تخطى إلى المحتوى

واقع العرب والمسلمين بين الغزالي وابن تيمية

واقع العرب والمسلمين بين الغزالي وابن تيمية

تاريخ العرب والمسلمين الذي علمونا اياه في المدارس بني ، كما بنيت تربيتنا على أكاذيب تحولت الى واقع يتلاشى عند اصطدامه بالحقيقة .

فعلمونا أن التاريخ العربي الإسلامي كان تاريخا مليئا بالفتوحات، ولم يعلمونا عن أن العرب بالمقابل كانوا غزاة .

علمونا أن أبو بكر الصديق حارب الردة ، ولم يفهمونا من هم المرتدون .

علمونا ان الغزوات والفتوحات بنى الاسلام فيها حضارات ولم يعلمونا بأن تلك الغزوات كان المسلمون يتقاتلون ويقتلون بعضهم بأبغض الطرق وابشعها منذ عثمان بن عفان مرورا بعلي ابن ابي طالب وعائلته وعبد الله بن الزبير ووصولا الى يومنا هذا .

علمونا بالمقابل عن الحجاج بن يوسف . ومعاوية وهارون والمأمون والمعتصم وحتى الحاكم بأمر الله . تغنينا وتفاخرنا ببطولاتهم وفتوحاتهم وانتصاراتهم … وغيبوا عنا الحقيقة. فرسمنا واقعا لتاريخ مزيف مضلل مليء بالتيه الذي لا يزال يسكننا .

علمونا عن الثورات ولم نفهم الفرق بينها وبين الانقلابات ،الا بما يروق بذهن الوالي والأوضاع. من الثورة الوهابية الى الثورة العربية وموت الرجل المريض.

وأصبح الاسلام في عقولنا اسما تحت لواء الرسول محمد (صلعم) والقرآن . وفعلا امتد في أرجاء كل من أتى بعد الرسول على مر العصور من صحابة وتابعين وتابعي التابعين ، حتى تمحور بالعلماء والفقهاء وانقسمنا الى اربعة مذاهب بعد ان تفرقنا فيما بين سنة وشيعة.

الشيعة طبعا اصبحوا في علم الغائب السوداوي الذي لا يذكر ولا يمس . كل ما نعرف عنهم هو شتيمتهم لآبو بكر الصديق وكراهيتهم لعائشة زوجة الرسول ،ممارساتهم الدموية في إحياء مذبحة الحسين . ولكننا لم نقلل من ولائنا لعلي بن طالب الذي قتله المسلمون منا وتغاضينا عن ذكر هذه الحقيقة لنجلب عليا الينا، ونستثني عائلته التي ذبحناها كسنة وارفقناها في شيعة الامة.

واصبح الخوارج عنوان كل مخرج لجريمة نتنكر لها في العلن ونحضنها في السر

ثم جاء الاكثر دهاء من علماء كل تابع لمذهب يحميه ويترافع عنه ويشد اليه ، حتى اصبح المذهب عبادة لا طريقة تعامل يحفل فيها قوم بعادات وتقاليد خاصة.

وخرج منا من بعد الشافعي وابي حنيفة علماء اكثر ذكاءا ، كل في زمنه ،يحاوره ويتراوح معه على حسب هواه وهوى الحاكم . فكفر الآخر ، ورفع الشبيه ،وقرب المفكر بفكره واستقصي المختلف المعارض.

ولبسنا رداء الأشعري وابن حزم او ابن حنبل. واصبحنا مدرسة أشعرية وظاهرية او سلفيه . بالأصل اختلفتا فكريا وعلميا في شأن تفسير وتأويل القرآن الكريم وفيما يخص التعامل مع وسائل الحياة ، لنتمثل تدريجيا بشخوص .

وقفنا عند الغزالي حامل لواء الاشعرية وابن تيمية ابن المدرسة الظاهرية السلفية.

ومر بنا التاريخ ، وامتلأ بالكثير من الدم المسلم المتحارب على الحكم والسيطرة ، وعلمونا في المدارس ان المسلمون كانوا لا يزالون يحاربون الفرنجة من فرس ورومان وصليبيين .

ودخلنا العهد الذي انتهى به عصر الخلافات الاسلامية بموت دولة الخلافة المريضة في القرن العشرين .

وخرج لنا الغزالي بحسن البنا واصبح فيما بعد الاخوان المسلمين . وابن تيمية ظهر في محمد بن عبد الوهاب وصار للوهابية عرش في السعودية ، في حين تربع الغزالي في مصر .

