كورونا… شرّ أشر

ظننت على مدار الأعوام المشكّلة للكورونا اني نجوت منها. ولكنها باغتتني عنوة ودون استئذان او تحضير. 

في حمى الوجع الطاحن لعدة أيام، كنت اتخيل شكل الاوجاع. كنت كمن دخل في حلم بداخل كهف لطحن العظام. عظامي كانت تحت المطحنة بلا هوادة حتى يتدخل مسكن الالام فيهدئ من رحى المعارك الدائرة من اجل طحن عظامي.

كان هناك متسع من الوقت لمسك الألم وتشكيله في مشهد محدد، لأنه كان متكررا وفي نفس الوتيرة بين نوبات الحرارة وتخفيضها بأثر المسكّن. 

في رأسي، وبينما كانت المعارك الطاحنة تهدئ من دكّها لمناعتي بين الاستراحات، كنت احفر ما يحط على جسدي من اوجاع كمن ينحت في صخر جزيرة معزولة عن العالم لكي يترك اثرا وراءه لعل أحدهم ينقذه. كنت الملم ما تبقى من عظامي استعدادا للمعركة التالية. معركة طحن العظام المستمرة. كنت كمن يخضع للتعذيب في المعتقلات. ما ينتهي المحقق من تكسير وهتك كل ما يمكن هتكه وتكسيره حتى يأخذ استراحة يجعل من ضحيته يستعد بما تبقى من الجسد لمواجهة التعذيب من جديد. 

مظلم، مكفهر، ذلك الألم. وكأنني سحبت الى وادٍ سحيق. رأيت فيه العذاب بتدرجات ألوانه الحمراء. 

حفرة، نفق، معتقل، تبدو المصطلحات متقاربة وذات صلة. كيف يستطيع الجسد في الامه ان يعبر عن حالات القمع والبؤس التي يمارسها البشر على البشر. يصبح الجسد تجسيدا لعيش كل المآسي التي نشاهدها عن بعد وكأنها لا تخصنا. قد يأخذنا هذيان الألم في حمى ارتفاع الحرارة وانخفاضها الى مواقع لم يطأها خيالنا من قبل. فتستحضر الاماً تتحدى الخيال في امكانية وصفها، ولكنها وقعت بالفعل. 

بعد خمسة أيام من صراع الالام بين استسلام للفيروس وجبروته واستلاب مصادر القوة المتخيلة لدي، اشعر انني نجوت أخيرا بعد ان قرر الفيروس انه انتهى مني مع انه لا يزال يجول بغطرسة في داخلي.

اترك رد