تخطى إلى المحتوى

فتاوى خطاب الرئيس…. من الآخر ..إرحل

انتظرت كغيري خطاب الرئيس على أمل محمول بلا أي امل ، لعل وعسى معجزة تخرج من بين كلماته فيها حياة لخطابه او أدائه.

ليس بجديد ان اعترف بأن ابو مازن لم يؤثر بي كفلسطينية . ربما لاختلاف الشخصية المطلق بينه وبين ما تعودنا عليه من قيادة ثورية . واعترف انني مع مرور الوقت حاولت استيعاب منطقه الذي كان جديدا كذلك بالمطلق على ما تم غرزه فينا كشعب من شعارات وطنية وحلم بالوطن . الا انني كفلسطينية محبة للسلام ولربما اكثر محبة للحياة حاولت التعايش مع فكر تم ترسيخه في ثنايا عقولنا منذ اوسلو.

عام تلو العام انتقل ابو مازن من الشخصية البراغماتيكية الى ان انتهى به ليصبح شخصية سلبية دكتاتورية . تناقض كتناقض كل الشعارات وعكسها التي نشأنا عليها وتم غرز عكسها فينا كشعب منذ الاحتلال وحتى اللحظة. بين تلك التغيرات في نهجه تأكدت كمواطن بأن الخلل لن يتم تصويبه ، وان مشروع ابو مازن انتهى من مشروع الوطن الى مشروع الشخص مع الايام .

وما حدث مع ابو مازن ليس بغريب . فهو حال القيادة الفلسطينية منذ ان انشئت . ولو عتبنا على الماضي وحملناه وزر مصابنا المعدي ربما ارتحنا . ولكن ما حمله الماضي لا يزال في حسبة التاريخ الذي لا نزال نؤرخه بين فكر مهزوم وفكر يحاول الانتصار على انهزامه. ولكن مع الزمن الحالي وتسارع المعلومات وارشفة التاريخ الفورية ، ليس هناك مجال بألا يكون ابو مازن قد تعلم الدرس تلو الدرس من مكائد الاحتلال ونهجه. وقد نقول اخطأنا . وقد نقول بأن الاحتلال هذا غاشم وقادر. وقد نقول أن استطاعتهم وامكانياتهم تفوقنا .وقد وقد وقد.. وكل هذا قد يكون صحيحا ولكن …. كم من الدروس بقيت ، ولقد ضاع الوطن أرضا منذ اوسلو وزادت انهزاماتنا ليتم تطويعنا كشعب نحو واقع لم نعد نر منه الا سد احتياجاتنا المباشرة من هنا او هناك.

وسواء كان ابو مازن راعيا للانقسام ام لم يكن ،الا ان الواقع هو ان الانقسام وقع في عهده . فخسرنا الارض بعد اوسلو من جهة ، وخسرنا احترام الشعوب لنا بعد الانقسام المهين . فصارت شوكة الانقسام اكثر سما وسوءا او تساوي تلك التي غرزتها الاحتلال فينا . وصرنا بعد ان كنا شعبا يعلم دروسا في الصمود والمقاومة شعبا يستهزأ به من الجبان الخائن قبل الشجاع والوطني من القاصي والداني.

وهوان تلو هوان . ومفاوضات هزيلة تلو مفاوضات معيبة ومشينة. وانهزام تلو انهزام . ومستوطنة ام مستعمرة لم نعد حتى نفرق بين المصطلحات شقت طريقها بين دروبنا وما كان او زال من اراضينا . وحاجز فمعبر .وجدار وسياج فاصل . وتضييقات وخناقات . واجرام وتنكيل . والتضييق زاد حتى صار الدم يسيل وما من كلمة من الرئيس تشفي غليل .

وتحول منبر الرئيس للخطابة الى الامم المتحدة ، كأننا في عالم لا ينتمي اليه . ويكلمنا عندما تشتد المحن وخاطب فينا الاعداء يهديء من روعهم ويحسب الاف الحسابات لردودهم . وكأننا تحصيل حاصل لامبراطوريته الخاصة .

وشهيد تلا الشهيد . ولم نر الرئيس في جنازة او بيت عزاء. وتنكيل تلو التنكيل ولم نره يقف اما مظاهرة او حتى خرج بتصريح يشعرنا انه بيننا ومنا . وفي خضم الموت يستقبل وفودا اسرائيلية ويفتتح مع رئيس دولة شوارع مبتسما فرحا وكأن ما يجري في الشارع المقابل بعالم آخر.

والقدس .. يا ويل القدس من حسراتها ونكباتها . كالمغتصبة يتم اغتصابها بكل لحظة حتى لم تعد تعي راحة وظنت ان لحظة اللا اغتصاب هي لحظة حياة . بيت تلو البيت يهدم. وعوائل تلو العوائل تنزح وتهجر وتطرد . وتعقيدات وتصعيبات وتنكيل اصبح يشكل طابع الحياة . والرئيس في عالم يندد شبه تنديد ويصرح شبه تصريح.

