المثلية في زمن الشذوذ 

المثلية في زمن الشذوذ 

بين وضع سياسي مضطرب ويتعاظم في كارثيته يومياً، وبين وضع اجتماعي تتفاقم مشاكله وتبعاته نحو انهيار اجتماعي متكامل في تسارع مسبباته من عنف ومخدرات وسلاح وانعدام أخلاق متشعب ومتعدد يأكل في لحمة هذا المجتمع كالدودة التي دكت عصا سليمان حتى أعلنت منيته، يشق الشذوذ الجنسي طريقه كالسرطان ليتفشى في كل ركن يستطيع الركود فيه مما تبقى منا قبل ان يتهاوى الجسد نهائيا ونرى بأعيننا فناءه.

لطالما دافعت عن الاختلافات الإنسانية في تمثلاتها ما بين ذكر وانثى لما تفرضه الطبيعة بوجودها العظيم علينا. كنت ولا أزال ادافع عن أي فئة مستضعفة في المجتمعات التي لا تقبل التعددية ولا تفهم الاختلافات. ولكن بين تعصب اعمى يعمينا في العادة عن وجود من هو مختلف بحكم الطبيعة أحيانا، وبين انخلاع من الطبيعة ليكون المختلف هو الطبيعي، لا بد من القول هنا ان المثلية لم تعد ما يقع بين البينين من الجنسين في حالة “شاذة”، لأن ما نعيشه صار فرض الشذوذ كأنه العادي، والعادي كأنه الخارج عن الطبيعي. 

ما يجري بالتأكيد جنون شاذ عن طبيعة هذا الكون المتمثل بالذكر والانثى كمركز تكوين اصيل. 

يمكن مراقبة ما يجري في بعض الولايات الامريكية من ردود فعل متعصبة نحو هذا التغيير الذي يتم فرضه على المجتمع، وكذلك ما يجري في دول أوروبا، بفرض جنس او اجناس أخرى يختارها المرء إذا ما شاء ان يكون جنسه بعض ذكر او بعض انثى او يتحول الى ذكر او انثى، لم نعد نستطيع ان نفرق بين ما هو ذكر وما هو انثى وكيفية تعريفه. يجتاح الاعلام من كل صوب عالمنا ليفرض الشذوذ في كل اشكاله كأنه الواقع الطبيعي امام ما كنا نعرفه عن واقعنا الطبيعي. 

هناك ما يجري من خلط أوراق لا يمكن الا تكون متعمدة لقلب نظام هذا العالم المرتكز على فكرة الذكر والانثى. 

في برشلونة تجتاح الإعلانات في محطة القطار الاعين عنوة وبلا توقف لرجلين مسنين يقبلان بعضهما، ولا تكاد تدير النظر حتى ترى امرأتين مسنتين تقبلان بعضهما. أفكر وكأنه يراد ان نرى من هذا المشهد تطبيعا للواقع القادم. وكأن فيه تهيئة للشباب التائه في عدم معرفة تحديد لجنسه بأن الطبيعي هو هذا المشهد. هذا هو المستقبل. 

كنت اظن ان هذا ما يجري في اسبانيا بلد الانفتاح عندما وقع نظري على مقال في أحد المواقع تحت عنوان (لا اذكر العنوان لأني لا اريد العودة للمقال والنظر اليه واشعر بالاشمئزاز من جديد) يحمل مشاعر انسان يتكلم عن مشاعره تجاه امه المثلية. 

كم هي صدفة تلك الصور التي تجتاح محطة قطارات برشلونة وهذا المقال؟ ما الذي يراد ان يقال لنا، ان المرأة تستطيع ان تكون مثلية، كما الرجل، ويستطيع كذلك كل منهما ان يؤسس عائلة؟ ان المثلية لا تعيق تشكيل العائلة مثلا؟ 

هل يقع الان على الابن او الابنة تقبل مثلية أهلهم بعد ان فرغنا من تقبل الاهل لمثلية أولادهم؟ 

ما يحدث تخريب للمجتمع ودمار لا يقل خطورة عن دمار العنف المتمثل بالسلاح والمخدرات. 

اعرف امرا وحيدا وسط هذا العته الذي يحاول فرض نفسه عليه كالعتّ المتشبث بقماش قديم. لن يدوم هذا الامر كثيرا قبل ان تنقلب المجتمعات تماما على هذا النهج من الخراب والانحلال. سيتوحد اقصى اليمين واقصى الشمال، والمتشدد والمنفتح، والمتدين والملحد، والمؤمن والكافر، والمتنافر والمتناحر امام ما يجري من تهديد يحاول قلب موازين الطبيعة لهذا الشذوذ المقرف. 

ما يجري لن يترك “فسحة” للتقبل والفهم والتفكر باختلافات البشر، لأنه ما بين الذكر والانثى من تباين هو في الأصل شاذ. ان يصبح الشاذ هو القاعدة لن يكون طبيعيا بحكم ميزان الطبيعة التي طالما انقلبت وغضبت وابتلعت شعوبا شذّوا تبجحا وانحلالا. 

بين المثلية والشذوذ كان هناك خطوط بديهية واضحة، محوها يزيد الانحلال، ولكنه بالتأكيد يشدّ الى العصبية في المقابل، وعادة ما تغلب العصبية في نهاية الامر لحماية المجتمعات. 

هذه المرة سيتعصب المجتمع من اجل حماية نفسه من الانحلال والانحراف نحو هاوية قوم لوط. 

اترك رد