خضر عدنان… كنت نِدّاً حيّاً وصرت ندّاً ميتاً

لن تنفع كلمات الرثاء ولن تجدي في حق الشيخ خضر عدنان. فلقد خذلناه حيّاً ولن تنفعه كلماتنا ولقد ارتقى للملكوت العليا. 

ارتقى من الرملة بين جدران المعتقلات المجحفة التي يستقوي أصحابها بقوة سلاحهم وجبروتهم. ولكنهم أبدا لا يستطيعون كسر إيمان إنسان ارتقت روحه دوماً لترى الدنيا ومن عليها بفنائهم وهوانهم. 

في الموت يرينا الخالق أحياناً حكمته باصطفائه لمن هم أعلى شأناً من البقاء على هذه الأرض. خضر وارتقاؤه من الرملة حيث يرقد الخضر عليه السلام. قد نلتمس لأنفسنا بعض الراحة في التفتيش عن رموز تعلقنا بأمل لعدالة لم تحققها الأرض لأصحابها. بين ارتقاء خضر وشيرين ونزار يزداد بحثنا عن نجوم نعلق عليها تمنياتنا وسط واقع مجحف ظالم. 

خضر عدنان كان مدرسة في حياته، وغدا جامعاً للبطولة في مماته. 

قد يكون جسده آخر من خانه في حرب الأمعاء الخاوية التي قادها منفرداً. ولكن كيف لا يخون الجسد والخيانة مصوّبة نحوه من كل. اتجاه؟ لقد تركناه وحيداً في معركته ولم نرق حتى الى درجة التظاهر. وها نحن في نفس القدر من الخذلان حتى في غضبنا او حزننا. لم يعد هناك ما يحرك مشاعرنا الملبّدة الخاوية من الإحساس. 

لهذا، لن ينفع تباكينا ولا احتجاجنا على رحيل خضر عدنان ومعاناة من بقي خلفه. يكفيه ذكرى تخلدها مواقفه وقوته وصبره وتحديه الى الابد. 

يكفيه زوجة كزوجته وأبناء كأبنائه. تلك العائلة المجاهدة بكل معنى الكلمة. 

من الرحيل ما هو ارتقاء… ولقد ارتقى خضر عدنان بروحه وترك لنا جسده لعلنا نتذكّر. 

في كل رحيل عظيم نجد أنفسنا امام حدث جلل، يكون فيه الانسان أكبر من جسده، يكون الموت فيه أكبر من الحياة، يكون فيه الرحيل ارتقاءاً وصعوداً وكأن السماء تفتح أبوابها مستقبلة لإنسان أكبر من الإنسانية المهانة على هذه الأرض. 

هناك من يعظم شأنه أكثر في الرحيل ليبقى. 

ستبقى يا شيخ خضر عدنان بوجهك المشع بالإيمان والتواضع والحُسن، نجمة في سمائنا، وفي كوكبة النجوم البهية ممن سبقوك، منيراً لليالينا الحالكة التي تنتظر فجر يوم لم يحن بزوغه بعد.  

وستبقى وصيّتك محفورة في القلوب التي لم تفقد بصيرتها بعد. فأنت كبير في حياتك وكبير في مماتك. 

الصبر والسلوان لكل من شعر بألم هذا الفقدان والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار في عليّين.

اترك رد