يعتقد المرء منّا انّ كابوس التوجيهي ينتهي بخلاصه الشخصي منه، سواء بتخرجه او تخرج أولاده او احفاده ربما. ولكن على ما يبدو، يستمر هذا الكابوس مثل النكبة والنكسة مستمر ليظهر نفسه سنوياً امامنا ويؤكد اننا لن نتقدم خطوة الى الامام، بل العكس، سيتم الاستمرار بالدفع بنا الى الوراء حتى سحقنا نهائياً بعرض الحائط. وما أكثر الحيطان والجدران في وجودنا الفلسطيني المنكوب المنتكس.
يظن المرء كذلك، ان التوجيهي قد يأخذ منحىً آخر بعد سنوات الكورونا وبعد عام دراسي قضاه الطلاب في ظل إضرابات المعلمين. فكم تعلّم الطلاب فعلياً في السنوات الأخيرة؟ وكم استعد طلاب التوجيهي فعلياً للامتحانات؟
يأتي وزير تربية وتعليم في كل مرة ليرفع شعارات التغيير والإنجازات الواهية لهذا النظام المرعب الذي جسّده -بالنسبة له- من سبقه، ويجد الطلاب أنفسهم في كل مرة بنظام اشدّ رعب من سابقه، بين تعليم ينحدر الى الأسفل أكثر، وبين امتحانات تتصاعد صعوبتها لتهوي بما تبقى من حلم. وكأنّ التوجيهي هو كل ما تبقى لهذه الحكومة البائسة للتحكم والسيطرة وتقويض الشعب.
مشهد الطالبة التي تصرخ وتبكي حرقة بعد امتحان الإنجليزي يجسّد حجم الكارثة، وكأنّ الإحباط الذي يعيشه الشعب لا يكفي، فيأتي نظام التعجيز هذا ليكسر ما بدأ للتو من أحلام الشباب لمستقبل لعلّه يحمل بعض الأمل وسط عملية ممنهجة لكيّ الوعي من كل صوب.
أحيانا افكّر انّ هذه السلطة بأربابها المختلفة موجودة بالفعل لتنهي علينا من كل اتجاه وفي كل فرصة، حتى صرنا قمم الخراب لكل انحدار وتردّي وانهيار، يجمّع كل ربيب سلطة فشله عليه ليستحق ديمومة منصبه.
أبناء اهل السلطة واحفادهم تخلّصوا من كابوس التوجيهي وكرّسوا عجزهم على أبناء الشعب. فأولادهم يذهبون الى المدارس التي تخلّصت من هذا النظام التعجيزي العاجز عن إنتاج فكر بالتوجه الى نظم تعليم دولية مثل البكالوريا والجي سي أي.
وفي القدس، تقدّم سلطة الاحتلال البغروت على صحن من ذهب بعد أن حُسِمت مسألة التعليم لصالحه. فلا حاجة لأموال طائلة لكي يتخلص الأهل من عبء كارثة هذا النظام العاجز، ولا يحتاج الطالب إنهاك نفسه ليثبت قدراته على البصم، ولا ان ينتحر ليثبت عجزه. ثم نذرف دموع تماسيح ونشجب ونرفض كذباً محاولات أسرلة المناهج والتعليم والتراث التي بدأت بقبول أن يتحول الطالب الى “رأس” تدفع مقابله وزارة المعارف الإسرائيلية وتنتهي الى فرض البغروت كنظام تعليمي.
كيف استطاعت هذه السلطة العاجزة القامعة ان تحوّل أسوأ ما كنّا نخشاه من أسرلة مناهج الى حلم مرتقب، وتنجح فقط في كل سنة أن تجدّد إعلان كارثيّة بقائها متحكّمة بنا من خلال هذا النظام التجهيلي الفاشل العاجز.