وطل علينا بالامس بخطاب …

قد يكون الاقوى في كلامه منذ عرفناه رئيسا .

ولكن …

بكل احواله لم يرق الى اللحظة الآنية .

ليس من الصعب تحليله او فهمه ، فالحمد لله الرئيس على عكس جماعته من متحدثين ومستشارين يتم دراسة كل حرف من كلامه لكي لا يقع في سوء التحليل من قبل رفقاء السلام . فبعد اكثر من ثلاثين شهيد معظمهم سقط في اعدام علني. خرج لنا الرئيس بخطاب لم يتعد السبع دقائق . اعترف بأنني لم اهتم حتى باعادة سماعه لان الديباجة في الكلام لا تتغير ،ان كان قد ادخل مصطلحات وعبارات جديدة لم يتعود عليها من قبل الاسرائيليون ولم نتعود عليها نحن.

فهلل الكثير منا للخطاب وصفق . وكان الخطاب ولأول مرة يحمل بين طياته احتمالات التفسير . فمثلا من يريد ان يحلل ان الاتفاقيات مع اسرائيل قد تم حلها بهكذا كلمات يستطيع . ومن يريد ان يحلل ان الرئيس قد دعا للمقاومة يستطيع . ومن يريد ان يحلل بأن الرئيس خطى خطوة ثورية الى الامام تحدى بها الاعداء يستطيع .

ولكن … عدم رضآ الكثيرون لم يكن اعتباطيا ولأجل الانتقاد والذم …فالوضع لا يحتمل المجاملة . قد نبقى كشعب لا يزال يحلم بالحرية في مكان ما بداخله بنفس حالة السذاجة من عدم الفهم الكامل وقلة الحنكة السياسية ونفتقد لفهم الابعاد الاستراتيجية وما تقوم عليه الخبرات التكتيكية . لقد وصلنا ايها الرئيس الى مرحلة الالتحام . ما جرى بسبب كل ما نفتقد نحن له الشعب وتمتلكه قيادتكم ومستشاروكم وقوادوكم من حنكة وحكمة وتكتيكات الى مرحلة التحم فيها الحديد بالحديد . كقطار خرج عن سكته ولم يبق هناك مفر من تصادم محتم .

مع كل دمعة اب وام ثكلوا بأبنائهم ايها الرئيس كان هناك توسل لك بأن تكون على قدر مسؤولية الوطن . مع كل طفل خطف من حضن امه الى زنزانة القهر ايها الرئيس كانت الصرخات تعبيء السماء ولم تصل الى سقف مقاطعتك وصمها مستشاروك عنك ربما.

مع كلماتك وخطاباتك الجوفاء حمل مهند الحلبي كفنه على يده وذهب دفاعا عن الأقصى .

خطابك التاريخي ايها الرئيس كان وسيظل ذلك الخطاب الذي تعلن فيه اغلاق هذه االثكنة التنسيقية المسماة سلطة . كنا ولا زلنا نحن اولئك الذين لا نزال نتمنى ان تكون على قدر حب الوطن الذي كنت في يوم مناضلا من اجل تحريره ان تنهي هذه المهزلة وهذا الشرك الذي اوقعوك فيه واوقعتنا ولم نعد نقوى على حراك او مقاومة.

في المقاومة ايها الرئيس حياة . المقاومة السلمية الشعبية ايها الرئيس تكون عندما تقف انت الاول في صفوفها . تكون عندما تؤمن الشعب من دبابات المحتل ومجنزراته . عندما تقف انت لتحمي صدور ابناء هذا الوطن من الاعيرة الحية والقنابل.

المقاومة ايها الرئيس تكون سلمية وشعبية عندما تصبح انت جزءا من هذا الوطن وهذه المقاومة .

لقد حان الوقت ايها الرئيس ان تعلن انتهاء هذه المهزلة المأساوية .

فما يجري من سفك دماء لابنائنا وتنكيل بنا يشبه الملاحم التراجيدية الهزلية . فما من عقل يستوعب هذه الاعدامات العلنية . ولا من عاقل يفهم كيف يترك جندي بسحل طفل لم يتجاوز العشر سنوات من عمره . وكيف يكون الشهيد ابن اثني عشر عام ايها الرئيس في وسط سلطة وظيفتها ان تحمي شعبها .

إعترف ايها الرئيس بأن السلام بالاستسلام لا يحقق.

إعترف ايها الرئيس ان المفاوضات تحتاج قوة لا تحتاج ضعف.

إعترف ايها الرئيس ان شعبك هان عليك وضحيت به من اجل سلم لا يتجاوز الا بعض التصاريح والامتيازات والتسهيلات لك ولاعوانك ولمن سخرتهم سخرة لاحتياجاتكم .

إعترف ايها الرئيس انه حان وقت الرحيل وارحل … هذا هو العمل الوطني الوحيد الذي تستطيع ان تقدمه لنا كشعب وكوطن .

إرحل ليس حقدا عليك او كرها لك … ولكن لتحقق انجازا قد يذكره لك التاريخ …

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading