……التقيت صباحاً مع صديقاتي لتناول الإفطار في أحد مطاعم المدينة. المكان جميل، والموقع ساحر، والخدمة لطيفة على الرغم من البطء غير العادي، والطعام
لماذا نخرج لتناول الطعام؟
اللمة والجمعة بالتأكيد جميلة وسبب كافي لتغيير الجو من الجلوس بين جدران البيوت. ولكن عندما نقرر ان نتناول الطعام في مطعم، هناك الحد الأدنى من التوقعات. أحيانا تختلف الذائقة والذوق، ولكن هناك ما لا يجب ان نساوم عليه كزبائن.
ان تطلب قلاية بندورة ويأتيك مقلى بندورة معلبة، وتطلب حمص ويأتيك صحن حمص خارج للتو من علبة تلما او احلا او الجنيدي، فهذا يخرج عن كل المعايير.
كانت الجلسة لطيفة جدا وقضيناها بين مزاح وضحك، وتعاون بين النادل وشعور بالتأييد لتذمرنا. طلبنا ان نتكلم مع الشيف وقرر الخروج بعد ساعة تقريبا. فسر لنا ان القلاية ليست رب بندورة، ولكنها بندورة علب. وان الحمص ليس تلما ولا احلا، ولكن الجنيدي. وقدم تبريرا مقنعا ان كيلو البندورة ثمنه ٩ شيكل، وأسهب في تبرير لاحق ان هذه القلاية يقدمها للأجانب لأنهم لا يحبون البصل الخ…!
في كل مرة كان ينطق فيها الرجل كان يقدم عذرا أقبح من ذنب، ولكنه أصر انه يقدم الوجبات بطريقة أفضل وما جرى بشأن القلاية كان خطأ مطبعيا وأصر ان يقدم لنا قلاية – شكشوكة على الأصول.
كانت الشكشوكة لا بأس بها، طبيعية بقدر ما كانت القلاية كارثية الفكرة والطعم.
ولكن بعيدا عن الطعام والتقديم والتأخير والشعر بين رمشه ولحية من هنا وهناك، أفكر بكارثية وضعنا الذي يمثله هذا المشهد.
صحيح اننا قضينا الامر بطريقة لطيفة واعتذار، وفكرت كثيرا قبل ان اكتب، لأن الهدف ليس من اجل التشهير والتذمر، ولكن هو التفكير بأسباب انهيار كل ما يتعلق بنا كشعب. كيف للوضع السياسي ان يؤثر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي بكل ما يتعلق بالحياة اليومية من تعاملات.
مطاعم ومقاهي على حافة كل شارع ووسط كل زقاق، ومع هذا لا تستطيع ان تأمن نفسك بأكل حقيقي يحترم فكرة الاكل بين تذوق وذائقة، بين خدمة وجودة. المصيبة ان من يقوموا بفتح المقاهي والمطاعم لهم باع في هذه الخدمة، وقل، ان ندر ما لم تجد من يعمل في المطاعم لا يعمل او لم يعمل في هذا السوق بالجانب الإسرائيلي.
نتساءل كثيرا لماذا يعزف الناس عن الذهاب الى المطاعم والتسوق في السوق المحلي. ننتقد بشدة من يتعامل مع السوق الإسرائيلي. ولكن ما هو المتوقع منا كمستهلكين؟
اذا ما قررت الاستمتاع بوجبة ترقى بما اتوقعه كمستهلكة او زبونة؟
الامر ذاته على المحلات التجارية المختلفة بين مواد تموين وملابس وغيرها.
كنت قد وقفت عن نفس التساؤل قبل أيام عندما ذهبت الى “مول” المالحة، المتسوقون عرب، البائعون عرب، وأصحاب المحلات بالتأكيد ليسوا عربا. ولكن ما الذي يجعل المتسوق يذهب ويصرف بالمول ولا يذهب للتسوق بالمحلات العربية؟
السبب بكل بساطة هو افتقاد الجودة والتناسب ما بين السعر والسلعة.
في وقت نفتقد فيه لكل معالم ما تبقى لنا من مجتمع نسعى للارتقاء به، نجد أنفسنا في انحدار يسحبنا أكثر الى الأسفل.
كيف لي كمواطنة، أحب فعلا دعم المنتج والتاجر الفلسطيني لكل الأسباب البديهية، ان أساهم في دعم السوق المحلي عندما لا يقدم لي السوق ادنى متطلبات الخدمة.
فكرت كثيرا بالكلمة المناسبة لكل ما يجري، ما الذي نفتقده بالضبط؟ الإخلاص بالعمل. الإخلاص هو ما نفتقده في السوق. الإخلاص للعمل ينتج عنه اخلاصا للزبائن والمستهلكين.
لهذا، العمل الذي يمكن ديمومته هو العمل الذي يخلص أصحابه فيه.
“كنت في الظلام لكني خطوت ثلاث خطوات ووجدت نفسي في الجنة؛ الخطوة الأولى كانت فكرة جيدة، والثانية كلمة جيدة، والثالثة عملا جيدا.” نيتشه.