واختلفت المسميات في شخوص عديدة، فدخل تاريخنا بن لادن والقاعدة واستبدلت الاسماء في عقولنا الصغيرة وصارت الاخوان وحماس وحزب تحرير ونصرة وتداخل الحابل بالنابل . والحابل والنابل لا يتصلان بالضرورة باي من المدارس والمذاهب القديمة فقد يكون الحابل حنفيا او حنبليا والنابل اسما اخر للشافعي والمالكي . فاصبح اليوم المالكي في بغداد وفلسطين في شخوص بارزة . ويخرج لنا ابا فلان وابا علان في اسم قديم جديد علينا . وتوقف في مكان ما الاخوان في عباءة مرسي المخرومة وحمل الوهابيون ابو بكر البغدادي ازار الخلافة الأموية ة  . فتحت اسم ابو بكر والبغدادي يستطيع جمع خلافة بني أمية وسيف الحجاج الذي رأى رؤوس الناس التي حان قطافها ، فكان ابو بكر البغدادي قاطع الرؤوس وشارب دمائه

صور رأيناها في دراسة تاريخنا كالملاحم الشعرية التاريخية واستمرينا في التغذية الفكرية عليها حتى اغوتنا مشاهدها اليوم وقربت مجد الماضي البعيد وايعنت فينا قطاف نصر تمنيناه وخلافة نتمنى ان تصحى بنا مع انه تم حذف الحقيقة من تاريخنا بأننا حاربنا وتآمرنا على تلك الخلافة ولم نهدأ حتى دفنناها بأيدينا ..

ولكن طبعا .. تلك لم تكن الخلافة المرجوة فالعثمانيون الاتراك مندسون على الاسلام ، على الرغم من حكمهم وتوسعهم لمئات السنين . والشيعة اعداء الاسلام في ايران لا يمثلون الاسلام في شيء .

اسلامنا اسلام معاوية ويزيد والدفاع عنه من الفتنه على يد الحجاج سليل العراق.

وعدنا ….والعود كان اكثر جهلا … ولم نتمسك من التاريخ الا ذلك الذي علمونا اياه في المدارس. ولا يزال التاريخ العربي الاسلامي في رؤوسنا ملحمة تشبه عند تجسيدها مسلسلات نجدت انزور وافلام مصطفى العقاد وغيرهم . فالغزالي هو ذلك الذي شاهدناه في مسلسل رمضان وابن تيمية هو ذلك العالم الجليل في المسلسل الذي سبقه . وهارون الرشيد يشبه نور الشريف والاسلام هو فيلم الرسالة . وكل ما يخالف هذه الافلام والتصويرات في اذهاننا هو كفر وضد الاسلام ومشوه لنقائه . والحكم العثماني نراه للسنوات الاخيرة على الشاشات من خلال حريم السلطان.

اليوم، وفي عالم التواصل الاجتماعي الحالي وتهافتنا عليه ، وتجسيدا لجهلنا المتمادي والمتنامي فينا ، استبدلنا كتب التاريخ المضللة بالاحاديث الكثيرة المدعاة من هنا وهناك تحت اسم الرسول واحاديثه ، ولو ان القرآن لا تستبدل كلماته ويضاف اليها لرأينا ايات كثيرة اضيفت وظهرت .

وطبعا صرنا امة الاحاديث والصحابة والفقهاء والمشرعون وصرنا نسمع في كل “كليك” عن فتوى تجيز واخرى تحرم كالحسبة كل يصيح وينادي لمنتوجه ويروج له . ولاننا عربان نتصايح ونتقاتل وننغمس اكثر في السب واللعن على الاخر المقابل لنا في هذه الحسبة.

رمينا ما حملته المدنية الحالية من ألبسة وأردية ووغطينا انفسنا بعباءات الماضي وقناعات أئمتهم . وجررنا أنفسنا للوراء نحو ماض كان للاسلام فيه عزة لم نزل لا نعي حقيقتها .حملنا أولئك الأئمة وزرنا ووزرهم .ورفعناهم منازل لم يكونوا ليصبوا ربما اليها .

ولا زلنا لا ندرك ان الحياة لا تمر بنا للوراء ، مهما غيرنا من اقنعتنا . فالعودة للوراء تزيد من تعثرنا وسط عمى عقولنا وقلوبنا . فبين ما حمله الغزالي من فكر وكذلك ابن تيمية ، أضاؤوا فيها لربما بعض الطرقات ، وأزاحوا بعض الغموض واضافوا بعضه على العلوم الحياتية والدينية . كان زمنهم مفعم بمساحة كان للتفكير رغم إغلاقه على يديهما حيز ومكانا واحتراما . خرج من تلك الحقبة نقاشات ومداولات افقتدنا لها في تلك المساحة بين تلك الالفية وايامنا هذه. وخرجنا فقط بعباءة ولحية وخيل وخيمة وسيف ، وبعض الكلام المعجون بالبلاغة لكي نتأكد نسبه لذلك العالم الماضي المنصرم ، وتركنا يومنا هذا وصرنا أحزابا نتبع ولاية لأئمة خطيئتهم كانت بعدم إدراكهم بأنه سيأتي يوم كالذي نعيشه ونستعمل ما قالوه وكتبوه وفكروا فيه بهكذا جهل وإسراف أسرف بنا ويستمر في جعلنا مهزلة تاريخ سيكتب قريبا .

2 فكرتين بشأن “واقع العرب والمسلمين بين الغزالي وابن تيمية”

  1. تنبيه Pingback: تعرّجات صوفية: ما بين النفري والحلاج – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading