لمَ لا تكون ارتجاجة يد الطبيب الذي تحرش بها ممسوسة بجن كذلك ؟ لو وفق الله الوزيرة التي اعلنت ان الرجل مصاب بيده وتذكرت قصة اسراء لحملت الجن مسؤولية التحرش.

ا الذي نتوقعه من وزيرة صحة تسقط منها الكلمات ولا نأبه حتى بالرد عليها لأن سقطاتها لا تؤخذ في جلبة حسن نواياها. هل هي مسؤولة عن تردي وانهيار القطاع الصحي؟

الجواب لا .

كما ان وزير التعليم غير مسؤول عن انهيار التعليم . فالمسألة اكثر تعقيدا واسوأ من ان يتم تحميل مسؤوليتها على شخص. المنظومة منهارة بأكملها ، حتى رئيس الحكومة لا يتحمل مسؤولية انهيارها . فكل الادوار عبثية الا من مسمياتها الوظيفية التي تعطي افرادها مزايا تحميهم من الحاجة الى نظام التعليم والصحة في هذا البلد .فيتعلمون بالخارج ويتطببون لدى اسرائيل او الخارج.

ما الذي تبقى لنا ان نقوم به في هذا المجتمع ؟ ما الذي يريدونه منا ، ان نرحل ؟ لا نستطيع ان نرمي انفسنا بقوارب لعل البحر يرمينا الى شاطيء بلد ربما نأمن به على حياتنا . بالكاد يستطيع الانسان في هذا البلد مشاهدة البحر وتخيله.

بالكاد نستطيع الحصول على تأشيرة سفر ، فكيف لنا ان نحصل على تأشيرة هجرة او لجوء؟

بينما كنت اشاهد فيديو ميرفت فكرت بالخطر الجديد على حياتها ؟ اذا ما نجت من الضغط الحالي عليها بين نيابة ومؤسسات دولة متواطئة وبين مجتمع يريد ستر المتحرش والتستر عليه ، هل تنجو من حقده عليها وحقد من يرى في تجرؤ ميرفت على المضي قدما من اجل اخذ حقها ؟

لا استغرب ان تكون حياة ميرفت في خطر ، ولا اعرف ان كان هناك مكانا امنا ، فكونها صحافية لم يحمها ، وكونها تحمل الهوية المقدسية لا يحميها ، وكونها امرأة في مجتمع يحمي القاتل والمتحرش والمعتدي سيعرضها فقط للمزيد من الضغط والمخاطرة.

اخاف ان اقول كلنا ميرفت ، لاننا من قبل قلنا كلنا اسراء ولكنا نيفين وذهب دم اسراء ونيفين وعشرات النساء هدرا بلا محاسبة. من قبل قلنا كلنا نزار وراح نزار وبقي الظلم اكثر ظلمة والقتل صار بالمجان والاعتقالات بلا محاسبة ولا رادع للبطش والجبروت الا المزيد منه.

لا اعرف كيف ومتى سنخرج من هذه الهاوية اذا ما توقفت عن سحبنا اكثر الى قعرها ، ولكني اكيدة اننا انهكنا… انهكنا كنساء وكرجال . انهكنا كمجتمع.

متى سنرقى بوجودنا الى مستوى المجتمعات الانسانية ؟ لطالما القاعدة هي الامن من العقاب للمجرم والقاتل والمتحرش والفاسد ، فسيستمر هؤلاء باساءة الادب والقتل والهتك والاخرس والفساد.

كلنا ميرفت … وكلنا اسراء وكلنا نزار….

كلنا من قبل نيفين عواودة وضحايا كثر لم نعد نعرف اسماءهم ….ولم نعد نقوى على عدهم .

لا يوجد ناجيات في فقه القتل والتحرش والفساد . يوجد ظلم واقع لا يوقفه الا المحاسبة الحقيقية … ولكن كيف لنا ان نفكر بالمحاسبة والفساد يخرم بنا كالدود يخرم بالخشب ، كالسرطان المنتشر بالجسد؟

اترك رد