
نساء القدس
يناقش هذا البحث تطور الحركة النسائية في فلسطين في بداية فترة الانتداب البريطاني من خلال صورة تم التقاطها بسنة ١٩٤٥ بالقدس، خلال اجتماع جمع نشيطات من النساء الفلسطينيات مع النسوية الرائدة، هدى الشعراوي.
تسلط الصورة الضوء على جانب من المجتمع الفلسطيني لم يكن مكتشفا او لم يكن متعارف عليه من قبل الأجيال الفلسطينية الجديدة. تظهر الصورة نساء بوصف يختلف عن ذلك التقليدي.
في عقول اليوم المحجبة، حيث تلبس النساء الحجاب على رؤوسها وتغطي اجسامها تحت شعار الحفاظ على الثقافة والتراث، تظهر الصورة جانبا اخر للمجتمع. جانب يظهر النساء بلا حجاب، فاعلات، جزء من حراك سياسي واجتماعي شكل الحياة الفلسطينية حينئذ وربطها مع النساء العربيات في العالم العربي.
بالعادة، يتم تحليل حجاب او عدم حجاب المرأة من خلال اطر “الحداثة” و”التقليد”، حيث تمثل المرأة غير المحجبة للحداثيين، التنوير والحداثة، بينما يمثل الحجاب مصدرا للتقليد، الرجعية والعنصرية المبنية على النوع الاجتماعي.
بحجاب او بدون حجاب، وسواء كان هذا بمحتوى الصورة او غيره، لا يعني بالضرورة ان نحكم على المجتمع من خلال هذه النقطة، خصوصا ان نفس النساء كن يظهرن في مناسبات أخرى في الأماكن العامة بحجاب بطريقة او بأخرى. التغيير في لباس النساء فيما بين المناطق الخارجية والمغلقة، سواء كانت عامة او خاصة، من الممكن كذلك ان يدل على مساحة الحريات التي كانت تتمتع بها النساء آنذاك، ومنه ممكن استقصاء التناقضات التي تتعرض لها النساء في المجتمع. وعليه لا يمكن مجرد اعتبار الحجاب في معادلة متوازية مع التقليد او التحفظ الديني. ان الحداثة والتعليم، عادة ما تمثل كوسائل تمكين، التي لها بالحقيقة تأثيرات تنظيمية ومركزية في حياة النساء، وليست حلا سحريا لتحرير المرأة. ونتيجة لذلك، ان تحليل الحركة النسائية في فلسطين، كما في أماكن أخرى، يجب ان تتم من خلال إطار واسع يحلل سياسة الحداثة، والخطابات الثنائية في جدلية ازدواج “التقليد”، “الحداثة”، “الشرق”، و”الغرب” من قبل العوامل السياسية المختلفة على ارض الواقع، التي تعمل على البناء الحديث للدولة.
الا ان الموضوع ليس موضوع حجاب من ناحية الشعارات التقليدية او الدينية، ولكن نتاج لطريقة حياة نعيش بنفس نهجها حتى يومنا هذا. ان السؤال هنا، يتمحور أكثر حول مدى تأثير التمدن والتعليم والتغيير السياسي على صعود الحركة النسائية، مقابل الحركة السياسية، المهيمن عليها بالقومية الذكورية (الابوية) التي حددت وشكلت بالتطور الطبعي للحركة النسائية.
لم تكن تلك الفترة مختلفة عما ال اليه مصير الفلسطينيين. فتلك الفترة تكللت بمواجهة التحديات والنضال من اجل التحرر. يدخل البحث في تلك النشاطات والادوار التي ساعدت النساء من خلالها في تشكيل تلك الفترة.
دور المرأة كان كذلك جزءا من الذاكرة الجماعية المقدر لها التناسي، لقسوة العقود المصاحبة لنهاية الفترة العثمانية التي انتهت الى مسح كامل لأي انجاز إيجابي بتلك الحقبة. عندما يتذكر الناس قصصا عن التجنيد الاجباري والعقوبات الجماعية والمجازر، الفقر، والامراض. لا يبقى الا جانب سلبي يهيمن على كافة نواحي الحياة في تلك الفترة.
وعليه، يفحص البحث كذلك مدى تأثير النزاعات السياسية، الاجماع القومي، على تطور اجندة نسوية اجتماعية فاعلة.
سواء كان صعود الحراك النسائي جزءا من تفعيل الطبقة الوسطى و / او النخبة، كان نتاج التطور الطبيعي للمرحلة، بما يشمل التعليم والنشاط السياسي، او انه كان كذلك وعيا جماعيا بداخل المجتمع بكافة طبقاته، سيكون جزءا من فحص البحث.
ويبقى موضوع الحداثة والاستعمار وما بعد الاستعمارية يشكل تساؤلا للجدل الخاص بالحراك النسائي وتطوره على الصعيد الاجتماعي والسياسي. وعليه، فإن الاضاءات التي قدمتها نساء كأولئك في الصورة، من الممكن ان توفر مكانا لتوضيح واقع حياة الفلسطينيين بداخل مضمون (الاحتلال) لا يزال مستمرا، مما يجعل لهذا البحث اهمية.