تحت الوصاية 

تحت الوصاية 

منى زكي فنانة بكل المقاييس. قدرة عظيمة على تأدية الدور والانسياب نحوه والانغماس به لتجعل المشاهد يعلق عينيه وحواسه نحوها. بكيت وانا اشاهد الحلقتين الأخيرتين وكأني في جنازة فقيد عزيز.  

قصة المسلسل تدور حول امرأة “حنان” توفي زوجها وترك لها طفلين ومركب صيد. يأخذ الجد الوصاية على أموال الابن المتوفي وتعيش الام واطفالها في عوز. تتضاءل طلباتها حتى يصبح الامر مستحيلا. فتقرر الهروب بأولادها والمركب لتشغيله من أجل تأمين عيش كريم لأطفالها. تجاهد وسط عالم ذكوري لا قبطان فيه الا الرجل. لا صاحب لمركب الا رجل. لا مكان لامرأة في عالم يحكمه رجل: الصيادون والتجار وأصحاب المراكب. تقع في شباك المرابين والتجار الشرهين والصيادين المتلصصين للقمة سهلة. ينبذها صاحب البيت ويطردها قبل ان يحنّ قلبه ويعجب بجسارتها. لا تجد مدرسة لابنها الذي هربت من اجل ان يستطيع ان يلتحق بمدرسة ويحقق موهبته بلعب كرة القدم، فلا يمكن تسجيله الا من خلال صاحب الوصاية عليه. يكاد البحر يبلعها مرارا، ويحاربها التجار وينفق السمك وتقع في شرك المرابين ويحاول استباحتها الصياد ويسرقها اخر ومع هذا لا تتوقف. في المقابل، عم الأبناء “سيد” الذي أراد المركب ليكون قبطانا صاحب مركب تقبل به حماته المستقبلية. نرى شخصية كسولة تعيش على ما تركه الاخرون لها، ولكن لا يستطيع ان يتقن حرفة ابيه، فوجد من مركب أخيه الذي كان يرافقه في الصيد فرصة وجوده، فيلاحقها بلا كلل حتى يجدها ويجد المركب ويتحالف مع العالم الذكوري بأسره بكل سهولة. التاجر “مبروك” الذي قطع رزق “حنان” وتصدى لها كأنه يتصدى لعزرائيل في حرب الحياة والموت، قرر دعم “سيد”. وفي مشهد يكاد يكون اسطوري الطابع يقف معشر الرجال من الصيادين وأصحاب المراكب والمسؤولين بانتظار عودة المركب من رحلة صيد كانت الأفضل على الاطلاق، تقوم “حنان” بالتصدي للجموع واستعطافهم ربما بفكرة احقيتها وأولادها للمركب، وسرعان ما يتحول الامر الى كونها امرأة تجول في البحر مع رجال. يصبح “الشرف” هو المحور، ويقوم “مبارك” لا سيد بالدفاع عنه. يحتاج فقط ان يقول للجموع المحقنة بانتظار تطهير الشرف: ” هذا مركب خطيئة” ليتدفق الجموع لحرق المركب وما فيه ومن فيه. 

يندم “سيد” ويكفي ندمه ليتطهر…

ولكن خطيئة “حنان” لا يوجد ما يطهر دنسها، فالقانون واضح والفعل فادح: انها امرأة تجرأت على ان تكون قبطان مركبتها لأنها صاحبة الوصاية على أولادها. 

ولكن الموضوع أكبر من مسلسل، وطاقم، وإخراج، وإنتاج. الموضوع فكرة..

فكرة الظلم الواقع على الاناث في مجتمعات تعشعش فيها الذكورية لدرجة تخنق فيها الانثى لتجعل وجودها عدميا الا من دور التابعة او الجارية، لا يهم ان كان لهذه الصفات اسما اخر، زوجة، اخت، بنت، ام. الانثى تابعة لذكر لا يهم شكله او نوعه. لا يهم ان كان ناقصا او زائدا. يكفي ان يكون ذكرا ليكون صاحب الوصاية. 

يكفي ان يكون ذكرا ليكون هو الاحق والحق. 

كم قصة تعيد انتاج قصصا شبيهة بقصة ام تحارب من اجل الوصاية على أبنائها من اجل ان تربيهم؟ 

كم قصة تسحق فيها الأم ويعيش الأبناء بجروح لا يلتحم ابدا جراحها؟ 

كم قصة نعيشها يوميا كإناث منذ ان يحكم علينا القدر منذ مجيئنا الى هذا العالم بالدونية؟ 

كم نخدع في كل لحظة من وجودنا على هذه الحياة بأهميتنا وقيمتنا لنسوّى تحت فوقية الذكورية التي تتربع على ملكوت الكون؟ 

كم من “حنان” لم يحنّ عليها أحد؟ 

ربما جاء الوقت لينتهي العالم من الاناث! قد تكون الاكتشافات العلمية الأخيرة بإمكانية حمل الرجال اهم ما يقدمه العلم لنا. لنخلص هذا العالم الذكوري منا ونمنحه صفوته الخالصة!

خدعونا حين زعموا ان المرأة تحررت وكرمت حين قالوا انّ الوأد زمنه انتهي. 

الانثى في مجتمعاتنا تعيش كالموؤدة حتى تقرر ان تحمي نفسها، فيقرر المجتمع التنكيل بجثتها ويجعل منها عبرة لكل موؤدة تجرأت بالتحرك من الحفرة المخصصة لها. 

الأنثى مصانة لطالما كانت خاضعة، خانعة، مطيعة. 

الأنثى مقدرة لطالما كانت كلماتها ارتدادا لما يفكر فيه الذكر.

الأنثى الام التي تجري من تحتها الجنات لطالما كانت مضحية بنفسها. 

الأنثى موجودة في هذا العالم لتكون أضحية الذكورة التي تحتاج دوما ان تسمن بلحم وشحم الأنثى كيفما كانت؛ اما، اختا، زوجة او حتى عشيقة او عاهرة. لطالما كانت هذه الاضحية قربان صفوته وقوته وتقربه اكثر من عرش الحق.

في عالمنا هذا الحق هو الرجل والحقيقة هي ما يقره الرجل.

مسلسل تحت الوصاية انتهى بنهاية سعيدة، فبعد ان حرق المركب وحرقت معه امالها بأي عيش ممكن، وحكمت عليها المحكمة بالسجن، استودعها أصدقاء خير واخت وصاحب الولاية الذي ندم على فعلته.

في الحياة الحقيقية “حنان” ترمى بالسجن وأولادها يتبعثرون ليهانوا بين أقارب يلدغونهم للتسلية. تخرج من السجن لتسد في وجهها الأبواب أكثر. تصبح ردّ سجون.  في الحياة الحقيقية لا يبقى صديق ولا قريب. في الحياة الحقيقية يكبر الأبناء ليرموا امهم في العراء. في الحياة الحقيقية ينتصر صاحب الولاية لنفسه وتنتظره عروسه وتعيش في خير اليتامى وتذلهم.  

في الحياة الحقيقية المرأة مثل “حنان” ان لم يعترها الحظ في طلاق لتوسم بالناشز او المطلَّقة، تكون “كالأرملة السوداء” شرّ مستطر!

اترك رد