شوْك الورديّة 

مدرسة راهبات الوردية أوقعت المجتمع من جديد في فخّ المساس بالمسّلمات. لا تزال ارتدادات ازمة الحجاب تحوم في فلك ذكرياتنا كمجتمع. فكيف تجرأت الإدارة اخذ هذه الخطوة الكارثية برفع علم إسرائيل خلال فعالية احتفالية للمدرسة؟ 

عندما شاهدت المقطع المتداول اصبت بصدمة عدم تصديق ما رأته عيوني للوهلة الأولى، وكان رد المسؤولة كمن يرمي زيت على نار، جعلت مشاعري تشتعل استياءاً وغضباً. وما لبث الوضع ان يتصاعد ليدخل في ازمة حقيقية ذهبت الحلول فيها الى شعارات وتنديدات جعلتني اعيد تكرار مشاهدة ما جرى بعد قراءة اعتذار المسؤولة الرسمي وموقف عائلة الطفلة التي كانت تحمل العلم الإسرائيلي. 

لم يسمح هول المشهد بملاحظتنا للعلم الفلسطيني المقابل، ولم تكن كلمات المسؤولة التي تكلمت عن “الصراع” وعن الأبيض والأسود، الخير والشر كفيلة بصد كارثية المشهد امامنا. 

بالتأكيد، كان هناك عبثية واستهتار حقيقي بعدم ادراك مدى خطورة ما حصل. وعليه يكمن التساؤل: هل كان المقصود مما حدث جسّ نبض المشاهدين وتمرير ما يتم العمل عليه من كيّ الوعي وتغييبه وفرض الواقع المعاش على انه الواقع الدائم؟ 

ام كان الامر ابسط من هذا، وما حصل كان سوء تقدير وفشل في تقديم فكرة بريئة او ذات مغزى نبيل؟ 

في الحالتين هناك كارثة تنتظرنا. فهناك من يتربص لفرصة احكام السيطرة نهائيا على التعليم في القدس. 

الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يتحكم بها رموز التطرف الصهيوني المعادي للوجود الفلسطيني جملة وتفصيلا يتربصون لكل فرصة للانقضاض على ما يمكن الانقضاض عليه، بما يجعل من الخطأ استبعاد أسوأ الاحتمالات. فمن ناحية يستغل المسؤولون من فصيل سموتريتش وبن غفير كل ما يمكّنهم من تنفيذ خطتهم المعدة منذ سنوات كثيرة من استيلاء استيطاني أوسع، وسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه في تخوم المسجد الأقصى، وهدم البيوت في كل مكان، واشعال كل ما يمكن اشعاله من عنف وجريمة وفتن، وقتل يومي بلا محاسبة واجتياحات على مدار الساعة واستيلاء على الأماكن التاريخية والاثرية. فلا محاسبة ولا مساءلة في ظل وضع فلسطيني واهن، ضعيف، منخرط حتى التماهي لإملاءاتهم. ومن ناحية أخرى يبقى ملف التعليم ملفا تشتد قبضة السلطات الإسرائيلية عليه أكثر كل سنة، لنرى خطوات أصعب مع بدء كل عام دراسي جديد. وغالباً ما انتهت ردود فعلنا بمظاهرة او مسيرة او احتجاجات تغرق وسائل التواصل لنتأكد ان ما أقدمت عليه سلطات الاحتلال قد تم تنفيذه. موضوع المناهج الإسرائيلية المفروضة على المدارس اشعلت احتجاجات وخمدت القضية المركزية بفرض المناهج. كيف لا والمدارس صارت جميعها خاضعة لميزانيات وزارة المعارف الإسرائيلية والبلدية. لم يعد هناك داع للكلام عن هذا الامر، فلقد انتهي وبكل اسف منذ سقطت المدارس تباعاً في شرك أموال المعارف وضعف دور السلطة الفلسطينية حتى تم تحييده تماما وصولاً إلى إلغائه الا من بعض الأمور التي ستنتهي لحظة اضطرار تبنّي معظم المدارس لنظام البغروت. 

نحن ينطبق علينا مثل اكلت يوم اكل الثور الأبيض. 

وبما اننا وسط انقضاض علينا، فعلينا التوقف للحظة وسحب هذا الكم من الغضب الذي لن يضر الا بنا. 

بين دعوات لإخراج الطالبات من المدرسة او اقالة المديرة او صب الغضب على عائلة الطفلة، كل هذا متفهّم، ولكن، تفهّمه لا يعني التسليم به. 

مدرسة راهبات الوردية هي مدرسة مركزية ومهمة والدعوة لإخراج الطالبات منها غير منطقية. 

ومن ناحية أخرى، الدعوة لإقالة المديرة – فيها تكبير للحجر—خاصة وانها ببيان الاعتذار عبّرت تماماً وبشكل مباشر عن إقرارها بخطئها، واعتذرت بلا مواربة. وعليه، يجب احترام موقفها هذا، والسماح بافتراض حسن النوايا، لجهة انّ ما حصل كان مجرد سوء تقدير وعدم إدراك المشهد في ابعاده المختلفة. 

ولأننا في هذا المركب الغارق معا، لا يحق لأحد منا ان يلوم الطفلة او أهلها.

ما علينا الانتباه له هو خطورة الموقف. ما تنتظره إسرائيل هو التدخل. سواء أغلقت المدرسة او فتحت بقرار عسكري سيستمر الاهل بإرسال أبنائهم للمدرسة. لأنه لا بديل امام الناس الا الذهاب الى المدارس. لا مكان اخر. لا يوجد مدارس. والمدارس المتوفرة خاضعة للنظام الإسرائيلي سواء كانت خاصة او بلدية. 

ما يمكن ان يترتب عن هذا الامر ما هو متوقع عند بدء أي سنة دراسية قادمة وهو فرض رفع العلم الإسرائيلي على كل مدرسة تمولها البلدية والمعارف. وهذا قرار تم اتخاذه منذ كان بينيت وزيرا للتعليم. ولكن انشغاله برئاسة الوزراء جعل الامر ثانويا. ولكن من يتحكم بملف التعليم والبلدية والامن الداخلي والمالية الآن هم المتطرفون الذين جاؤوا للحكومة لتنفيذ مخططاتهم المتطرفة العنصرية الاستبدادية بلا مواربة ولا يأبهون لمجتمع دولي او دبلوماسية. 

وربما يحصل ما هو أسوأ في خضم هذه الفوضى، باستغلال مشاهد رفع العلم الفلسطيني في المدرسة ذاتها ومدارس أخرى لإغلاق المدارس او الضغط على ادارتها او تغريمها، لأن موضوع رفع العلم الفلسطيني صار يمكن تجريمه قانونيا. 

مدرسة راهبات الوردية تبقى أحد اهم منارات التعليم في القدس في وقت يعيش فيه الطلبة عتمة التجهيل والانحلال وكيّ الوعي والانحراف. ولأنه لا وردة بلا شوك… لتكن هذه آخر وخزات شوك الوردية. 

اترك رد