صراع القدس: التوازن المرهق بين الاحتلال والتهميش والإحباط …من أجل اثبات الوجود 

 

  “إذا فسد الإنسان في قدرته، ثم في أخلاقه ودينه، فسدت إنسانيته وصار مسخاً على الحقيقة”.

 (الاستبداد يقلب موازين الأخلاق، فيجعل من الفضائل رذائل، ومن الرذائل فضائل.” (ابن خلدون”

 لماذا استثارت زيارة رئيس بلدية الاحتلال الإسرائيلي لمشروع استثماري-ريادي- شبابيّ في وسط شارع صلاح الدين غضب سكان مدينة القدس؟  ما الغريب بالأمر؟ مشروع يلقى دعماً من بلدية القدس-الاحتلال- ويأتي رئيس البلدية لافتتاحه؟ بالتأكيد، ان نهج السياسة الإسرائيلية الجديد صار مواجها ومباشرا، فلم تعد هذه الاتفاقات، وما يتصل بها من تعاون، تحت الطاولة. من جهة، البلدية صاحبة التمويل ولها الحق في ابراز تعاونها كما تريد (من وجهة نظرها). ومن ناحية أخرى، يفكر الشباب وأصحاب المصالح انهم بحاجة لدعم مالي لمشاريعهم الريادية، وما توفره البلدية يندرج تحت الحق في الحصول على الخدمة. في نهاية الامر، يدفع المواطن الضرائب ويلتزم بتنفيذ القوانين ويمضي حياته بالدفع من اجل البقاء في هذه المدينة، فلم لا يستفيد من المشاريع الراعية للشباب. طبعا، هذا الشعور بالاستحقاق والتعامل مع الامر بهذه السهولة لم يأت بين ليلة وضحاها. وهو بالتأكيد ليس وليد سياسة التهميش التي عانت منها القدس ولا تزال منذ أوسلو من قبل السلطة الفلسطينية التي تركت المدينة وسكانه لقبضة الاحتلال فقط. ما يجري جزء لا يتجزأ من نهج مدبر ويتم العمل عليه منذ أوسلو، باتت ثماره “المرّة” جاهزة للقطاف وها نحن نتذوق مرارة علقمها. هؤلاء الشباب، تعلموا في مدارس بلدية او مدارس صارت تابعة للمعارف الإسرائيلية، تخرجوا من المدرسة وتعلموا في معاهد إسرائيلية. قدمت لهم هذه المنظومة فرصا بالتعليم أولا، مقابل مأساوية التوجيهي وعجزه، ثم فتحت امامهم أبواب المعاهد والكليات (الإسرائيلية) سهلة الانتساب والوصول والنجاح، والاهم توفير فرص العمل. هناك فئة عمرية لم يعد يعنيها هزل الواقع السياسي الفلسطيني الذي أصاب المجتمع الفلسطيني وبال سوئه فمسه اجتماعيا واقتصاديا. هناك حالة من توفير الفرص المباشرة بدء من التعليم حتى الوصول الى سوق العمل-(هذا ما يراه الشباب، خصوصا عندما يقارن الوضع في القرس مع الوضع في الضفة)-. ما الذي يريده الشباب أكثر؟ لم نعد نسأل ما هو التعليم، ولم نعد نفكر ما الذي يتم دسه في عقول أبنائنا. كل ما يريده الاهل والابناء توفير فرص لمستقبل يستطيع الشاب ان يكون مقتدرا ماديا. ولا يمكن ان نلوم أحد بهذا. فالمشروع الوطني صار مشروعا خاصا لزمرة السلطة ومتنفذيها.والمواطن العادي (وهو الأغلبية العظمي) لا يستطيع توفير مدارس خاصة واجنبية لا يمكن له حتى التفكير بأقساطها. المواطن العادي لا يستطيع ان يفكر بجامعة اجنبية محترمة لا يمكن له ان يحلم بالقبول بها أصلا. المواطن العادي يريد سترا وحياة كريمة تبعده عن العوز، خصوصا عندما يرى حال مواطنه في الضفة على بعد بضع كيلومترات.من الذي يوفر هذه الأمور هنا؟ اذا ما كانت منظومة الاحتلال بسوئها توفر المدارس والمعاهد وفرص العمل، ما الذي يجعل الشباب يعزفون عن التمسك بالفرص؟ لماذا لا يحاول الشباب\ أصحاب المصالح الاستفادة من هذه الفرص، بينما يرون المؤسسات الإسرائيلية على كل زاوية طريق؟ كوبات حوليم، بنوك، تأمين وطني، داخلية، مراكز جماهيرية، مدارس، مؤسسات. كلها تفتح أبوابها بفضل صاحب عقار من سكان المدينة. ما هي القاعدة في تأجير العقارات. من يؤجر مدارس البلدية؟ من يؤجر البنوك؟ من يؤجر المراكز الطبية؟ من يؤجر المعاهد والكليات الإسرائيلية؟ يبدو النقاش في صحة الامر او عدمه غير مبررة اليوم، فلقد انتهى الامر. كلنا شهود على ما جرى ، وكاذب وافاق من ينكر. كلنا وقفنا كشهود الزور نحلل ونحرم. نغض البصر ونهب على حسب مصالحنا. لقد انتهى الامر. انتهى الامر منذ استبدلت جريدة القدس ببنك إسرائيلي، ومنذ صار عنوان الجامعة المفتوحة (الإسرائيلية) في مبني الغرفة التجارية، ومنذ صارت مدرسة الفتاة اللاجئة مدرسة ما تابعة للبلدية، ومنذ صار تأجير كوبات حوليم عملا يتسابق أصحاب العقارات لتأجيره. والامثلة كثيرة جدا.لم يتبق الا السوق الاقتصادي لسكان هذه المدينة، ولقد اغلق ملف التعليم وحسم لمصلحة إسرائيل. ما الذي يستطيع الشباب والتجار فعله؟ المنتجات الإسرائيلية هي كل ما هو موجود. لم يعد للشاب او التاجر التفكير بأكثر من ان يكون مسوقا لمنتج إسرائيلي، من الأحذية حتى مساحيق التجميل. نركب في الحافلات العامة، لم يعد هناك فرقا بين باص بيت حنينا والقطار، المواصلات شبكة واحدة تابعة لبلدية القدس-الاحتلال-. بقي للمستهلك امر الاختيار فقط بسعر المنتج الذي يجده في السوق الإسرائيلي بأسعار اقل، مما أدى لعزوفه عن السوق الفلسطيني الا من المحلات الإسرائيلية المتواجدة في أماكن التسوق العربية. يكفي ان تمر من بلدي مول لتشعر أنك بماميلا او المالحة، نفس المحلات من ملابس واحذية ومقاهي. لماذا؟ لان المستهلك فقد كذلك الثقة بالخدمة والمنتج والسعر. وعليه ، صار من الأفضل ان يدخل الى محل “موثوق” يعرف ان يشتري القطعة من كل مكان بنفس السعر ونفس الجودة . لماذا وصلنا الى هنا؟ لم يعد هذا كذلك امرا يحتمل التحليل، فلقد أنهكنا وانتهكنا من كثر التحليل.كل أمرئ يقول “ياللا نفسي”، ولا “كبير” الا صاحب المال او السطوة. والمال صار مغسولا منشورا، والسطوة صارت زعرنة وفتوة وأتوات. لا امن ولا امان، وحاميها حراميها بالنسبة للمواطن. من يدعي النزاهة وتزهده عن خدمات الاحتلال يتفرد بأموال المؤسسات المانحة ويعطي نصائح للشعب بالوطنية التي تبدأ وتنتهي به. سطوة ومال من نوع اخر، صرنا نرى مدراء المؤسسات أصحاب عقارات وسيارات فارهة، يتكلمون بالنزاهة والمحاسبة ولا محاسب لهم. نلعن البلدية وخدماتها ونلعن الاحتلال ووجوده، ولكن لو نرى جموع المصطفين من اجل جباية معاشات البطالة. لقد نخر هذا الاحتلال فينا فلم نعد نميز خيرنا من شرنا. ننهش في بعضنا باستعار وكأن حقد العالم يرتكز في نفوسنا كل ينتظر سقوط الاخر ليرمي عليه صك الذنب لنقذفه بلعنات الخيانة والتطبيع والعمالة. لقد بيعت العقارات وخرسنا. تهدم البيوت يوميا وتسلب وتشرد عائلات ويمر يومنا كأن شيئا لم يكن.صار العملاء أصحاب مراكز وسطوة ومكانة وانصعنا. تسرب الوطن من بيننا ومن جوانبنا ومن فوقنا ومن تحتنا. كفى…

اترك رد